المصدر: واشنطن بوست
ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: ديفيد إغناتيوس (كاتب عامود)
عندما تولى الجنرال في مشاة البحرية كينيث “فرانك” ماكنزي جونيور منصب رئيس القيادة المركزية الأمريكية في عام 2019، كان مصدر قلقه الرئيسي هو إيران. الآن ومع اختتام جولته في الأول من نيسان/أبريل، لا تزال إيران هي الأولوية. يقول ماكنزي: إن الدرس الدائم للمنطقة هو أن “إيران لن تختفي”.
لقد تضاءلت قوة أمريكا واضمحلّت في الشرق الأوسط على مدى ثلاث سنوات من قيادة ماكنزي للقوات الأمريكية في المنطقة. فقد انسحبت الولايات المتحدة من أطول حرب لها في أفغانستان، وبدأ الشركاء التقليديون مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في التحوط من رهاناتهم ولكن القوة الإيرانية ظلّت ثابتة.
كان ماكنزي من بين صقور البنتاغون المُهتمّين بإيران، ونفذ الأمر بقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني في كانون الثاني/يناير 2020. لكنه أخبرني الأسبوع الماضي أنه أثناء تسليمه المسؤولية العسكرية للمنطقة، فهو مقتنع بأننا” بحاجة إلى إيجاد تسوية مع إيران في المستقبل”. ومن المرجح أن تزداد مركزية طهران أكثر مع تحرك إدارة بايدن نحو تجديد الاتفاق النووي الإيراني قريباً.
ويقدم تقاعد ماكنزي هذا الأسبوع فرصة للتفكير في مكانة أمريكا في الشرق الأوسط بعد أن أنفقت الكثير من الدماء والأموال هناك لعقود من الزمن بصفتها الشرطي الأول في المنطقة. الجواب الصريح هو أن الولايات المتحدة كانت تتعامل بمرونة معظم الوقت، في محاولة للحفاظ على الوضع الراهن الذي كان بطبيعته غير مستقر.
لقد كانت مهمة ماكنزي في بعض الأحيان مهمة شاقّة. فحتى الدول التي استفادت أكثر من المظلة العسكرية الأمريكية، مثل السعودية والإمارات، تقوم الآن بغازلة الصين. لكن عرب الخليج يتحوّلون سرّاً إلى إسرائيل لتنسيق الدفاع الجوي الإقليمي ضد إيران. وقد يكون تيسير تلك الشراكة السرية هو الإنجاز الأكثر أهمية في الفترة التي شهدت وجود ماكنزي.
قمت بعدة رحلات إلى المنطقة مع ماكنزي وتحدثت معه كثيراً خلال فترة عمله كقائد للقيادة المركزية. تلك المحادثات رسمت خريطة للقوة الأمريكية. والرئيسان اللذان خدم ماكنزي في عهدهما كانا يريدان إخراج القوات الأمريكية من أفغانستان، خلافاً لتوصيات ماكنزي وقادة عسكريين آخرين. كانت وظيفته الإشراف على هذا التراجع الفوضوي في شهر آب/أغسطس الماضي – وردع إيران وخصوم آخرين دون شن أي حروب جديدة.
كانت رحلتي الأولى مع ماكنزي في شهر تموز/ يوليو 2019. فقد قمنا بزيارة المملكة العربية السعودية حيث كانت الولايات المتحدة تقوم بتركيب بطاريات صواريخ باتريوت جديدة لحماية المملكة. لقد رأينا تحديثاً مذهلًا طرأ على المجتمع السعودي -لم أكن أتخيل أبداً تواجد موسيقيين ونساء غير محجبات يتنقلن في شوارع جدة السعودية. لكن الوجه القمعي لولي العهد محمد بن سلمان كان يقع في خلفية المشهد. فعلى سبيل المثال، شاركنا مأدبة غداء فخمة مع اللواء فهد بن تركي، ثم قائد القوات السعودية في اليمن والنجم الصاعد في الجيش السعودي. وبعد عام، قام محمد بن سلمان، كما يُعرف بولي العهد، باعتقاله.
استعرضت إيران عضلاتها خلال زيارتنا، واستولت على ناقلات النفط في الخليج العربي، وسافرت مع ماكنزي إلى سفينة حربية أمريكية في الخليج كانت قد أحبطت للتو هجوماً إيرانياً بطائرة بدون طيار. كانت رسالته هي التزام الهدوء وتجنب المواجهة العسكرية المباشرة. أخبرني ماكنزي لي ولصحفي آخر يسافر معه أن إيران كانت “تحاول جس نبضنا ومدى التزامنا”. وقد فضّل إظهار القوة ولكن محاولة عدم استخدامها.
في شهر كانون الثاني/ يناير، ومع استمرار التهديدات الإيرانية، أوصى ماكنزي بما كان على الأرجح أقوى عرض لقوة الولايات المتحدة ضد إيران منذ ثورة 1979- بتنفيذ هجوم الطائرات بدون طيار الذي قتل سليماني. وأخبرني ماكنزي في مقابلة أجريت معه مؤخراً أن الولايات المتحدة لديها معلومات استخبارية تفيد بأن سليماني كان يخطط لهجمات جديدة كان من الممكن أن تقتل أمريكيين في العراق.
وقد لقي الهجوم رداً إيرانياً قاسياً: هجوم صاروخي دقيق على قاعدة الأسد الجوية العراقية كان من المفترض أن يقتل الأمريكيين، وكان سيحدث إذا لم تحصل المخابرات الأمريكية على إنذار مبكر يسمح للقوات الأمريكية بالنزول إلى الملاجئ. وقد أظهر الرد دقة الصواريخ الإيرانية- والتهديد الذي تشكله على المنطقة. لكن ماكنزي يجادل بأن التأثير النهائي لعملية قتل سليماني هو أنه عزز الردع الأمريكي.
نجاح عسكري آخر خلال جولة ماكنزي كان المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سورية. سافرنا في عام 2019 إلى كوباني للقاء شريك الولايات المتحدة في تلك المعركة، الجنرال الكردي السوري مظلوم عبدي. قدم الأكراد معلومات استخبارية مهمة سمحت لقوات ماكنزي باستهداف وقتل زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو إبراهيم
الهاشمي القريشي في شباط/ فبراير، وهي عملية رئيسية أخرى خلال فترة تولي ماكنزي المنصب.
لقد بدأ الانسحاب الأمريكي الفوضوي من أفغانستان علامة على أفول عصر القوة الأمريكية في الشرق الأوسط. هذه بالتأكيد هي الطريقة التي تصورها السعوديون والإماراتيون. لكن مع مغادرة ماكنزي لقيادته، ظلت القوات العسكرية الأمريكية في العراق وسورية ومصر والبحرين والكويت – ناهيك عن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. لا يزال الشرق الأوسط عادة لا يبدو أن الولايات المتحدة ولا أصدقائها المتقلبون قادرون على الإقلاع عنها.