يستعد النظام السوري لإجراء انتخابات رئاسية شكلية، ستفضي في نهاية المطاف إلى نجاح "بشار الأسد" لفترة رئاسية جديدة، وذلك بعد ضبابية في المشهد وتكهنات باحتمالية أن تقوم موسكو بتأجيل الانتخابات أو إلغاءها.
لم يعد سراً أن روسيا صاحبة تأثير كبير في قرار النظام السوري، خاصة فيما يتعلق بالمسار السياسي وما يتفرع عنه من قضية اللجنة الدستورية والانتخابات الرئاسية، ولهذا لا يمكن قراءة إعلان البرلمان التابع للنظام السوري مؤخراً عن تحديد موعد الانتخابات الرئاسية بمعزل عن الرغبة الروسية ودوافع موسكو الكامنة وراء هذا الإعلان ورسائلها الموجهة إلى الفاعلين الدوليين.
بعيد وصول "جو بايدن" إلى البيت الأبيض في الولايات المتحدة الأمريكية، بات يتضح بشكل تدريجي توجهات الرئيس الديمقراطي لمواجهة النفوذ الروسي المتنامي، وظهر هذا أولاً من خلال إعادة التوازن للعلاقات مع الحلفاء الأوروبيين، وإعطاء أهمية أكبر لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، ثم إرسال قوات أمريكية إلى أوكرانيا التي تعيش على صفيح ساخن.
ودشنت واشنطن قبل يومين حملة طرد واسعة لدبلوماسيين روس من على الأراضي الأمريكية، شاركت فيها دول أوروبية أخرى مثل "التشيك".
وعلى عكس التكهنات بأن تسود التوترات بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا في ظل الإدارة الديمقراطية التي يرأسها "بايدن"، فإن الأمور تبدو تميل للهدوء الذي لم يعكره حتى اللحظة أي تصعيد سياسي حقيقي يذكر، بل إن واشنطن أكدت مراراً أنها تقف إلى جانب تركيا في ملف إدلب، وهذا أيضاً يعد بمثابة مؤشر على تركيز واشنطن على مواجهة النفوذ الروسي كأولوية، وبالتالي عدم رغبتها في استفزاز أنقرة ودفعها باتجاه موسكو.
على الجانب الآخر لم تتمكن موسكو من إحداث اختراقات مهمة مع الدول الغربية وتركيا فيما يتعلق بالعملية السياسية وفق الرؤية الروسية القائمة على فكرة كتابة دستور جديد، ثم فتح الباب أمام انتخابات رئاسية لا يستثنى منها "بشار الأسد" تفضي في نهاية المطاف إلى الإقرار بالنفوذ الروسي كأمر واقع، واستقطاب رأس المال للانطلاق في عملية إعادة الإعمار، بل سارعت واشنطن وغيرها من العواصم الأوروبية وعلى رأسها "باريس" و "برلين" إلى رفض الانتخابات التي سيديرها النظام السوري، وطالبت بشكل واضح بعملية انتقال سياسي حقيقية.
ورغم الضغوطات التي مارستها "موسكو" فإنها لم تنجح في استصدار موافقة من تركيا على فتح معابر بين شمال غرب سوريا والمناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري بهدف خلق رئة تنفس للحاضنة التي يمارس النظام حكمه عليها.
في ظل هذا التصعيد الحاصل بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والذي تحتضن أوكرانيا أبرز محطاته، والتحركات الأمريكية الهادفة إلى الضغط على النفوذ الروسي بما في ذلك سوريا، يبدو أن "موسكو" تريد من خلال دفع النظام السوري للإعلان عن موعد الانتخابات إبداء تمسك بـ "بشار الأسد"، وعدم المرونة في التوصل إلى حل سياسي في سوريا، وهذا سيكون له تداعياته على الدول المختلفة خاصة التي تتحمل عبئ الأزمة الإنسانية مثل الاتحاد الأوروبي وتركيا.
لا تقتصر الرسائل الروسية المتضمنة التأكيد على صلابة الموقف في سوريا على تحديد موعد الانتخابات، بل تخطتها إلى الإعلان الروسي عن إنشاء غرفة عمليات مشتركة مع إيران والنظام السوري لتأمين تدفق آمن للنفط والقمح إلى الموانئ السورية، في خطوة تهدف إلى التأكيد على دعم استمرار "الأسد" الذي بات مؤخراً مهدد من حاضنته الشعبية ذاتها بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية والمعاشية.
غرفة العمليات التي أعلنتها موسكو تحمل بشكل ضمني تلويح بالتمسك بالتحالفات التقليدية، وعدم الرغبة في العمل على حد النفوذ الإيراني طالما أن النفوذ الروسي هو المستهدف.
ويمكن القول أيضاً أن تمرير روسيا لإعلان النظام السوري لموعد الانتخابات يصب في دعم الرؤية الإيرانية التي تتبنى فكرة إجراء الانتخابات، وهذا التماشي مع الطرح الإيراني ما كان ليحصل لو أن موسكو حصلت على مكتسبات مهمة من الفاعلين الدوليين، حيث أن روسيا كانت تعرض قبل فترة على المعارضة السورية وبعض الدول أن يتم تأجيل الانتخابات مقابل التفاعل مع العملية السياسية التي تطرحها موسكو.
خلاصة القول: منذ أن خسرت روسيا ليبيا مع تدخل الناتو وإسقاط القذافي، حرصت موسكو على استمرار بقاء "بشار الأسد" في حكم سوريا، وذلك لرغبتها في الحفاظ على مصالحها في منطقة المتوسط، ولا ترغب روسيا أن تفرط بورقة "الأسد" وما يمثله من "سلطة شرعية" من وجهة نظرها، إلا في حال ضمنت تعاون دولي أكبر معها بما يتيح لها الفرصة لترتيب المشهد السياسي السوري بما يحقق لها مصالحها، وهذا يعني أن الصفقة المناسبة لموسكو لم تأتي بعد.