المصدر: وول ستريت جورنال
ترجمة: عبدالحميد فحّام
بقلم: والتر راسل ميد (كاتب عمود في غلوبال فيو و وول ستريت جورنال)
بينما يحاول الرئيس بايدن منع هجوم روسي على أوكرانيا، تواصل إدارته صراعها مع عالم رفض الامتثال لتوقعاته فروسيا ليست مهادنة وإيران لا تتعاون كما أن الصين – التي تبدو أنشطتها حول تايوان، كما حذر وزير الدفاع لويد أوستن الأسبوع الماضي، "وكأنها تدريبات" لعدوان أكثر خطورة – لم تتعامل مع إدارة بايدن بشأن قضايا مشتركة مثل المناخ ولم تتأثر بسياسة واشنطن الصارمة.
إن الدافع وراء الحشد العسكري لفلاديمير بوتين هو اقتناع الكرملين بأن الوقت ليس في صالحه. وبسبب المرارة الأوكرانية الكبيرة من غزو السيد بوتين عام 2014 والحرب المستمرة في المنطقة الجنوبية الشرقية للبلاد المعروفة باسم دونباس، فإن المزيد من الأوكرانيين مصممون على الهروب مما يرون أنه احتضان موسكو الخانق. التغييرات التدريجية في الخدمة المدنية والقضاء وأجهزة المخابرات والنظام التعليمي، التي يتم تنفيذها بتشجيع ومساعدة من الغرب، تدفع بهدوء ولكن بثبات أوكرانيا بعيدًا عن روسيا ما بعد الاتحاد السوفيتي وترسيخها بقوة أكبر في الغرب.
وبالنسبة للسيد بوتين والقوميين الروس الذين يحتاج إلى دعمهم، فإن توطيد الاستقلال الأوكراني الحقيقي يمثل تهديدًا كبيراً. ويعتقدون أن روسيا بحاجة إلى أوكرانيا للسيطرة على البحر الأسود، وإعادة ترسيخ نفسها كقوة رئيسية في أوروبا، والدفاع عن الطابع الأرثوذكسي والسلافي للاتحاد الروسي نفسه في وقت يتسم بالتغير الديموغرافي السريع. إن انحياز أوكرانيا إلى الغرب، وخاصة مع الدول المعادية لروسيا مثل بولندا وجمهوريات البلطيق، هو إذلال لا يطاق وتهديد غير مقبول للقوة الروسية.
لقد شاهد العالم هذا الفيلم من قبل ففي شهر شباط/ فبرايرمن عام 2014، تمت الإطاحة بالرئيس الأوكراني الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش بعد رفض اتفاقية الشراكة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي واختيار علاقات اقتصادية أوثق مع روسيا. وقد وقّع خلفاؤه اتفاقيات اقتصادية وسياسية مع الاتحاد الأوروبي، ودستور ما بعد الثورة يلزم أوكرانيا بالسعي للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي. كما احتفل الغرب بثورة الميدان الأوروبي عام 2014 باعتبارها انتصارًا للحرية ورداً على ذلك، استولى السيد بوتين على شبه جزيرة القرم وغزا دونباس.
عدوانية السيد بوتين الجديدة هي اعتراف بالفشل الروسي فلقد فشل الحديث اللطيف عن الأخوّة الروسية الأوكرانية في إقناع أوكرانيا بإلقاء نظرة على موسكو. وكلّ ما تبقى هو الضغط الاقتصادي والقوّة العسكرية. ولكن إذا كان الوضع السياسي داخل أوكرانيا يثير قلق بوتين، فإن الفوضى وعدم الكفاءة في الغرب يعطيه الأمل. وفي عام 2014، اكتفى الغرب بالعقوبات الاقتصادية والمحاضرات الصارمة عندما قام السيد بوتين بضم شبه جزيرة القرم وشن حربًا بشعة في دونباس. وتبدو أمريكا أضعف وأوروبا أكثر انقسامًا اليوم مما كانت عليه في عام 2014. ويعتقد بوتين على الأرجح أن القادة الغربيين المتخبطين لن يكونوا أكثر قدرة على وقف العدوان الروسي الآن أكثر من أي وقت مضى منذ غزوه لجورجيا عام 2008.
يبدو أن الرئيس بايدن ملتزم بما يسمى بـ نهج التدابير السلمية فقط. وقد حذّر وزير الخارجية أنتوني بلينكين من "عقوبات شديدة التأثير"، وتحدث مسؤولو الإدارة الآخرون عن زيادة المساعدات العسكرية لأوكرانيا. يبدو هذا قوياً، لكن إحدى الإستراتيجيات الدبلوماسية المفضلة لدى السيد بوتين هي إغراء المسؤولين الأمريكيين بإصدار تصريحات مغرورة ثم إذلالهم من خلال كشف الطبيعة الجوفاء لخطابهم الطنان. وقد أدار هذه المسرحية مرارًا وتكرارًا ضد إدارة أوباما، وكان أكثر ما يلفت الانتباه هو عندما قال الرئيس أوباما في الجمعية العامة للأمم المتحدة إن بشار الأسد يجب أن يترك السلطة في سورية واندفع بوتين للدفاع عن الأسد، مما أدى إلى تقويض القوة والهيبة الأمريكية بشكل كبير فليس لدى بوتين شيء أفضل من الطعن بفريق بايدن بنفس الطريقة.
السيد بايدن بحاجة إلى التوصل إلى قرار واضح إذا كان ملتزمًا بمساعدة أوكرانيا على الاندماج مع الغرب، فسيتعين عليه إقناع السيد بوتين بأنه مهتم بما يجري، مما قد يؤدي إلى إرسال قوات كبيرة من الناتو إلى البلاد. وإذا كان يعتقد أن أوكرانيا لا تستحق المخاطرة بأزمة على غرار الحرب الباردة مع روسيا، فعليه أن يسعى إلى استرداد كرامة الولايات المتحدة ولكن فقط بالقدر الذي يسمح به بوتين.
ولكن كل الخيارات صعبة لمواجهة هذا الموقف فاتخاذ موقف متشدد يجلب خطر التصعيد. وسيعارض العديد من الأمريكيين التزامًا مفتوحًا آخر، وسيشتد العداء الروسي للولايات المتحدة.
بعد فترة وجيزة من الانهيار الأفغاني وفي وقت يشكك فيه العديد من الحلفاء القدامى في كلمة أمريكا، فإن الانسحاب سيكون أسوأ. وستصبح روسيا أكثر قوة وازدراءً للولايات المتحدة، بينما ستنظر إيران والصين إلى السيد بايدن على أنه خاسر وستعدلان سياساتهما وفقًا لذلك.
من موقع القوة، يمكن للولايات المتحدة ويجب عليها أن تقدم لروسيا طرقًا لحفظ ماء الوجه للخروج من الأزمة، ولكن من حيث الجوهر، يجب على السيد بايدن أن يقف حازمًا. فالحقيقة هي أن روسيا خسرت معركتها من أجل الاستيلاء على عاصمة أوكرانيا. وبعد تشجيع أوكرانيا على الانضمام للغرب لمدة ثلاثة عقود، فإن المسار المُشرّف الوحيد لأمريكا هو الحفاظ على كييف في هذه الساعة من المحنة.