الشهرة التي نشدها الكاتب الكشميريّ الأصل سلمان رشدي عَبْر الإساءة إلى دين بعينه، لَهِيَ، بحق، شهرة شيطانية مسكونة بالقبح والوضاعة. فهل الحل -بالتالي- الاعتداء عليه، وطعنه في مكان عامّ؟ بالطبع لا.
فما الحل إذاً؟ كان الأولى أن يُجَرّ إلى محاكمة عادلة ما أن حطّت قدماه الهاربتان في مكان ما من أمكنة هذا الكوكب.
بعد جريمته بالتطاول على رموز دينية تحظى بإجماع عند أتباع دين من الديانات السماوية، ارتكبت شرطية الأرض، ومن قبلها بريطانيا المهزومة في زمن الإمبراطوريات الجديدة، جريمة ثانية باحتضانه وحمايته، ولَهِيَ، بحق، حماية غير بريئة ولا حصيفة ولا تدخل بأي شكل من الأشكال، في باب احترام حرية الرأي، ولو كانت حرية الرأي مُصانَة، إلى هذا الحدّ في بلاد تمثال الحرية المزعومة، أو بلاد الاستعمار القديم، لكان أولى، أن يعبّر الناس هناك من مواطنين ومقيمين عن رأيهم بحرية حول عدم مشروعية احتلال فلسطين، أو حول حق الشهيدة شيرين أبو عاقلة بالقصاص من قَتَلَتها، أو حول التبعية الأمريكية للوبي الصهيوني الذي يحكم هناك بلا حسيب ولا رقيب. إن الإدارة الأمريكية تمنع حتى حرية المعتقد إنْ كان هذا المعتقد يذهب باتجاه الانحياز للفكر الاشتراكي، وتجرّم بريطانيا وأمريكا من ينقد مِثليّاً أو مِثليّة، فعن أي حرية رأي تتحدثون؟ وتُنهي مسيرة أي صحافي قد يشكك بأرقام الهولوكوست، لا ينفيها، فهي قد حدثت، فقط يشكك ببعض المعلومات حولها، أو يشير إلى وجود ضحايا آخرين تعرّضوا للحرق نفسه الذي تعرّض له يهود النمسا وألمانيا وبولندا. تنتهي مسيرته الصحافية، وتلاحقه اللعنات أينما حلّ وكيفما ارتحل. فلماذا هذه الحرية مصانة، فقط، عندما تستهدف تراثنا ووعينا وما فُطرنا عليه؟
إنْ كنتُ أشفق فإني أشفق فقط على مَن قام بفعل الطعن، فهو فعل مدفوع إمّا بحملة التحريض، أو بإغراء المكافأة، أما أن يكون الطاعن قد قرأ الرواية المتهالكة “آيات شيطانية” فلا أعتقد. أو أن تكون أمريكا التي احتضنت رشدي وطبطبت عليه قد قرأتها فلا أعتقد. أو أن يكون أيٌّ ممن علّقوا -يباركون الطعن- قد قرأ الرواية فلا أعتقد. أنا قرأت الرواية، ولا أشفق، بالتالي، على سلمان رشدي، وفي الوقت نفسه، لا أرى من داعٍ أن يُلوِّث متحمسٌ، أو منجرٌّ، أو مدفوعٌ بأي دافع، يدَه بدمٍ يحمل كل هذا السواد والانحطاط الأدبيّ والمعرفيّ والقيميّ والأجنداتيّ.