مترجم – معهد أبحاث السياسة الخارجية
نشر الصحفي والباحث "أرون ستين" -مدير معهد أبحاث السياسة الخارجية مقال رأي يقيّم فيه وضع إدارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" فاستهّل مقالته بالقول: إنه بعد توليها للمنصب في كانون الأول/ يناير، بدأت إدارة "بايدن" مراجعة السياسة الأمريكية في سوريا والحرب المستمرة هناك، وسعت هذه المراجعة إلى طيّ صفحة سياسات إدارة ترامب، التي حوّلت أولويات الولايات المتحدة في سوريا من الهدف الضيّق المتمثل في محاربة تنظيم "داعش" إلى توسيع مهمة مواجهة إيران وحراسة النفط السوري من بشار الأسد.
وأشار الكاتب إلى أنه من الواضح أنه نشأت سياسة عهد ترامب من مزاجيات الإدارة، حيث قاوم الموظفون الذين أوكل إليهم ترامب مهمة الإشراف على السياسة جهوده لسحب القوات الأمريكية، فأعادت إدارة "بايدن" ربط السياسة الأمريكية بهزيمة "داعش" وجرّدت أهداف الولايات المتحدة من أي مفاهيم لحماية المنشآت النفطية أو مواجهة وكلاء إيران في المناطق التي يسيطر عليها النظام.
ويضيف السيد "أرون" أن هذا التحوّل في السياسة هو انعكاس عملي لأهداف الإدارة الشاملة، فقد حوّلت الولايات المتحدة أولوياتها من الشرق الأوسط إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ ، بينما تحاول إصلاح العلاقات المتوترة مع الكثير من أقرب حلفاء أمريكا في أوروبا.
وتتمثل الأولوية الرئيسية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط في التوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة وكيفية ترتيب رفع العقوبات التي فُرضت في عهد "ترامب".
الحرب السورية هي أيضاً أولوية، لكن سياسة الإدارة لم تعد مرتبطة بطموحات إقليمية أوسع، كما كان في عهد "ترامب" الذي عمل على إسقاط النظام الإيراني، ومنع حلفاء أمريكا العرب من التطبيع مع النظام السوري.
وفي حديثٍ للكاتب عن النظام السوري وصفه بأنه "هشّ وغير كُفْء"، لكنه يحظى بدعم روسيا وإيران كما صمد في وجه التمرد بقيادة المعارضة لمدة عشر سنوات؛ حيث إن النظام لا يسيطر على كامل البلاد, لكن المعارضة أضعف من أن تشن عمليات هجومية لاستعادة الأراضي. ويواجه البلد كارثة اقتصادية ناجمة عن انهيار القطاع المصرفي اللبناني، وتأثير فيروس "كورونا" ، والعقوبات الأمريكية، والجفاف الشديد الذي قلل من المحاصيل الزراعية، وتدمير البنية التحتية. حيث ترتبط المصالح الأمريكية الآن بهدفين مزدوجين: زيادة المساعدة الإنسانية والاحتفاظ بالتواجد العسكري الأمريكي لمحاربة "داعش".
وقال ستين: ترتبط الأولوية الأولى بالمداولات في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والتفويض الذي يحكم إيصال المساعدات عَبْر الحدود إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
وكانت قد سمحت اتفاقية 2014 بأربعة معابر، لكن هذا العدد انخفض إلى واحد، بسبب معارضة روسية وصينية كما أن التفويض الخاص بنقطة العبور النهائية (معبر باب الهوى) ينتهي في 10 تموز/ يوليو، وبدون تمديد، يخاطر شمال غربي سوريا بقطع المعبر الأخير مع تركيا، حيث إن الموقف الروسي متمسك بأن دمشق هي حكومة ذات سيادة لسوريا، وبالتالي فإن الأمم المتحدة يجب أن تقدم المساعدة فقط من خلال عاصمة البلاد.
وبعد توليه منصبه، أفرجت إدارة بايدن عن 50 مليون دولار كمساعدة لتحقيق الاستقرار، والتي تم تجميدها خلال إدارة ترامب، وستنفق بشكل أساسي في شمال شرقي سوريا.
هذا التمويل يضاف إلى 600 مليون دولار للإنفاق الإنساني لكل سوريا، بما في ذلك اللاجئون في البلدان المجاورة.
كما قررت إدارة بايدن الاحتفاظ بقوات برية وقاعدة سلاح الجو الأمريكي لدعم قوات سوريا الديمقراطية، القوة الشريكة التي تصدرت محاربة "داعش"، وهي الأولوية الثانية للإدارة، ويعتمد الوجود البري للولايات المتحدة على آليتين مترابطتين لمنع التضارب الجوي والبري مع روسيا، واستخدمت هذه الآليات نهر الفرات كحدود فاصلة، وجرى تقسيم سوريا بين شرق وغرب الفرات.
لقد تغير الوضع بعد العمليات التركية في شمال شرق سوريا في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 ، مما أدى إلى انسحاب "مُتسرِّع" للولايات المتحدة من المناطق الحدودية وتحرك روسي لتكون بديلة عن القوات الأمريكية في المواقع التي انسحب الأمريكان منها؛ حيث أصبح الأمريكيون والروس الآن قريبين من بعضهم بعضًا، بطرق تختلف اختلافاً كبيراً عن بيئة ما قبل تشرين الأول/ أكتوبر 2019.
ويتابع مدير معهد أبحاث السياسة الخارجية بالقول بأن إدارة "بايدن" كانت قد أوضحت لموسكو صراحة أنها تنوي البقاء في سوريا، وأرسلت وفداً رفيع المستوى للقاء قيادة قوات سوريا الديمقراطية لنقل قرارات السياسة الأمريكية. ويشمل هذا الجهد أيضًا تواصلاً كبيراً مع تركيا، وهو أمر مُهِمّ لجهود الولايات المتحدة لزيادة المساعدة في تحقيق الاستقرار.
ولا تزال موسكو ملتزمة بالأسد وقد حافظت على سياسة متسقة تجاه سوريا حيث تركز هذه السياسة على تدريب وتجهيز القوات المسلحة السورية، وتوفير الدعم الجوي والعمليات الخاصة، وحماية النظام دبلوماسياً في الأمم المتحدة والهيئات الدولية الأخرى. وقد آتى هذا الجهد ثماره، لا سيما في ساحة المعركة. فالنظام آمِن، حتى لو كانت البلاد في حالة مدمرة وغارقة في الانهيار الاقتصادي. ومُعارَضة الأسد مكبوتة في إدلب، تحت حماية تركية بحكم الأمر الواقع وغير قادرة على شنّ عمليات هجومية. فمن المنظور الروسي، حالت موسكو دون انهيار دولة شريك إقليمي.
ويؤكد المقال أن الولايات المتحدة لا تتفاوض بشكل مباشر مع روسيا، لكنها تشير إلى أنها يمكن أن تحيي دبلوماسية أكثر صراحة ومثمرة إذا أظهرت موسكو بعض النوايا الحسنة.
ويختم المقال بالقول بأن إدارة بايدن ضيّقت أهداف الولايات المتحدة في سوريا، تاركة وراءها سياسة واسعة للغاية وهشّة من الناحية القانونية اتبعها فريق ترامب.
وتشير هذه السياسة الجديدة إلى وجود أمريكي مفتوح في الشمال الشرقي لضمان استمرار استهداف "داعش" في البلاد، كما يبدو أن الإدارة ملتزمة بشدة بتوفير الأموال للمساعدة في تحقيق الاستقرار.
كما أن نظام الأسد مُستقِرّ في السلطة، وقد أشارت واشنطن إلى أنها لن تتخذ إجراءات لإسقاطه وأنها تريد علاقة أكثر قابلية للوضوح مع روسيا في سوريا.