نداء بوست – هاني العبد الله – إسطنبول
اجتمع نائب وزير الخارجية الروسي “ميخائيل بوغدانوف”، الأربعاء الماضي في موسكو، بوفدٍ من منصّات المعارضة وأحزاب سورية، في لقاءٍ حرصت من خلاله موسكو على الدفع بالمعارضة نحو مسارٍ تفاوضيٍّ جديد مع نظام الأسد، بما يتوافق مع رؤية روسيا للحل السياسي في سورية.
واستقبل “بوغدانوف” وفداً من المعارضين السوريين يمثلون جميع المنصات المذكورة في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وعدداً من المنظمات والجمعيات الأخرى، حيث جرى مناقشة مستقبل الحل في سورية، إلى جانب التركيز على الوضع الإنساني والاجتماعي والاقتصادي في سورية، وآفاق عملية المصالحة الوطنية وإعادة إعمار البلاد بعد الصراع.
روسيا تجرّ “المعارضة” إلى دمشق
وحضر الاجتماعَ رئيس “منصة موسكو” قدري جميل، والنائب السابق لرئيس هيئة التفاوض، خالد المحاميد، وممثل هيئة التنسيق في موسكو، عادل إسماعيل، وعضو مجلس سورية الديمقراطية “مسد”، سيهانوك ديبو، وعضو المبادرة الوطنية في جبل العرب، حسن الأطرش، وعبيدة النحاس من حركة التجديد الوطني، وعضو حزب الإرادة الشعبية، علاء عرفات، والممثل عن حزب سورية المستقبل، علي العاصي.
في الأثناء، أعلنت “منصة القاهرة” للمعارضة السورية، عدم مشاركتها في الاجتماع، وقال منسق المنصة، فراس خالدي، في بيان: “نستغرب إقحام اسم المنصة بين المشاركين، ونستنكر انتحال البعض صفة تمثيل المنصة ممّن لا تربطهم بها أي روابط”، وذلك في نفي لادعاء الخارجية الروسية تمثيل المنصة من خلال مشاركة خالد المحاميد.
النائب السابق لرئيس هيئة التفاوض، خالد المحاميد، تحدث لموقع المدن، عن أبرز ما جرى خلال الاجتماع، حيث أكد أنه “تم التركيز على ضرورة تحريك المسار السياسي بعد تعطيل العملية السياسية، وفشل مسار اللجنة الدستورية”.
ولفت المحاميد إلى أنه جرى طرح إجراء مفاوضات مباشرة بين المعارضة والنظام في دمشق، بمشاركة “كل مَن يرغب بالحوار دون شروط مسبقة وتحت سقف قرار مجلس الأمن 2254، وبضمانات أممية”.
وتعليقاً على اجتماع شخصيات من المعارضة السورية مع المسؤولين الروس في موسكو، قال المحلل السياسي، حسن النيفي، لموقع نداء بوست: “أعتقد أن اللقاء المذكور بين شخصيات سورية وبوغدانوف، لا يرقى لأنْ يكون تأسيساً لمسارٍ جديد، بقدر ما يأتي تعزيزاً أو رافداً للمحاولات الروسية، الساعية لتحييد القرارات الأممية ذات الصلة بالقضية السورية من فحواها الجوهري، من أجل فرض رؤيتها لحل سياسي ينبثق من تفوق ميزان القوة العسكري للنظام والروس”.
وأوضح النيفي، أن “الشخصيات التي حضرت الاجتماع في موسكو مؤخراً، لا تمثل أطياف المعارضة السورية جميعها من جهة، ولا تمثل جميع أطياف هيئة التفاوض من جهة أخرى، فهي بالأحرى تمثل منصة موسكو فقط، وربما أراد الروس تثقيلها ببعض الشخصيات من قسد للضغط على تركيا من جهة، ولإقناع قسد بضرورة التنسيق مع الروس من جهة أخرى”.
وفي ذات السياق، أفاد الكاتب في الشأن السياسي، الدكتور محمود الحمزة، لموقع “نداء بوست”، بأن “كلام المحاميد حول طلب المعارضة عقد اجتماع مع النظام في دمشق، هو جزء من إخراج مسرحي، فالمشروع هو مشروع روسي بامتياز ولكن قدري جميل والمحاميد ومَن معهم أعلنوا وكأنهم هم مَن قدم المشروع”.
هل توقف مسار اللجنة الدستورية؟
تأتي دعوة روسيا لشخصيات من المعارضة إلى بدء مسارٍ تفاوضي جديد مع النظام، في وقت ما زال مسار اللجنة الدستورية قائماً، من خلال سلسلة من الجلسات التفاوضية.
لكن النائب السابق لرئيس هيئة التفاوض، خالد المحاميد، زعم أن انعقاد المفاوضات في دمشق من شأنه تسريع الحل السياسي وَفْق القرار الأممي 2254، وأن ذلك يعني انتهاء المسار الدستوري من وجهة نظر روسيا، موضحةً أن خطوة عقد مفاوضات في دمشق بحاجة لموافقة النظام.
وفي هذا السياق قال حسن النيفي: “تدرك موسكو أن مسار اللجنة الدستورية لن يُفضي إلى نتيجة مثمرة، كما تدرك أن الغاية من فرضه على السوريين والحرص على استمراره، هو إتاحة المزيد من الوقت لقوات النظام لتستمر في قتل السوريين من جهة، ولكي تشغل المجتمع الدولي وتوهمه أن الأسد ما يزال يشارك أو يتجاوب مع العملية السياسية، فاللجنة الدستورية هي مجرد غطاء أو يافطة، يمكن لموسكو أن تستثمرها وتوظفها لأي حلٍّ تستطيع تحقيقه في سورية”.
بدوره يرى الدكتور محمود الحمزة، أن “الشخصيات التي حضرت اللقاء مع بوغدانوف، هم وفد من المعارضة الخلبية ولا يمثلون المعارضة السورية الحقيقية، وحتى لو ذهب ذلك الوفد إلى دمشق واتفق مع النظام، فلن يكون لاتفاقهم أي قيمة؛ لأن الحل السياسي في سورية، مرتبط بالموقف الدولي، وعلى رأسه الموقف الأمريكي الذي ما زال غير واضح”.
وأوضح الحمزة، أن “روسيا لم تقدم أي مشروع للحل في سورية طوال 11 سنة، سوى تكرار شعارات فارغة حول تطبيق القرارات الدولية، وانتقلوا بعدها إلى إقحام الناس بموضوع اللجنة الدستورية الفاشل من أصله، والذي يعتبر التفافاً واضحاً على القرارات الدولية بخصوص الحل في سورية مثل قرارات جنيف-1 لعام 2012، وقرار مجلس الأمن 2254 لعام 2015، وأفرغها من محتواها لكسب الوقت للنظام وحلفائه”.
هل اقترب التطبيع بين أنقرة ودمشق؟
مع مضيّ تركيا في مقاربة التطبيع مع النظام السوري، وحديثها عن ضرورة إجراء مصالحة بين النظام والمعارضة، يتخوّف سوريون من أن تضغط أنقرة على الائتلاف المعارض، في سبيل الدخول بمسار جديد شبيه بالذي تحدث عنه المحاميد.
ويرى المحلل السياسي، حسن النيفي، أن التقاطع بين اللقاء الذي جمع بوغدانوف وشخصيات سورية معارضة، وبين التواصل التركي مع نظام دمشق، هو تقاطُع غير مباشر، بمعنى أن الروس أنفسهم هم الذين يريدون من أنقرة أن تُفاوِض نظام دمشق بشكل مباشر ويدفعون بهذا الاتجاه”.
وتابع النيفي قائلاً: “روسيا تحاول كذلك تعزيز التقارب بين تركيا والأسد من خلال روافد أخرى، إحداها اللقاء الأخير للمعارضة السورية في موسكو، ولكن بالنتيجة أعتقد أن المسعييْنِ يلتقيان في الهدف ذاته، وهو التصالح مع النظام بعيداً عن القرارات الأممية”.
من جهته يرى الدكتور محمود الحمزة، أن التصريحات التركية حول التقارب مع الأسد، ليست سوى من أجل الدعاية السياسية الداخلية وإرضاء بعض القوى الدولية، وأي تقارُب مع النظام هو لمحاربة قسد، ولكني أعتقد أن التطبيع بين أنقرة ودمشق ما زال بعيداً، وهناك ملفات شائكة كثيرة بين سورية وتركيا ستعرقل هذا التقارب”.
وكانت وكالة “رويترز” كشفت الخميس الماضي، عن إجراء تقييم لكيفية عقد لقاء بين وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو، ووزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، خلال زيارة أجراها رئيس جهاز المخابرات التركية هاكان فيدان إلى دمشق خلال الأسبوع الفائت.