نداء بوست – هاني العبد الله – تحقيقات – تركيا
“كم شهر وراجعين لبلدنا ليش نتعلم اللغة”، مقولةٌ رددها كثيرٌ من السوريين في داخلهم منذ سنوات، لتبرير عدم تعلّمهم اللغة التركية، فمنذ لجوء السوريين إلى تركيا، كانوا يظنون أنهم سيعودون قريباً إلى بلدهم، ما جعلهم يعزفون عن تعلم اللغة، الأمر الذي أوقعهم في الكثير من المطبات والتحديات.
أكثر من عشر سنوات مضت على اندلاع الثورة السورية، شهدت خلالها لجوء السوريين إلى تركيا خلال فتراتٍ متقطعة، لدرجة أن هناك سوريين مضى على وجودهم في تركيا أكثر من ثمان سنوات.
لكن الغريب أن بعض اللاجئين رغم طول مدة اقامتهم في تركيا، إلا أنهم لم يتقنوا لغتها، ويعرفون بعض الأساسيات فقط، بينما وجد آخرون أن تعلّم اللغة أمر ضروري يُجنبهم الكثير من العقبات.
“جهل اللغة” باب للعنصرية
تعرّض كثيرٌ من السوريين الذين لا يتقنون اللغة التركية لمواقف عنصرية في مختلف مناحي الحياة، ومن أحد تلك المواقف ما تحدث عنه عبد الرحمن ب، شاب سوري مقيم في إسطنبول، والذي تعرّض للتنمر من قبل أحد الموظفين في الجامعة.
يقول عبد الرحمن لموقع “نداء بوست”: “ذهبت لتسجيل أوراقي في إحدى الجامعات التركية، وهنا بدأ الموظف يطرح عليّ بعض الأسئلة، لكنه كان يتحدث بسرعة وبلهجة تركية غير مألوفة بالنسبة لي، وبالتالي لم أفهم أغلب كلامه، فطلبت منه الحديث ببطء لكن بدأ بالتذمر أولاً، ثم صرخ في وجهي ورمى الأوراق وطلب مني مغادرة مكتبه وإحضار مترجم”.
عدم إتقان كثير من الآباء السوريين للغة التركية، يحول دون قدرتهم على تقديم شكوى لدى إدارة المدرسة كي تتدخل وتجد حلاً للمضايقات التي يتعرّض لها أبناؤهم من باقي زملائهم في الصف.
تقول أم لؤي، سيدة سورية تقيم في ولاية هاتاي: “تعرّض ابني لأكثر من موقفٍ عنصري ومضايقات من زملائه، لكن أنا وزوجي لا نجيد اللغة التركية، وأكثر من مرة ذهبت للمدرسة كي أشتكي للمدير وأشرح له مشكلة ابني، لكني كنت أتلعثم أمامه، وبالتالي يقوم المدير بالتذمر دون أن يفهم مشكلة ابني ويجد حلاً لها”.
وتسبَّبَ عدم إتقان كثير من التلاميذ وذويهم للغة التركية في خروج كثير من التلاميذ من المدرسة، نتيجة طردهم من قبل المدرس أو المدير، أو بسبب خروجهم طواعيةً نظراً لعدم قدرتهم على التعلّم وعدم شعورهم بالحافز والراحة النفسية، في ظل تكرر المواقف العنصرية ضدهم.
مواقف محرجة
عدم قدرة كثيرٍ من السوريين على التحدث باللغة التركية، أوقعهم في مطباتٍ ومواقف محرجة، ومنها ما حصل مع مأمون شيخ تلت، والذي يعمل سائقاً لنقل الأثاث، وفي إحدى المرات تعطلت سيارته في منتصف الطريق.
يقول مأمون لموقع “نداء بوست”: “كنت على طريق سفر بين إسطنبول وبورصة، وفجأة توقفت سيارتي عن العمل، شعرت بالتخبّط فلا أجيد التحدث بالتركية كي أستفسر من المارين عن كيفية تأمين وسيلة لسحب سيارتي، وبنفس الوقت تسبب وقوفي في منتصف الطريق بأزمة سيرٍ لمدة ساعة، وسط حالةٍ من التذمر لدى السائقين، إلى أن جاءت شرطة المرور، وقامت بتأمين سيارة أخرى (ونش) لسحب سيارتي إلى ورشة الصيانة، بعد أن قامت بمخالفتي بسبب أزمة السير التي أحدثتها”.
ولفت مأمون الإنتباه إلى مشكلة أخرى يواجهها السوريون في حياتهم العملية، وهي أن الأتراك لديهم عادة غريبة، وهي أنهم يُصرّون على التحدث مع الأجانب باللغة التركية، رغم علمهم أن الآخرين لا يفهمون عليهم، دون محاولة استخدام أي مفردات أجنبية أو إشارات لمساعدة الأجنبي على فهمهم.
ومن المواقف المحرجة التي تتكرر مع كثير من السوريين الذين لا يتقنون اللغة التركية، حين يضطرون للذهاب إلى المشفى بحالةٍ عاجلة، ولا يستطيعون شرح مشكلتهم الصحية أو مشكلة أبنائهم لتقديم العلاج لهم، ما يدفعهم إلى طلب مترجمين، لكن المشكلة الأكبر حين لا يتوفر مترجم ضمن المشفى.
كذلك اشتكى كثيرٌ من السوريين أن معظم الخدمات الحكومية لا تدعم اللغة العربية، لذا حين يتعرضون لأي مشكلة، كحاجتهم للاتصال بالبنك أو أي مؤسسة أو شركة خدمية، فإنهم يحتاجون لإيجاد مترجم كي يتحدث نيابةً عنهم، وهذا سبّب حرجاً لدى الذين لا يجيدون التركية، علماً أن بعض المؤسسات خاصةً البنوك لا تقبل الحديث سوى مع صاحب العلاقة.
أسباب العزوف عن تعلم التركية
أسباب عديدة حالت دون تعلم السوريين اللغة التركية، ومنها ما تحدث عنه أبو عبيدة، المقيم في حي إسنلر بإسطنبول، والذي قال: إن أغلب السوريين كان لديهم شعور أن إقامتهم في تركيا مؤقتة، وأنهم إما سيعودون إلى بلدهم، أو سيسافرون إلى أوروبا، ما جعلهم لا يهتمون لمسألة تعلم التركية.
ووجد البعض الآخر صعوبة في تعلم اللغة، حيث حاولوا في البداية تعلمها، لكنهم توقفوا عن متابعة تعلمها بعد انتهاء المستوى الأول من التعليم، واعتمدوا في تعلم اللغة على الممارسة والحوار مع الأتراك.
كذلك اشتكى كثيرٌ من السوريين الذين قابلناهم، ممن لم يستطيعوا تعلم اللغة التركية، أنهم لا يملكوا الوقت أو حتى المال الكافي، للتسجيل في دورات تعلم اللغة، وما زاد الطين بلة، أن بعضهم يعمل مع سوريين، وبالتالي ليس هناك عمال أو موظفون أتراك يحتكون معهم في العمل كي يتعلموا اللغة منهم.
حلول لتعلم اللغة
المواقف المحرجة والمضايقات والعنصرية التي تعرّض لها السوريون في تركيا، بسبب عدم قدرتهم على التحدث بلغة هذا البلد، دفعت بعضهم إلى التصميم على تعلم اللغة.
تقول أم لؤي، سيدة سورية تقيم في ولاية هاتاي: “بعد المعاناة الكبيرة التي واجهتها في التعامل مع إدارة مدرسة ابني، قررت تعلم اللغة التركية، حيث أيقنت أنها سلاح مهم للدفاع عن النفس وتجنب العنصرية، لذا سجلت في دورات لتعلم اللغة التركية عبر تطبيق الزووم قبل ثلاثة أشهر، وبالفعل بدأت لغتي تتحسّن تدريجياً”.
من جهته قال مأمون شيخ تلت: “لا أمتلك الوقت الكافي لتعلم اللغة، لذا صرت أقوم بتشغيل مقاطع يوتيوب خلال قيادتي للسيارة، وأستمع لدروس اللغة التركية، وقد استفدت منها بشكلٍ كبير، حيث ركزت على المصطلحات والتعابير التي تفيدني للتعامل مع أي مشكلة أتعرض لها خلال الطريق”.
ويتميّز الشعب التركي بأنه شعب قومي يقدّس لغته بشكلٍ كبير، لذا فإن أغلبهم لا يهتم لتعلم أي لغة أجنبية أخرى خاصة اللغة الإنكليزية، وهذه مشكلة واجهت السوريين الذين لم يستفيدوا من إتقانهم اللغة الإنكليزية، بسبب عدم قدرة كثير من الأتراك على التحدث بها إلا مَن يعملون في المناطق السياحية، ما دفع أغلب اللاجئين إلى تعلم لغة هذا البلد لتجنُّب كل العقبات.