لا تتشابه حكاية الثورة السورية ضد نظام الأسد مع الكفاح الفلسطيني ضد الكيان الصهيوني الطويل في قصة التغريبة والنزوح ولا في حكاية الخيام والتشرد ولا في قصة الكفاح السلمي والمسلح بكل انتصارته وانتكاساته ولا في مرارة الخذلان الذي ذاقته من القريب والبعيد ولا في قصص البطولات الأسطورية التي عبر عنها الشباب السوري والفلسطيني في ثورته وكفاحه الطويل .
لكنها تتشابه أيضاً من كونها تواجه عدواً متشابهاً في كل شيء، ذلك لأن صراع الشعب السوري مع نظام الأسد وصراع الشعب الفلسطيني الكيان الصهيوني هو صراع مع نظامين متشابهين، مسكونين بعقدة الأقلوية الغريبة المتخوفة على الدوام من ثورة المحيط الرافض لها، ومسكونين بعقدة اللص الناهب لحقوق الأخرين الذي يخاف من صحوة صاحب الحق وثورته المطالبة بالحق المنهوب، الساعي على الدوام في إثبات شرعية امتلاكه للوطن المنهوب لأنه يدرك في قرارة نفسه أنه عابر طارئ يواجه شعباً أصيلاً متجذراً.
فلم يكن النظام السوري أكثر من عصابة مجرمة سارقة للوطن والسلطة سارقة للمستقبل والحاضر، جعل من الشعب السوري شعباً يعيش على هامش التاريخ، كرعية مستعبدة وأرقام صفرية تكتسب قيمتها من انتسابها له يحكمها بالحديد والنار، وجعل من الوطن مزرعة خاصة لا يجوز لأحد أن ينازعها على ملكيتها وإلا كان مصيره السجن والقتل.
ولم يكن الكيان الصهيوني المصطنع أكثر من عصابة سارقة للتاريخ والهوية والأرض والمستقبل مسكوناً هو الآخر بعقدة اللصوصية، لأنه يدرك في قرارة نفسه أنه يقيم كيانه على أرض مغصوبة ووطن منهوب يعيش حالة من القلق المزمن من صحوة صاحب الحق أن يهب لاستراد حقه في أي لحظة.
لقد حرك هذا التشابه الكبير في الحكاية والرواية بين شعبين منكوبين لا شعورياً كوامن الانتماء العميق بين الشعبين لدرب الحرية الأبدي وطريق الثورة السرمدي فلم يعبر عنها الشعب الفلسطيني المنتفض في قدسه الأسيرة وباقي المدن الفلسطينية برفع صورة "حسن نصر الله" ولم يحمل راية "حزب الله " ولا صور الهالك "قاسم سليماني" ولا "الخميني" ولا أعلام إيران رغم متاجرة هؤلاء بقضية فلسطين والقدس وإدعائهم المفضوح بالعداوة من الكيان الصهيوني لم نراها ترفع في المظاهرات والاعتصامات الفلسطينية، بعد أن سقطت أخر أوراق التوت عن عورة محور المقاومة والممانعة بعد إجرامه بحق أخوة الثورة والحرية من الشعب السوري.
لكنها عبرت عنها برفع علم الثورة السورية والصدح بأناشيد عبد الباسط الساروت وأغاني الثورة السورية المكلومة وبادرها الشعب السوري هو كذلك بالتحية والتضامن.
إن هذا التشابه العميق بين النظام الأسدي والكيان الصهيوني هو ما أرعب الكيان الصهيوني منذ بداية الثورة السورية فقد كان متوجساً من ثورة حرية ملهمة ربما تعيد القضية الفلسطينية كقضية محقة للواجهة من جديد وتتحول نصرة الشعب الفلسطيني من نصرة نظام كاذب مدع إلى نصرة شعب حر صادق، لذلك بادرت لإنقاذ الأسد بكل ما تملك ومانعت من إسقاطه وصرحت مراراً وتكراراً بأنه خيارها المناسب لحماية أمنها.
إن العلاقة بين الشعب السوري والشعب الفلسطيني هي علاقة كعلاقة "الحلول والاتحاد"، لكنه حلول لا كحلول الأرواح بالأرواح، واتحاد لا كاتحاد الأجساد بالأجساد، وإنما حلول المشاعر والغايات ونبل الفعل التحريري المتجاوز للقطر واللون والدين والعرق، المنتمي إلى فعل إنساني متمرد على الاحتلال والطغيان ومستفز لكل إنسان قد تحقق بجوهر إنسانيته ينزع إلى الحرية خلاصاً من سلاسل الاستبداد وقيود السجان المدمية.
ولأن كل فعل تحرري ضد الاحتلال والاستبداد هو امتداد لثورتنا وشريك لها، ولأن كل انتصار للحرية في معركة من معاركها هو انتصار لنا.
فإننا نرى في مفرداتنا وهتافنا وراياتنا التي تتردد في ساحات الحرية وطرق النضال في هذا العالم، تاكيداً على انتصار ثورتنا واستمرار مسيرة التحرير الكبرى التي بدأها الربيع العربي يوم قام على حلف الجلادين والعابرين في تاريخنا يسقطهم الواحد تلو الأخر ليستعد الشعب العربي دوره في كتابة التاريخ بعد أطال غيابه بفعل آلة القمع والاحتلال وأشباه الاحتلال.