بينما العالم منشغل بالحرب الروسية الأوكرانية، جرى أول اجتماع دبلوماسي عربي إسرائيلي في صحراء النقب، وعلى مستوى عال، كان البارحة الإثنين، هو اليوم الثاني والأخير من اللقاء الذي وصفته الصحيفة الأمريكية نيورك تاميز بأنه تاريخي، وكتب باتريك كينجسلي في نيويورك تايمز عشية انعقاده، بأنه لقاء كبار الدبلوماسيين من إسرائيل ومصر والإمارات والبحرين والمغرب والولايات المتحدة، لإجراء محادثات تشير إلى إعادة تنظيم القوى في الشرق الأوسط والتي تم تسريعها بسبب الحرب في أوكرانيا.
وحسب التصريحات، ناقش دبلوماسيون كبار من إسرائيل والولايات المتحدة وأربع دول عربية وهي مصر والإمارات والبحرين والمغرب، قضية إيران، وأهمية أمريكا في المنطقة، وأمن إسرائيل. وأيضاً جمعت المحادثات وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لبيد مع وزراء خارجية البحرين ومصر والمغرب والإمارات العربية المتحدة، إلى جانب وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكين.
أول تلميح عن هذا الحدث اليوم، كتب محمد يوسف في صحيفة البيان الإماراتية مقالاً تحت اسم (الرقم الصعب) وضح فيه بأن إدارة جو بادين التي همشت (الأصدقاء)، ومنذ استلامها للسلطة، وتعاملت بعنجهية مع الأصدقاء، وعطلت صفقات الأسلحة، وسحب الأسلحة الجوية، وتجاهلت الاتفاقات المسبقة، ولكن هذه الإدارة التي أغلقت الهواتف طيلة 14 شهراً، تكتشف اليوم أهمية هذه الدول (الأصدقاء) لسد العجز في البترول، لتدعايات الحرب الروسية الأوكرانية، فبحثوا عن وسيط لترميم العلاقات. لم يوضح الكاتب الإماراتي من هو الوسيط بشكل مباشر في مقاله، ولكن يختم في مقاله في لهجة عتاب “اكتشف بايدن وبلينكن، أننا رقم صعب، بل هو رقم قد يزن الكفة التي يكون فيها، وكان ذلك، بعد اشتداد أزمة أوكرانيا، وتبين لهما، ولمن معهما، بأن الثقل الدولي يتوزع بين الدول، وأن أهم دولتين قادرتين على قلب الموازين في قضية البترول، وسد النقص، هما الإمارات والسعودية، وفتحت خطوط الهواتف المغلقة، وأرسلت طلبات الزيارة، واكتشفوا أن ما كسرته أيديهم، يحتاج إلى ترميم، فبحثوا عن وساطات، وهم الأصدقاء!”
وفي مقال في صحيفة ميليت التركية اليوم، للكاتب التركي كونري جيفا تحت عنوان (تركيا الوسيط) يتحدث فيه عن أهمية اللقاء السادس من جولة المفاوضات الروسية الأوكرانية التي تجري اليوم، في ذات الساعة التي اكتب فيها هذا المقال. أشار في مقاله إلى اسرائيل، التي تلعب دور الوسيط بين دول عربية والولايات المتحدة الأمريكية”. مشيراً إلى يوئيل جوزانسكي الخبير في معهد الدراسات الاإسرائيلية، والذي علق على هذا الحدث “إسرائيل من عدة جهات هي قاعدة لكل أنواع التطورات والمستجدات على الساحة”
في عالم السياسية، الرقم الصعب مصطلح للأفراد والدول، من لا يمكن تجاوزه، فإن تجاوزته تخسر بينما أن كسبته كسبت الكثير. وفي عالم الأعداد، يسمى الواحد بالرقم الصعب الذي إذا تغير وضعه تغيرت معه أشياء كثيرة. وعلى ضوء هذا، إذا تم تجاهل الرقم الصعب تصبح الخسارة كبيرة، وإن وضعت في مكانه الذي يستحق كسبت كسباً كبيراً.
الكاتب الإماراتي محمد يوسف يعلن بأن الإمارات ومعها السعودية رقماً صعباً، ويعاتب أمريكا بأنهم أصدقاء ولا حاجة للوسيط، ومع ذلك كانت إسرائيل هي الوسيط. وهنا السؤال: من هو الرقم الصعب؟ الوسيط أم الطرف المتجاهل؟
في هذا العالم المضطرب، لم يعد مدهشا، أن تكون إسرائيل وسيطا لدول عربية ذات ثقل مع الولايات المتحدة الأمريكية، و الحزن لن يوقف مثل هذه اللقاءات، وهنا يخطر في بالنا بأنه هل حقاً هو لقاء لإعادة تنظيم قوى الشرق الأوسط أم مراسم دفن فلسطين؟
أشار باتريك كينجسلي بأن اللقاء هو أقوى المؤشرات حتى الآن على أن إسرائيل بدأت في جني ثمار صفقات التطبيع التي تم التوصل إليها قبل عامين. و يبقى قول المشاركين العرب بأنهم ضغطوا علناً على إسرائيل بشأن الحاجة إلى إنشاء دولة فلسطينية ذات سيادة، والتطبيع لن يجعلهم يتخلوا عن القضية الفلسطينية مجرد استعراض،
ولكن هذا الحدث ربما يكشف لنا تحركات وتوترات ملك الأردن الذي اقصي عن الاجتماع، وتبدو محاولته مع مازن عباس فعل شيء ما، تؤكد قلقه من حل القضية الفلسطنية على حسابه، وربما يفسر لنا ذلك لماذا الإمارات فتحت بابها لبشار الأسد، والذي كان بمثابة رد فعل بأن لدى الإمارات وهذه الدول العربية جوكرا يمكن أن يغير المعادلة.
يعجز الكلام أحيانا عن التعبير. ولكن يبدو أن بناء الهيكل يبدأ حسب ما صرح وزير خارجية إسرائيل عن اللقاء “ما نقوم به هنا هو صنع التاريخ – بناء هيكل إقليمي جديد قائم على التقدم والتكنولوجيا والتسامح الديني والأمن والتعاون الاستخباراتي،”رحم الله الشاعر محمود درويش حين قال في قصيدته مديح الظل العالي: “آه ، يا دمنا الفضيحة، هل ستأتيهم غماما، هذه أُمم تَمرُّ وتطبخ الأزهار في دمنا، وتزدادُ انقساماً، هذه أُممٌ تفتِّش عن إجازتها مِنَ الجَمَل الزخرفِ… هذه الصحراءُ تكبر حولنا.. صحراءُ من كل الجهاتْ.. صحراءُ تأتينا لتلتهم القصيدةَ والحساما.. الله أَكبرْ هذه آياتنا، فاقرأُ باسم الفدائيَّ الذي خَلَقَا.. مِن جُرْحِهِ شَفَقا.. باسم الفدائيَّ الذي يَرحَلْ من وقتِكم.. لندائِهِ الأوِّلْ الأوَّلِ الأوَّلْ سَنُدمِّرُ الهيكلْ..”