ماذا تريد روسيا في الشرق الأوسط؟

ماذا تريد روسيا في الشرق الأوسط؟

منذ هجوم حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، استمتعت روسيا بمشاهدة الوضع المتدهور في الشرق الأوسط يشغل خصمها الرئيسي، الولايات المتحدة، ولكن في الثالث عشر من نيسان/ إبريل، بدأت موسكو تشعر بالقلق عندما أطلقت حليفتها، طهران، أكثر من 300 صاروخ وطائرة بدون طيار على إسرائيل رداً على هجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق. 

وعلى الرغم من تحييد هذا الهجوم بشكل فعّال من خلال الدفاعات المضادة للصواريخ والدعم المنسق من الولايات المتحدة والشركاء العرب والغربيين، ردّت إسرائيل بعد ستة أيام بضربة على نظام دفاع جوي بعيد المدى من طراز "إس-300" في أصفهان، وهي مدينة تقع في عمق إيران. بعد ذلك، أشارت كل من إسرائيل وإيران إلى أنهما حريصتان على تجنُّب الانزلاق إلى الحرب. ولكن من خلال استهداف كل منهما الآخر بشكل مباشر على أرضه، أشار الخصمان اللدودان إلى أن قواعد الاشتباك غير المكتوبة بينهما قد تغيرت، مما يجعل من الصعب على كل منهما قياس تصرُّفات ونوايا الطرف الآخر والحدّ من خطر التصعيد. وقد أثار هذا قلق روسيا، التي كانت شديدة الحرص على الموازنة بين تقويض قوة الولايات المتحدة في المنطقة وبين عدم الالتزام المفرط، ولا تريد أن ترى حرباً أوسع في الشرق الأوسط.
بالطبع، يمكن أن يكون للتوترات المتصاعدة بين إيران وإسرائيل مزايا لموسكو. فمن ناحية، من المؤكد أن المزيد من التصعيد في الشرق الأوسط من شأنه أن يحول انتباه واشنطن وإمداداتها عن أوكرانيا، حيث تشن روسيا حالياً هجوماً. كانت هذه الديناميكية واضحة بالفعل في أعقاب السابع من أكتوبر مباشرة، عندما أرسلت إدارة بايدن بطاريات باتريوت إضافية إلى الشرق الأوسط، مستمدة من مخزون محدود من الأنظمة التي كانت كييف تسعى إليها بشدة. في إبريل، تحسباً للضربة الانتقامية الإيرانية ضد إسرائيل، نقلت الولايات المتحدة المزيد من الأصول العسكرية إلى المنطقة لمساعدة دفاع إسرائيل. ثم في يونيو/ حزيران، وسط توترات متزايدة بين إسرائيل وحزب الله، أرسلت واشنطن سفناً ومشاة البحرية الأمريكية إلى المنطقة. وسوف يتطلب المزيد من التصعيد التزاماً بتوفير موارد أمريكية إضافية، وهو ما لا يسع الكرملين إلا الترحيب به. وعلاوة على ذلك، من المرجح أن تؤدي الحرب في الشرق الأوسط إلى ارتفاع أسعار النفط، مما يعقد جهود إدارة بايدن لترويض تكاليف الوقود للمستهلك الأمريكي العادي قبل أشهر من الانتخابات الأمريكية. ومن المؤكد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سوف يفرك يديه بمأزق الرئيس جو بايدن.
بالطبع، تصاعُد التوترات بين إيران وإسرائيل يمكن أن يكون له فوائد لموسكو. فمن ناحية، سيؤدي المزيد من التصعيد في الشرق الأوسط إلى تحويل انتباه واشنطن ومواردها عن أوكرانيا، حيث تشن روسيا هجوماً حالياً هناك. كانت هذا الديناميكية واضحة في أعقاب أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، عندما أرسلت إدارة بايدن بطاريات باتريوت إضافية إلى الشرق الأوسط، مما استنزف من مخزون هذه الأنظمة الصاروخية المحدود الذي كانت كييف تسعى الحصول عليه بشتى الطرق. وفي نيسان/ إبريل، وتحسباً لضربة انتقامية من إيران ضد إسرائيل، نقلت الولايات المتحدة المزيد من الأصول العسكرية إلى المنطقة لتقوية أنظمة الدفاع الإسرائيلية. ثم في حزيران/ يونيو، وسط تزايد التوترات بين إسرائيل وحزب الله، أرسلت واشنطن سفناً وقوات من مشاة البحرية الأمريكية إلى المنطقة، وكل ما زاد التصعيد سيتطلب الأمر التزاماً بموارد أمريكية إضافية، وهو ما سيرحب به الكرملين بكل تأكيد. كما أن اشتعال حرب في الشرق الأوسط من المرجح أن يرفع أسعار النفط، مما يُعقّد جهود إدارة بايدن لتهدئة تكاليف الوقود للمستهلك الأمريكي العادي قبل شهور من الانتخابات الأمريكية. ومن المؤكد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيكون سعيداً بوقوع الرئيس جو بايدن بمزيد من المشاكل.
ولكن مع ذلك، فإن حرباً أوسع نطاقاً في المنطقة من شأنها أن تحمل مخاطر كبرى بالنسبة لموسكو. فإذا بدأت إسرائيل في محاربة حزب الله أو إيران، فسوف يضطر الكرملين إلى التعامل مع ثلاث نتائج خطيرة؛ تورط حليفته سورية، وإضعاف قدرة إيران على تزويد روسيا بالأسلحة، وتعقيد علاقاتها مع دول الخليج العربية وإيران. وفي حرب أوسع نطاقاً، ينبغي للولايات المتحدة أن تتوقع من موسكو أن تقدم دعماً محدوداً لخصوم إسرائيل وأن تلوم واشنطن بصوت عالٍ على التصعيد، مع تجنب التدخل العسكري المباشر. وينبغي للولايات المتحدة، بالتالي، أن تستخدم الوسائل الدبلوماسية والعسكرية المتاحة لها لضمان عدم تفاقم التوترات في المنطقة.

الطريق إلى دمشق
حتى لو تجنبت إيران وإسرائيل المواجهة المباشرة، فإن تصعيد الصراع الإسرائيلي الحالي مع حزب الله سيكون محفوفاً بالمخاطر بالنسبة لروسيا. وإذا قررت إسرائيل غزو لبنان، فمن المرجح أن يؤدي ذلك إلى دمار واسع النطاق، فضلاً عن هجوم صاروخي من حزب الله يستهدف إسرائيل. وقد تتحول سورية، حيث تحتفظ روسيا بقواعد بحرية وجوية، بسرعة إلى ساحة صراع ثانوية لأن البلاد موطن للعديد من مواقع حزب الله وطرق الإمداد التي قد تضربها إسرائيل. وإلى جانب هجومها على القنصلية الإيرانية في دمشق، شنت إسرائيل ضربات على البنية التحتية السورية، بما في ذلك مستودعات الذخيرة ونقاط التفتيش والمقرات، التي تمكن إيران من نقل الأسلحة إلى حزب الله وشركاء آخرين. وفي أوائل تموز/ يوليو، أسفرت غارة إسرائيلية بطائرة بدون طيار في سورية عن مقتل اثنين من مقاتلي حزب الله، مما دفع المجموعة إلى إطلاق الصواريخ على مرتفعات الجولان. ومؤخراً، انتشرت تقارير في وسائل الإعلام الإسرائيلية تفيد بأن إسرائيل حذرت الرئيس السوري بشار الأسد من المشاركة في حرب غزّة الحالية، بل وهددت بتدمير نظامه إذا شُنت هجمات أخرى من بلاده.
ومن المرجح أن تتزايد الهجمات الإسرائيلية على سورية في أعقاب اندلاع حرب شاملة مع حزب الله. ورغم أن التأثير لن يكون مدمراً مثل ما يمكن أن يتوقعه لبنان، فإنه قد يزعج روسيا. وربما تكون أوكرانيا أولوية في السياسة الخارجية الروسية، لكن سورية تظل مهمة للكرملين كمثال على صراع خرجت فيه روسيا منتصرة، بعد أن وقفت إلى جانب حليفها. كما تشكل سورية قيمة إستراتيجية لروسيا لأنها تعمل كمنصة لإبراز قوة موسكو في شرق البحر الأبيض المتوسط من قاعدة بحرية في طرطوس وقاعدة جوية في حميميم قامت روسيا بتطويرها وتوسيعها قبل غزوها لأوكرانيا. كما تُعَدّ البلاد مركزاً لنقل الموارد العسكرية إلى ليبيا ومنطقة الساحل في إفريقيا، حيث يتوسع الوجود الروسي.
هناك العديد من الأهداف السورية المحتملة، فمطارَا حلب ودمشق هما مسبقاً في مرمى نيران إسرائيل، ولكن في حالة اندلاع حرب إسرائيلية مع حزب الله، فإن قاعدة حميميم الجوية التي تديرها روسيا في غرب سورية، والتي يمكن استخدامها كنقطة عبور للأسلحة الإيرانية، قد تصبح أيضا هدفاً. ومن المرجح أن تنبه إسرائيل موسكو قبل أي ضربات من هذا القبيل؛ لأن إيذاء الجنود الروس قد يؤدي إلى تصعيد الصراع.
ومع ذلك، قد تتعرض بعض المعدات الروسية للقصف، وربما كان قرار موسكو في كانون الثاني/ يناير بتكثيف دورياتها الجوية على طول خط فك الاشتباك بين سورية ومرتفعات الجولان بمثابة تحذير لكل من إيران وإسرائيل بعدم السماح لسورية بدخول دوامة صراع إقليمية. وفي حالة زيادة الهجمات الإسرائيلية على سورية، فمن المحتمل أن تقوم موسكو بزيادة التشويش الإلكتروني من حميميم لتعطيل العمليات الإسرائيلية والسماح للسوريين باستخدام أنظمة الدفاع الجوي الروسية للاشتباك مع الطائرات المقاتلة الإسرائيلية. ومن المرجح أن ترغب موسكو في تجنب خلق الانطباع بأن قواتها تقاتل إسرائيل بشكل مباشر، ما لم تكن تعتقد أن وجودها في سورية مهدد بشكل أساسي.
المخزونات تتلاشى بسرعة
إذا انفجر الوضع في الشرق الأوسط، فقد تنجذب إيران أيضاً إلى الصراع. لقد أفادت تقارير أنه قبل ضربتها الانتقامية ضد إيران في 19 نيسان/ إبريل، قام مجلس الحرب الإسرائيلي بدراسة عدة خيارات، بما في ذلك ضرب منشآت إستراتيجية مثل قواعد الحرس الثوري أو منشآت الأبحاث النووية. وبدلاً من ذلك، اختارت إسرائيل القيام بتنفيذ رد متواضع نسبياً. ومن المؤكد أن قادتها سيكونون أقل تحفظاً في حال حدوث تصعيد إضافي، ولديهم القدرة على إلحاق ضرر جسيم بإيران. وقد تبين ذلك عندما استهدفت إسرائيل المنشأة في أصفهان، مما كشف عن قوة الاستخبارات الإسرائيلية وقدرتهم على العمل داخل الأراضي الإيرانية. ولا شك أن الهجمات المستقبلية قد تكون مدمرة.
من الممكن أن تستهدف الضربات الإسرائيلية مرافق إنتاج الطائرات بدون طيار الإيرانية في منطقتَيْ طهران وأصفهان، أو الصواريخ البالستية في طهران وخوجير وشاهرود، أو الذخيرة في بارشين وأصفهان. وقد تتعرض المنشآت التي تنتج مكونات أساسية لإنتاج الأسلحة، مثل محركات الطائرات بدون طيار في طهران وقُم ومحركات الصواريخ البالستية الصلبة في خوجير وشاهرود، للهجوم أيضاً. ورغم أن مثل هذه المنشآت منتشرة في جميع أنحاء البلاد، فإن الضربات المكثفة قد تؤثر، على الأقل في الأمد القريب، على عمليات نقل الأسلحة الإيرانية إلى روسيا في هذه الفئات. واعتماداً على ما تقرر إسرائيل، أو الولايات المتحدة، إذا اختارت الانضمام إليها، مهاجمته في حالة تصعيد الموقف، فقد تتعرض صناعة الدفاع الإيرانية لضغوط خطيرة. وهذا من شأنه أن يخلف عواقب وخيمة على روسيا، التي اعتمدت على إيران في الحصول على الطائرات بدون طيار وغيرها من الأسلحة لتغذية حربها في أوكرانيا.

والواقع أنه منذ غزو أوكرانيا في عام 2022، وسعّت موسكو وطهران بشكل كبير تعاونهما العسكري التقني، حيث تلقت روسيا أنواعاً مختلفة من الطائرات بدون طيار القتالية الإيرانية وقذائف المدفعية وذخائر الأسلحة الصغيرة والقنابل الانزلاقية. وفي اعتراف بهذا الاعتماد، بدأت روسيا الإنتاج المحلي لطائرات شاهد الإيرانية بدون طيار وحصلت على إمدادات عسكرية إضافية من كوريا الشمالية. ورغم أن هذه التغييرات ربما قللت إلى حد ما من اعتماد روسيا على نقل أنظمة الأسلحة الإيرانية، فإن موسكو بالتأكيد لا ترغب في رؤية صناعة الدفاع لدى شريكها تتلاشى. فطالما أنها تقاتل أوكرانيا، فإن روسيا سوف ترغب في ضمان قدرة طهران على المساعدة في تجديد مخزوناتها مع الشراكة مع موسكو في تطوير أنواع جديدة من الطائرات بدون طيار.
إن دخول إيران إلى الحرب من شأنه أن يسبب مشاكل أخرى لموسكو، فإذا اختارت إسرائيل مهاجمة إيران، فسوف تحتاج طهران إلى تعبئة كل قدراتها العسكرية للرد. وفي غياب قوة جوية أو دفاعات جوية فعّالة، فسوف تضطر إيران إلى الاعتماد على أسطولها من الصواريخ والطائرات بدون طيار، وهو ما يحدّ بشدة من ما يمكنها تسليمه إلى روسيا. وحتى لو اقتصر التصعيد في الشرق الأوسط على القتال العنيف بين إسرائيل ووكلاء إيران، فسوف تحتاج طهران إلى تجديد ترسانات شركائها، وهو ما يمنحها مرة أخرى مجالاً أقل لدعم موسكو.
وقد تشكل الحملة التي تقودها إسرائيل ضد إيران مخاطر على سمعة روسيا أيضاً. ولكن في ظل الأولوية القصوى للحرب في أوكرانيا، لا تملك موسكو القدرة ولا الرغبة في مساعدة إيران في حالة نشوب صراع عسكري. والواقع أن روسيا كانت دوماً ترغب في تجنب الدخول في حرب مع إسرائيل، ناهيك عن القوات الأمريكية، في الشرق الأوسط. وإذا تصاعدت التوترات، فلن تظهر روسيا بمظهر المخلّص لإيران. بل إنها ستتحدث بصوت عالٍ عن العدوان الأمريكي وربما تزيد من دعمها العسكري لإيران في أعقاب أي هجوم، ولكنها ستتجنب التورط في الصراع بشكل مباشر. وقد يؤدي هذا التقاعس إلى الإضرار بسمعة روسيا في المنطقة وخارجها. وعلى المدى المتوسط، قد تدفع الحرب الإيرانية الإسرائيلية طهران، بمجرد تعافيها، إلى الحصول على سلاح نووي ــ وهي النتيجة التي لن ترغب روسيا في رؤيتها، بسبب المخاطر المرتبطة بمثل هذا التطور.
الحفاظ على النهج
إن التصعيد الإقليمي قد يؤدي أيضاً إلى تعقيد علاقات روسيا مع إيران ودول الخليج العربية. في السنوات الأخيرة، سعت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية إلى التقارب مع إيران، معتقدين أن الحوار المباشر والعلاقات الاقتصادية هي أفضل طريقة للحفاظ على الاستقرار الإقليمي. وعلى الرغم من أن هذا التقارب تم تنسيقه دون مساهمة روسية، إلا أنه أفاد موسكو. فقد سهّل على الكرملين التحالف الوثيق مع إيران وشركائها ووكلائها، وهم القوى الرئيسية المناهضة للغرب في المنطقة، مع الحفاظ على علاقاته مع الدول العربية. وفي الوقت نفسه، أعطى التنسيق مع دول الخليج في أوبك+ روسيا نفوذاً على سوق النفط، وبرزت الإمارات العربية المتحدة كقناة حاسمة للجهود الروسية للتهرب من العقوبات المفروضة رداً على الغزو الروسي لأوكرانيا.
لقد ساعدت علاقات روسيا مع دول الخليج العربية وإيران موسكو في الدفاع عن قضية توسيع عضوية مجموعة البريكس، وهي الكتلة التي أسستها البرازيل وروسيا والهند والصين في عام 2009 وانضمت إليها جنوب إفريقيا في العام التالي. في عام 2023، تم توسيع المجموعة لتشمل إيران والإمارات العربية المتحدة إلى جانب مصر وإثيوبيا، مما يعزز جهود الكرملين لتجميع تحالف متزايد من القوى غير الغربية. من الأسهل بكثير على روسيا الحفاظ على هذه العلاقات عندما تكون دول الخليج وإيران متناغمة، بدلاً من الانخراط في منافسة صفرية حيث ستزعج تعاملاتها مع أحد جانبَي الصراع الطرف الآخر. لا عجب إذن أن الدبلوماسيين الروس كانوا سعداء عندما وعد ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة في أيار/ مايو أثناء زيارة إلى موسكو بأن بلاده، وهي دولة خليجية عربية تواجه الغرب منذ فترة طويلة، ستطبع العلاقات مع إيران.
قد يؤدي التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران إلى تعقيد خطط روسيا. على الرغم من أن العديد من الدول العربية ساعدت إسرائيل في صد الهجوم الجوي الإيراني في 13 نيسان/ إبريل، إلا أنها قللت من دورها وأشارت إلى اهتمام واضح بالحفاظ على تقاربها مع إيران. ولكن على الرغم من أن دول الخليج العربية لا ترغب في انهيار الانفراج في علاقاتها مع إيران، فإن التصعيد بين إسرائيل وإيران أو وكلائها قد يؤدي إلى ضربات على أراضيها. وقد تشمل الأهداف منشآت عسكرية أمريكية أو معدات إستراتيجية مثل منشآت النفط، التي استهدفها الحوثيون سابقاً في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وبغض النظر عمن أطلق الرصاصة الأولى، فمن المرجح أن تلوم دول الخليج العربية حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على أي تصعيد.

ومن شأن التآكل الناتج عن التقارب الأخير بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة وحكومات الخليج الأخرى أن يُرضي الكرملين، الذي نظر بقلق إلى تشكيل كتلة مناهضة لإيران توحد إسرائيل ودول الخليج العربية تحت رعاية الولايات المتحدة. ولكن التصعيد الإقليمي يحمل مخاطر على الوفاق العربي الإيراني أيضاً، وبالتالي على روسيا.
المتاعب
في نيسان/ إبريل، بدا الأمر وكأن إيران وإسرائيل تتجهان نحو حافة الهاوية، ولكنهما تمكنتا بعد ذلك من كبح جماح نفسيهما. وإذا ما مضتا إلى أبعد من ذلك في المرة القادمة، أو إذا قررت إسرائيل أن الوقت قد حان لمواجهة حزب الله، فإن التصعيد الذي قد يترتب على ذلك من شأنه أن يهدد جميع الأطراف، بما في ذلك موسكو، التي سوف تضطر إلى اتخاذ قرار بشأن ما إذا كانت سوف ترد أو تظل على الهامش. بيد أن قدرة روسيا على صياغة النتائج سوف تكون أكثر محدودية من قدرة الولايات المتحدة. وذلك لأن القدرات العسكرية الروسية متراجعة مسبقاً ونفوذها على الأطراف المتحاربة ضئيل للغاية. وعندما يحين وقت الحسم، فمن المرجح أن تدعم روسيا إيران أو حزب الله من خلال الحرب الإلكترونية أو من خلال إمداد شركائها بالأسلحة التي لا يحتاجون إليها في حملة أوكرانيا. ومن غير المرجح أن تتدخل موسكو عسكرياً بشكل مباشر. ومن المؤكد أنها سوف تلوم واشنطن على أي تصعيد. ولكن في ضوء ما قد تخسره روسيا في سورية، وفي إيران، وفي أماكن أخرى في المنطقة، فمن غير المضمون أن تخرج موسكو منتصرة من مثل هذه الحرب. وإذا انفجرت الأوضاع في الشرق الأوسط، فلن يضر ذلك بأعداء روسيا فقط، ولكنه سوف يضر روسيا أيضاً.
ولأن الأولوية القصوى لروسيا هي مواجهتها العالمية مع الولايات المتحدة بشأن أوكرانيا، فلا ينبغي لبوتين أن يكون له أي مصلحة في الانجرار إلى حرب شاملة في الشرق الأوسط لا يستطيع السيطرة عليها. والواقع أن التوترات في المنطقة تساعد روسيا في مساعيها لتقويض النظام العالمي، ولكن فقط إن استطاعت إدارتها. وتستفيد موسكو من الحرب الحالية في غزة، وهي سعيدة برؤية سمعة الولايات المتحدة تتدهور بسبب ما يُنظَر إليه على نطاق واسع باعتباره دعماً غير عادل لإسرائيل. وهذا هو السبب أيضاً وراء عدم إظهار روسيا أي اهتمام يُذكر بتهدئة التوترات الحالية.
خلال الأشهر التسعة الماضية، والتي يمكن القول إنها كانت الأكثر أهمية بالنسبة للشرق الأوسط منذ عقود، كانت روسيا على الهامش دبلوماسياً. وفي حين كان كبار المسؤولين الأمريكيين يتنقلون بنشاط بين العواصم الإقليمية، ركزت روسيا جهودها على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وهناك انتقدت موسكو واشنطن مراراً وتكراراً لفشلها في دعم قرارات وقف إطلاق النار. وعندما اقترحت الولايات المتحدة مؤخراً قرارها الخاص لوقف إطلاق النار على ثلاث مراحل، امتنعت روسيا عن التصويت، مشيرة إلى الافتقار إلى التفاصيل، لكنها امتنعت عن استخدام حق النقض ضد نص مشروع القرار، الذي حظي بدعم من العالم العربي. وقد استمتعت روسيا بمشاهدة الولايات المتحدة وهي تكافح المأزق المتمثل في كونها اللاعب الأكثر كراهية في المنطقة واللاعب الذي تتطلع إليه العديد من القوى للخلاص، وهو الدور الذي لا تستطيع واشنطن أن تؤديه أو لن تؤديه. وطالما ظلّت السياسة الأمريكية غارقة في هذه الفوضى، فلن يكون لدى روسيا أي سبب لتعريض مصالحها للخطر من خلال تأجيج المزيد من المشاكل الإقليمية.
إذا اندلعت الحرب بين إسرائيل وحزب الله، فإن روسيا لديها خياران معقولان: إما ألَّا تفعل شيئاً، أو أن تزيد من دعمها لخصوم إسرائيل مع تجنب الانخراط العسكري المباشر. إن الجلوس على الهامش ليس خياراً معقولاً، وهذا يعني أن النتيجة الأكثر ترجيحاً هي أن تدعم موسكو وكلاء إيران من خلال مزيج من إمدادات الأسلحة والدعم غير العسكري. ومع قدراتها المتطورة باستمرار، يمكن لروسيا أن تكثف حربها الإلكترونية من سورية من خلال التشويش على أنظمة التوجيه للأسلحة الإسرائيلية. كما يمكنها أن تنقل المزيد من الأسلحة إلى حزب الله في لبنان أو الحوثيين في اليمن، وهو ما يتوافق مع إستراتيجيتها الحالية. في كانون الثاني/ يناير، ضرب حزب الله قاعدة مراقبة الحركة الجوية في جبل ميرون (الجرمق) في إسرائيل بما يبدو أنه صواريخ مضادة للدبابات موجهة من صنع روسيا؛ ووفقاً لمسؤولين أمريكيين، فلقد فكرت موسكو مؤخراً في نقل صواريخ كروز إلى الحوثيين. ولكن القيود العسكرية الناجمة عن حملة روسيا في أوكرانيا والحكمة السياسية التي تفرضها علاقاتها مع دول الخليج العربية من شأنها أن تمنع الكرملين من التورط بشكل أعمق مع وكلاء إيران.
يجب على واشنطن أن تكون واضحة في نظرتها تجاه موقف روسيا من حرب أوسع في الشرق الأوسط، فليس لدى موسكو مصلحة في أن تحقق الدبلوماسية الأمريكية الهدوء والاستقرار، ولكنها أيضاً لا تريد اندلاع حرب إقليمية.

لذلك، رغم أن روسيا لن تكون قوة بنّاءة تساعد الولايات المتحدة في نزع فتيل التوترات، فإنها لن تحثّ إيران أو وكلاءها على شنّ حرب شاملة ضدّ إسرائيل. وإذا اندلعت حرب، يجب أن تتوقع واشنطن دعماً محدوداً من روسيا لأعداء إسرائيل، ويجب أن تعمل على تقويضه أو تحييده حيثما أمكن ذلك، ومن غير المرجَّح أن تنجح التحذيرات التي تطلقها واشنطن بأن موسكو لا ينبغي لها أن تتدخل في هذه الحرب. وبدلاً من ذلك، لا بد أن تشجع الولايات المتحدة شركاءها من دول الخليج العربية على ممارسة ضغوط هادئة على روسيا حتى لا تنقل الصواريخ وغيرها من الأسلحة إلى وكلاء إيران، مع توضيح المخاطر المترتبة على القيام بذلك. ولا بد أن تعمل الولايات المتحدة أيضاً على تعزيز دفاعاتها، وتشجيع شركائها الإسرائيليين على احترام الخطوط الحمراء الروسية في سورية، وقبل كل شيء تكثيف جهودها الدبلوماسية لضمان احتواء الحرب بين حزب الله وإسرائيل بسرعة في حال اندلاعها.

المصدر: فورين أفيرز
بقلم: هانا نوت
ترجمة: عبدالحميد فحام

المقالات المنشورة في "نداء بوست" تعبّر عن آراء كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.


أحدث المواد