أطلق المبعوث الرئاسي الروسي إلى سورية ألكسندر لافرنتيف في 27 من الشهر الجاري، تصريحات، اعتبر فيها أن عملية إعداد دستور جديد في سورية يجب ألا تهدف إلى تغيير السلطة في البلاد.
وتناقض هذه التصريحات عرض سابق، طرحته روسيا في حزيران/ يونيو 2021، وجاء على لسان المبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط ودول إفريقيا "ميخائيل بوغدانوف"، يبدى فيه استعداد بلاده لدعم انتخابات مبكرة في سورية دون الانتظار لانتهاء ولاية بشار الأسد، في حال "توافق السوريين على كتابة دستور جديد".
إن لافرنتيف من خلال هذه التصريحات، مرر تهديداً روسياً مبطناً بإلغاء آلية إرسال المساعدات إلى سورية عبر الحدود، ووصفها بأنها "غير شرعية"، بعد مضي ستة أشهر فقط على تفاهم أمريكي – روسي أسس لتمديد آلية إدخال المساعدات عبر المعابر الحدودية لمدة ستة أشهر قابلة للتمديد مرة أخرى، ليصبح المجموع عام كامل.
وتشي التصريحات الروسية إلى تعثر في مسار الحوار الإستراتيجي بين موسكو وواشنطن، والذي انطلق في تموز/ يوليو 2021، لبحث الملفات الخلافية بين الجانبين في ملفات متعددة.
ومن أبرز هذه الملفات:
1- ملف انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، الذي ترفضه روسيا بشكل قاطع لتخوفها من وصول الحلف إلى حدودها، إذ أن الولايات المتحدة الأمريكية تدعم هذه الفكرة.
2. التعاون الروسي – الصيني، وما يشكله من تهديد على النفوذ الأمريكي، حيث لا تخفي الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ عهد "بارك أوباما" تخوفها من تنامي ثقل الصيني الاقتصادي والسياسي، وترغب واشنطن بالحصول على ضمانات من روسيا بعدم التدخل في الصراع.
3- الانتشار الأمريكي في شمال شرق سورية ومستقبله، حيث تراه روسيا عقبة حقيقية في حسمها للملف السوري، خاصة في ظل ما تتمتع به المنطقة من أهمية اقتصادية لاحتوائها حقول النفط والغاز، وسياسية بسبب قربها من الحدود التركية والعراقية.
4- قيام الولايات المتحدة الأمريكية بإعادة فتح ملف إنتاج الأسلحة الكيماوية، واستخدامها من قبل النظام السوري في الهجمات ضد المدنيين، عن طريق فرض عقوبات على قادة عسكريين.
5- عرقلة الولايات المتحدة لتوجهات بعض الدول العربية، الساعية لتطبيع علاقاتها مع النظام السوري وعودة النظام السوري إلى الجامعة العربية عبر حلفاءها في الجامعة.
6- يضاف إلى ذلك، عودة النشاط العسكري الأمريكي الملحوظ إلى شمال شرق سورية، في آواخر هذا الشهر، من خلال تسيير عدة دوريات مشتركة بين القوات الأمريكية و"قوات سورية الديمقراطية" في محافظة الحسكة خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر 2021.
وبالتالي، فإن كل هذه مؤشرات تعزز فكرة تعثر الحوار مع موسكو.
ومن الواضح أيضاً، بأن تصريحات لافرنتيف، والتي تبدو عودة روسية للوراء، تأتي في خضم الرسائل المتبادلة مع واشنطن، وهي ليست ذات تأثير فعلي على المسار الدستوري، لأن روسيا لم تظهر أصلاً جدية في إعداد دستور جديد يُقلص صلاحيات الرئيس .
بالتالي فإنّ تصريحات لافرنتيف هذه تعبر عن حقيقة التوجهات والرسائل الروسية، طالما أن موسكو لم تحصل على مقابل ملموس يدفعها للتصرف بعكس هذا الاتجاه.