"نداء بوست" – سليمان السباعي – حمص
تسير في شوارعها تستجمع ذكريات مضت من عمر الثورة السورية، وتحاول جاهداً أن تنسى أو تتناسى أصدقاءك الذين أمضيت معهم أيام الحصار والحرب التي عصفت بما سُمّي آنذاك بـ "عاصمة الثورة" إنها مدينة خالد بن الوليد التي طالما تغنى باسمه المتظاهرون وشددوا على ضرورة الاستمرار بالثورة حتى نهاية المطاف.
المارّ من مدخل المدينة الشمالي يلحظ للوهلة الأولى أنه دخل مدينة أشباح لا حياة فيها، فانطلاقاً من صوامع الحبوب مروراً بكراج البولمان وأحياء القصور والقرابيص والخالدية لا حياة تنذر بعودة قريب أو صديق ممن هُجِّروا قسراً أو ماتوا بفعل الحصار والحرب على الرغم من العودة الجزئية لأصحاب منازلها.
أبنية حي القصور على الرغم من استيلاء الأسد على المدينة في عام 2014 إلا أنها ما تزال شاهدة على إجرامه بعدما سُوِّيَ قسم كبير من أبنيتها بالأرض تماماً، لسنا نتحدث عن حرب دولة على أخرى، بل نتحدث عن حاكم ظالم متعنِّت، أصرَّ على ذبح شعبه، وقتله بكل ما لديه من عتاد وسلاح حينما طالبوا ببعض التغييرات بداية ليؤدي قمع المتظاهرين وقتلهم للمطالبة سريعاً بإسقاط النظام.
الحال في حمص الأسد ليس كما كان سابقاً في حمص عاصمة الثورة، فالإعلام الموالي يحاول جاهداً إظهار الأمور على ما هي عكسه تماماً، فالبسمة التي اعتاد عليها أهل المدينة والتي اشتهروا بنكاتهم المضحكة لم تَعُدْ تراها إلا في نادر الأحيان، وبات من المؤسف القول إن الجميع بات يخاف من الجميع.
لا تدري في أي لحظة قد يستوقفك أحدهم، ويطلب منك إبراز هُويَّتك وأخذ بصمتك والبحث عن كونك مطلوباً، وعلى الرغم من ارتدائه اللباس المدني إلا أنك تقف عاجزاً عن سؤال بسيط "لأي الأفرع الأمنية تتبع أنت؟" تعطيه الهوية.. وأنت تبتسم في وجهه، وقلبك يرتجف مخافة الاعتقال، والتغييب في سجون قد لا ترى النور بعدها. فالدوريات الراجلة في مدينة حمص باتت تنتشر في كل شارع، ومع انتشار البطاقات الأمنية التي بات يُعرف سعرها للجميع أنهكت المواطن وزادت من همومه التي أتت على كل شيء أحبه.
في شارع "الدبلان" أحد أشهر شوارع مدينة حمص، والذي يقصده أصحاب الذوق الراقي لشراء الملابس والأحذية والإلكترونيات باعتباره مرتعاً للوكالات العالمية الشهيرة، بات في عُهدة رجال الأسد مجرد سوق متواضع يرهب الناس من المرور به نظراً لوجود دوريات الأمن به على نحو دائم.
واستبدلت لوحات التعريف بالماركات العالمية للألبسة وغيرها بإذاعات للبسطات على جانبي الطريق في حين أغلق معظم أصحاب محلات "الماركات" صالاتهم متجهين إلى أماكن غيرها محاولين إنعاش تجارتهم من جديد.
إلى ذلك يشعر مَن يعبر بين الساعتين الجديدة والقديمة في الشوارع -التي كانت من أبرز شوارع مدينة حمص وأكثرها اكتظاظاً بالحركة المرورية وتنقل المدنيين باعتباره مركزاً للمدينة- كأنه يسير في مدينة أخرى، فالدمار منتشر على جانبَي الطريق وسينما حمص محروقة بالكامل يقابلها انهيار سينما الزهراء والكندي، ويختتم مشواره بمعالم جديدة لساعة حمص القديمة التي يعتبرها المتظاهرون والثائرون في حمص رمزاً مخلداً للثورة وشاهداً حياً على مجزرة اعتصام الساعة التي قضى خلالها مئات الشهداء بعدما فتحت قوات الأسد نيرانها على المتظاهرين.
ويبقى السؤال العالق في أذهان الكثيرين ممن قرروا البقاء في حمصهم هل تُرانا أخطأنا بقرار بقائنا في المدينة؟ هل كان من الأفضل مغادرتها؟ لكن مَن سيأتي ويستولي على منازلنا وأرزاقنا؟ دوامة كبيرة نعيشها كل يوم ونفكر بها مئات المرات منتظرين بارقة أمل تريحنا من نظام مستبد نشر مَسعُورِيه في أرجاء المدينة ليحافظ على حكمه ولو على أشلاء شهدائها ودمار بنيتها بالكامل.