كان إعلان النظام السوري عن موعد إجراء الانتخابات الرئاسية في 20 و26 مايو/ أيار داخل وخارج سوريا، يعني تعثُّر جهود روسيا في التوصّل لاتفاق مع الولايات المتّحدة وأوروبا يلقى قبول كل منهما، ويضع إطاراً لتحديد مصير العملية السياسية والقوات الأجنبية ومكافحة الإرهاب في سوريا.
هذا يعني أيضاً أنّ روسيا ستكون مستعدة لدعم بشار الأسد في ولاية جديدة، بصرف النظر عمّا إن كانت مدّتها كاملة أم ناقصة، ويشمل ذلك مواجهة العديد من التحدّيات الداخلية على المستوى الاقتصادي والأمني والسياسي.
إذاً، أمام روسيا عدد من البدائل لمواجهة تلك التحديات، ولا يعني اللجوء إليها وجود قدرة على الوصول إلى النتائج المرجوّة أو المطلوبة بقدر ما يعكس إصراراً على التعامل مع الملف السوري كأولوية بالنسبة لها.
بدائل اقتصادية:
يبدو أنّ روسيا تُعوّل على مجموعة من الإجراءات لتعويض عجز النظام السوري عن توفير السلع والخدمات لمناطق سيطرته نتيجة استمرار العقوبات الاقتصادية الغربية.
في نهاية نيسان/ إبريل توصّلت روسيا مع الإدارة الذاتية الكردية لاتفاق أوّليّ يتضمن تسهيل مرور شحنات المحروقات والقمح الواردة لمناطق سيطرة النظام السوري مع زيادة الكميات، قد يكون هذا الاتفاق أحد أبرز البدائل التي تُعوّل عليها روسيا لتغطية جزء من العجز في الوصول إلى موارد النفط والقمح وما يترتب على ذلك من تأثير على إدارة اقتصاد الحرب والموازي.
كذلك، قد يكون هناك تعويل على رفع الطاقة الإنتاجية لآبار النفط والغاز الواقعة غرب الفرات في مناطق سيطرة النظام السوري، وذلك من خلال تقديم المزيد من الحماية والدعم لشركات استثمار روسية أو محلية مثل "أرفادا"، على أمل صيانة وإصلاح الآبار لرفع الإنتاج المحلي من 50 إلى 80 ألف برميل يومياً، وبذلك يتم تغطية جزء من حاجة القطاع العام وبأولوية لقطاع الأمن والجيش.
أيضاً، يُعتبر التبادل التجاري -وإن كان محدوداً- بين سوريا ورابطة الدول المستقلة وبعض الدول العربية كالإمارات والجزائر والبحرين ودول أخرى مثل أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، أحد البدائل المتاحة أمام روسيا.
بدائل أمنية:
قد تبذل روسيا المزيد من الجهود لحمل النظام السوري على تطبيق خطة الإصلاح المؤسساتي التي طالبت بها مراراً وقادها الرئيس "فلاديمير بوتين" بنفسه عندما أجرى زيارة إلى دمشق مطلع عام 2020 ، والمقصود بالإصلاح إبداء النظام السوري مرونة كبيرة في إعادة هيكلة وتنظيم وإدارة بعض القطاعات في مؤسسات الدولة لا سيما تلك التي تُشكّل محور اهتمام روسيا مثل قطاعات الجيش والأمن والاقتصاد وغيرها.
ربّما تأمل روسيا أن تُساهم خطّة الإصلاح المؤسساتي في تقليص حجم الفوضى الأمنية وبالتالي إعادة الاستقرار نسبياً وبشكل تدريجي إلى العديد من المناطق لا سيما الطرق الرئيسية والمنشآت الاقتصادية والحكومية وغيرها. يُمكن أن يساهم الإصلاح في إعادة الثقة بقدرة المؤسسات على إعادة الاستقرار، وبالتالي توفير بيئة ملائمة للاستثمار ومشاريع إعادة الإعمار.
وقد تلجأ روسيا أيضاً إلى تعزيز التعاون مع القوى المحلية في المناطق التي وقّعت اتفاقيات تسوية من أجل تحسين الأوضاع الأمنية فيها، على غرار الجنوب السوري حيث ترتبط اللجنة المركزية بعلاقة جيدة مع روسيا.
في الأصل، يُمثّل غياب الأمن أحد أبرز التحديات التي تواجه روسيا في مناطق سيطرة النظام السوري، فغياب البيئة الآمنة يُعتبر عائقاً رئيسياً أمام عودة المستثمرين المحليين واستمالة المستثمرين الأجانب، ويعيق عودة اللاجئين أيضاً، وإن كان ذلك بشكل محدود لأغراض الدعاية السياسية، وكذلك ما يخص التسويق لعملية سياسية تكون فيها روسيا الضامن، فأي دعوة لإقامة انتخابات مبكرة بحال تم ذلك بموجب اتفاق ثلاثي أو رباعي أو أكثر، يحتاج لمعيار البيئة الآمنة.
ربما يترتب على ذلك إعادة انتشار الشرطة العسكرية الشيشانية والروسية على نحو أوسع، وتسيير دوريات لا سيما في المناطق التي وقّعت اتفاقيات التسوية.
بدائل سياسية:
منذ أن وقّعت روسيا اتفاق الدوحة مع قطر وتركيا منتصف آذار/ مارس 2021، بدا وكأنّها تبحث عن خيارات بديلة أو موازية عن أيّة تسوية سياسية مع الغرب تؤدي لفكّ العزلة عن النظام السوري و/ أو تخفيف العقوبات الاقتصادية عنه.
في الواقع، لن تتخلّى روسيا عن جهودها في نقل النظام السوري من العزلة الدولية إلى التطبيع البطيء، وقد يُشجّع على ذلك النجاح الذي حققته بين عامَيْ 2018 و2020 حيث أعادت بعض الدول العربية العلاقات الدبلوماسية معه.
ربما ما تزال روسيا تأمل بالتوصّل لتسوية سياسية مع الغرب حول سوريا، على أن تكون الانتخابات الرئاسية نموذجاً يُمكن البناء عليه في أي اتفاق مقبل. يُمكن لفرنسا أن تؤدي دوراً مهماً في هذا الصدد، والتي سبق أن قدّمت وثيقة مطلع آذار/ مارس 2021، اقترحت فيها تناوُل الأمم المتحدة سلّة الانتخابات ضِمن العملية السياسية، وبما يتوافق مع القرار 2254 (2015).
لكن ذلك يتطلب تواصُلاً بين روسيا وفرنسا التي سبق أن دعت مراراً دول الاتحاد الأوروبي للحوار مع روسيا حول النزاعات الخارجية بما في ذلك سوريا. وعليه، قد تؤدي فرنسا دور الوسيط بين الغرب وروسيا التي لن تُفوّت حتى فرصة تجميد النزاع في سوريا إذا كان ذلك يُساهم في معالجة انهيار الاقتصاد ويُحافظ على المكاسب.