الطرف الثالث.. حالةٌ يجب دعمها للمساعدة في وقف استنزاف قوى الثورة وتآكلها الذاتي

الطرف الثالث.. حالةٌ يجب دعمها للمساعدة في وقف استنزاف قوى الثورة وتآكلها الذاتي

شهدت الثورة السورية منذ عام 2014 اندلاع صراعاتٍ داخلية أدّت إلى تشكّل اصطفافاتٌ واستقطاباتٌ بلغت ذروتها بعد عمليتي درع الفرات 2016 وغصن الزيتون 2018، حيث ترسخت وتعمقت هذه الحالة الاستقطابية جغرافياً وإدارياً وسياسياً وأصبح لكل منطقة حكومة وقوات عسكرية وأجهزة أمنية.

استمرت هذه الحالة من الاستقطاب دون ممانعةٍ شعبيةٍ واضحة حتى نهاية 2022، أي عندما بدأ مسارا التطبيع التركي والعربي مع النظام السوري يظهران للعلن ويسيران بخطىً أسرع؛ ما أثار تخوّف أبناء الثورة في الشمال السوري وبدأت الأصوات ترتفع لإجراء إعادة نظر وتقييم لواقع الثورة، ونشأت طبقةٌ من الشباب الذين بدأت أصواتهم تتعالى معلنةً رفضها حالة الاستقطاب والنزاع الداخلي وما يؤدي إليه من استنزافٍ لقوى الثورة في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها.

ومع كلّ تقدّمٍ في مسار التطبيع كان استشعار الخطر على الثورة ومصيرها يزداد ويزداد معه عدد المؤمنين بضرورة الوقوف في وجه حالة النزاع حتى بات هؤلاء الشباب ودعوتهم حالةً يراها كل مطلعٍ على واقع الشمال السوري.

تباينت مواقف طرفي النزاع والاستقطاب من هؤلاء الشباب وما باتوا يشكلونه من حالة متنامية، فمنهم من حاول استغلالهم وتجيير دعواهم وجهودهم لصالح أهدافه، ومنهم من بدأ التهجم عليهم ومحاولة تصنيفهم على أحد أطراف الصراع بهدف إسقاطهم وإفراغ دعوتهم من مضمونها من خلال اتهامهم بأنهم مجرّد أداةٍ من أدواتٍ في هذا النزاع التي يستغلها طرفٌ ضدّ الآخر، مع التأكيد على وجود شخصياتٌ منصفةٌ من كلا الطرفين _ وهم كثرٌ _  دعموا دعوى هؤلاء الشباب بإنهاء التنازع الداخلي وترحيل الخلافات _ولو مؤقتاً_ ريثما تخرج الثورة من أزمة تطبيع حلفائها مع عدوها.

ورغم ما وقع به عددٌ من شباب هذه الدعوة من أخطاء وخاصةً في إطار ردود الأفعال على ما تعرضوا له من تهجمٍ وتصنيف، إلا أن هؤلاء الشباب بمجموعهم هم طرفٌ ثالثٌ لا يميل لطرفٍ دون آخر، إنهم حالةٌ شبابيةٌ بعيدةً عن الفصائلية ورواسبها، وهدفها الأول والأخير إنهاء أو تأجيل أو ترحيل حالة الاستنزاف والتآكل الذاتي للثورة وقواها في ظل الخطر الوجودي الذي تتعرض له.

واليوم، وفي ظل تسارع مسار التطبيع التركي مع النظام وأثره الكبير على مستقبل ثورتنا، بات لزاماً على قوى الثورة رصّ صفوفها أو على الأقل إنهاء تنازعها وانشغال كلّ طرف فيها بالآخر، والتفرغّ للتجهيز والاستعداد لمواجهة لاستحقاق الكبير القادم عاجلاً أو آجلاً، وأعتقد أنّ زيادة سواد طرفٍ ثالث لا ينتمي لأحد طرفي الاستقطاب ولا يمكن لأحد طرفي الاستقطاب استغلاله أيضاً هو أداة مهمة في سبيل إنهاء هذا.

إنّ الطرف الثالث ليس حالةً تنظيمية، هو حالة فكرية يمكن أن تشكّل في حال التفاف الشباب حولها أداةً مهمة في تحقيق التوازن وسط هذه الحالة الحادة من العداء الصفري بين أطرافٍ يجمعهم العدو الواحد والمصير الواحد، وكل ما يلزم لنكون ضمن هذا الحالة هو أن نؤمن ونعبر عن إيماننا بأنّ حالة التنازع لم تعد مقبولة، و أنّنا كلنا دون استثناء أمام منعطفٍ خطير يستوجب توجيه ما تبقى من قوة للثورة باتجاه النظام الذي بدأ منذ عدة سنواتٍ بإعادة هيكلة قواته العسكرية والأمنية بما يمكن أن يساهم في تعافي قوته ولو بمعدلاتٍ بطيئة، فضلاً عن وجود حلفاء أقوياء معه، بينما نحن الذين نكاد نقف وحدنا في هذا الصراع المصيري لا زلنا نغرق في نزاعاتنا وانشغالنا ببعضنا وما ينتج عن هذه الحالة  من تآكل ذاتي سيجعلنا عاجلاً أو آجلاً لقمة سائغة في فم غيرنا لا قدر الله.

الكاتب: بسام أبو عدنان/ باحث في مركز جسور للدراسات 

المقالات المنشورة في "نداء بوست" تعبّر عن آراء كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.


أحدث المواد