قتل، نهب للأراضي، صراع عصابات مسلحة، اعتقالات دورية، ربما يمكن من خلال هذه الكلمات المفتاحية كتابة سيناريو لفيلم أكشن، وربما بحبكة درامية، وممثلين متمكنين يفوز هذا الفيلم بالعديد من الجوائز، ويحصد ملايين المشاهدات، وتمتلئ غرف السينما بالمشاهدين، فالسينما أبرز أماكن الترفيه والاستمتاع.
تخيلوا معي أن هذا حاصل في الحقيقة، تخيلوا أن هذا يحدث يومياً على مدى سنوات في دولة نسميها اليمن، الموضوع ليس متعة، ولا حبكة سينمائية، كما أن الأحداث لا تنتهي بانتهاء الفيلم.
رغم هذه البداية باعثة اليأس، إلا أن المقال يحمل كمية كبيرة من التفاؤل، فكما هي النهايات السعيدة لأغلب الأفلام، والتي يمكن تخيلها من خلال سير الأحداث، أرى أن الوضع المأساوي في اليمن سينتهي، وستسجل نهاية لبداية سعيدة. قد يبدو الحديث في البداية أضغاث أحلام، وأماني خاوية، لكن ما يحدث من حراك ثقافي فكري توعوي، في النخب في الخارج، يجعل الوصول لنتيجة مثل هذه أسهل من شرب الماء، ملتقيات، ونوادٍ، وفعاليات، وورش عمل لا يمكن حصرها، إلى جانب وعي في نخبة من الشباب، ما إن تراها حتى تنزاح الحسابات التشاؤمية، ولا مجال أمام هذا المنظر إلا للتفاؤل.
عند النظر في تاريخ تأسيس الجمهورية اليمنية، عام 1962، يُلاحظ أن قادة الحراك الشعبي ضد الحكم الملكي، ومهندسي الثورة التي أطاحت بالنظام الإمامي، أغلب هؤلاء كانوا من النخب التي درست في الخارج، وشكلت هناك نواة الفكر التنويري.
في المقابل، ومع عودة الفكر المعارض للجمهورية، والديمقراطية، نجدنا أمام حال شبيه بفترة تأسيس الجمهورية، بل إن الوضع الحالي هو أصعب، فمهمة التنويريين الأوائل كانت تأسيس الجمهورية، وقد نجحوا في ذلك، أما النخبة الحالية، فهي أمام تحدٍّ كبير، وهو استعادة الجمهورية، والحفاظ عليها، إلى جانب تأسيس دولة مؤسسات، لم تكن موجودة في الجمهورية الأولى، وهذا بالطبع حمل ثقيل، إلا أن الجهود المبذولة، وقدرة اليمنيين في المهجر على التكتل بسلاسة، وتأسيس كيانات تمتاز بالنجاح والاستمرارية، يجعلنا نثق بالعقول التي استطاعت أن تنجح في تأسيس دولة مصغرة لأبناء بلدها في المهجر، ونجحت في إدارتها، واهتمت ببناء العقول، وحرصت على تشكيل الوعي بأهمية هذا النوع من البناء، هذه العقول التي تحمل الوعي، والقدرة على التكتل والإدارة، كفيلة بأن تتعدى هذه الصعوبات، فاليمنيون في المهجر هم قدوة الجاليات، واتحادات الطلاب هي الأكثر تميزا بشهادة الاتحادات الأخرى، والحراك الثقافي والفكري والوطني بين أوساط النخبة في المهجر، كفيل بأن ينهض باليمن من الوضع الحالي، ويعيد بناء الدولة، وقد تميز اليمنيون على مر التاريخ ببناء الدول، فالدولة هي ميراث أجدادنا القدامى، وما نعيشه حالياً من حالة "اللادولة" هو وضع استثنائي، وسيعود الوضع الطبيعي بتمكين عقول المهجر، الذين هم أمل الوطن.