أثناء انعقاد مؤتمر "فالدي" للحوار نهاية آذار/ مارس، رفض وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف"، الربط بين تنظيم الانتخابات الرئاسية في سوريا وبين انتهاء أعمال اللجنة الدستورية، وقال إنّ بلاده لا تنظر إلى القرار 2254 (2015) على أنّه يتطلب تنظيم انتخابات بعد الموافقة على دستور جديد فقط.
قدّم "سيرغي لافروف" خلال المؤتمر وعوداً بأنّ تكون الجولة السادسة من اللجنة الدستورية نوعية وجديدة، وأنّها ستشهد للمرّة الأولى لقاءً مباشراً بين رئيسي وفد النظام والمعارضة السورية. وعاد ليجدد موقف روسيا الساعي لعقد الجولة السادسة من اللجنة الدستورية قبل حلول شهر رمضان، وهو وعد سبق وأنّ قدّمه على هامش الاجتماع الثلاثي حول سوريا في الدوحة منتصف آذار/ مارس.
يبدو أنّ روسيا كانت مستعدة للضغط على النظام السوري وإيران من أجل تأجيل الانتخابات الرئاسية، مقابل تسوية سياسية تقضي بتشكيل حكومة وحدةٍ وطنية وإقامة انتخابات مبكرة، على أن يكون ذلك بمعزل عن عملية الإصلاح الدستوري القائمة في جنيف والتي يتم بموجبها تحديد موعد وصلاحيات الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
لكنّ الإعلان عن موعد إجراء الانتخابات الرئاسية في 20 و26 أيار/ أيار داخل وخارج سورية، يعني تعثّر جهود روسيا في التوصّل لاتفاق مع الغرب يلقى قبولاً لكل منهما.
أداة غير فعّالة لكن ضرورية
إنّ إعادة انتخاب بشار الأسد لرئاسة سورية تعني أنّ روسيا مصّرة على عدم تحديد جدولٍ زمني لمسار الإصلاح الدستوري، لأنّ ذلك من شأنّه تقويض فترة ولاية بشار الأسد في السلطة، ويبدو أنّها كانت تعوّل على مجرّد تعديلٍ في دستور عام 2012 يقود في جوهره إلى تشكيل حكومة وحدةٍ وطنية وانتخابات مبكرة دون أن يؤثر ذلك على حق بشار الأسد في الترشّح لولاية جديدة.
في الواقع، تحرص روسيا على عدم تقويض مسار الإصلاح الدستوري مهما حصل، لأنّها إحدى أهم الأدوات الدبلوماسية التي تعتمد عليها خلال المفاوضات مع تركيا والغرب، ولا تكترث روسيا كثيراً في حال تم تحقيق تقدّمٍ في المفاوضات أو لا، لكنّها تحاول مراراً إظهار وجود تقدّمٍ في المسار.
لذلك، لا يُمكن توقّع انعقاد الجولة السادسة قبل إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية في 28 آيار/ مايو، ولحينها لا يعني حصول أي تقدّم في مسار الإصلاح الدستوري دعم روسيا لتحقيق اختراق نوعي من قبيل الاتفاق على المبادئ الدستورية.
ومع ذلك، عندما تجد روسيا الفرصة ملائمة لتحقيق اختراق نوعي في المفاوضات، ستعيد النظر في مسار الإصلاح الدستوري ليكون أداة فعالة تستحق الدعم الكامل، وهذا مرتبط بطبيعة التسوية التي تأمل التوصّل إليها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبما يرضي كلّاً من تركيا وإيران.
ليست أولوية
كان تأسيس منصة الدوحة منتصف آذار/ مارس، مؤشراً على حرص روسيا على إيجاد بدائل لمواجهة التحديات الناتجة عن عدم التوصّل لتسوية سياسية مع الغرب.
وطالما تمت إقامة الانتخابات في موعدها فإنّ روسيا لن تولي أهمية كبيرة في مسار الإصلاح الدستوري، لأنّها ستكون معنية أكثر في تجاوز الأزمة الاقتصادية سواءً من خلال منصة الدوحة أو عبر استمرار التواصل الدبلوماسي مع الدول العربية من أجل تطبيع العلاقات مع النظام السوري ولو بشكل فردي.
هذا لا يعني أنّ روسيا قد تتخلّى عن مسار الإصلاح الدستوري، لكنّها لن تكترث بممارسة الكثير من الضغوط على النظام السوري من أجل الالتزام بجدول الأعمال أو أجندة المفاوضات، باستثناء ما قد يُعطّل عمل اللجنة الدستورية الذي يستدعي تدخّلاً غير حاسم لضمان استمرار الجولات وفق آلية الخطوة خطوة.
والنّظام السوري بدعم من روسيا وإيران لديه خبرة كافية لإدارة المفاوضات ببطء شديد بما يضمن استمرارها على نحو غير مثمر مثلما حصل في الجولات الخمس السابقة التي عجزت فيها الأمم المتحدة والمعارضة السورية عن تحقيق نتائجٍ ملموسة في عملية الإصلاح الدستوري.
عندما اتّفقت روسيا مع تركيا وإيران على إقامة الجولة 15 من مباحثات مسار أستانا منتصف شباط/ فبراير 2021، كان مسار الإصلاح الدستوري يعاني من انسداد في الأفق، وإذا ما تراجع اهتمام روسيا بهذا الأخير بعد الانتخابات الرئاسية في سوريا قد تلجأ مرّة أخرى وبحرص إلى الدعوة لإقامة المزيد من جولات مباحثات مسار أستانا كأداة دبلوماسية تُظهر قدرتها على التأثير الكبير في مسار العملية السياسية وإدارة الخلاف مع أنقرة وطهران.
طبعاً، لن تكون تركيا راضية عن التباطؤ غير المثمر في مسار الإصلاح الدستوري لذلك ستكون أستانا منصة ضرورية لتبادل النقاش مع روسيا التي لن تكون قادرة دائماً على التطرق للقضايا العالقة بشكل بروتوكولي. ومع ذلك، لا تمتلك أنقرة أدواتٍ كافية للضغط على موسكو التي بمقدورها فرض المزيد من القيود والصعوبات عليها لا سيما عبر نظام وقف إطلاق النار في منطقة خفض التصعيد.
محاولة أخيرة
من المحتمل أن يكون لدى روسيا رغبة في توجيه رسالةٍ إيجابية إلى الغرب بعد الانتخابات الرئاسية من خلال الجولة السادسة للجنة الدستورية من خلال إظهار الاستعداد للانتقال إلى مناقشات مثمرة عبر حث النظام السوري على القبول بوضع منهجية محددة للمفاوضات تتناول تلخيص المداولات، وتحديد جدول الأعمال بشكل واضح، وتوسيع الجدول الزمني.
ربّما تأمل روسيا أو تَتطلّع لأن تكون اللجنة الدستورية مدخلاً للتعاون مع الغرب في سوريا للوصول إلى تسوية سياسية مرضية أو مقنعة لكِلا الطرفين على ألا تتجاوز نتائج الانتخابات الرئاسية.
طبعاً، إنّ قبول النظام السوري بوضع منهجيةٍ محدّدة لمسار الإصلاح الدستوري يعني الاستعداد للدخول في مفاوضات جادة ومتسارعة حول المبادئ الدستورية وغيرها، وبمقدور الأمم المتحدة تقييم ذلك على نحوٍ يساهم في حث الغرب على الانخراط في دبلوماسية نشطة أكثر.
لكن عدم إبداء الغرب أيّ اهتمام أو تفاعل مع محاولات روسيا الحثيثة لإيجاد مدخل مقبول للتعاون في سوريا قد يُقابل بردود فعل أكثر تشدّداً من قبل روسيا. على سبيل المثال، عندما تراجع اهتمام الغرب في دعم مسار جنيف بسبب سلوك النظام السوري في المباحثات لم تفوّت روسيا الفرصة لدعم تأسيس مسار موازٍ للحل السياسي في أستانا.