المصدر: التايمز
ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: ميلاني فيليبس
مع ذهول العالم الغربي من الفظائع في أوكرانيا، تجد إسرائيل نفسها عرضة للنقد وسوء الفهم بنفس القدر فقد كان رئيس وزرائها، نفتالي بينيت، يعمل كوسيط بين روسيا وأوكرانيا. إنه يهودي ملتزم، حتى أنه خالف القواعد الصارمة ليوم السبت بالسفر إلى موسكو لمحاولة التوسط في وقف إطلاق النار. ومع ذلك، فإن إسرائيل تتعرض للهجوم بسبب الشيء الذي يجعل بينيت وسيطاً مناسباً- الخط الدقيق الذي تتخذه حكومته بين دعم أوكرانيا وعدم انتقاد روسيا.
الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، الذي قال: إن إسرائيل في وضع فريد للتوسط ويريد إجراء محادثات في “تل أبيب”، انتقد إسرائيل في خطاب ألقاه أمام الكنيست يوم الأحد لعدم إرسالها أسلحة أو فرض “عقوبات شديدة” ضد روسيا.
وشبّه الغزو الروسي بالإبادة الجماعية لليهود من قبل النازيين. تسبب هذا في غضب في إسرائيل وتوبيخ حاد من مدير متحف المحرقة، ياد فاشيم، الذي وصفه بـ “التقليل من أهمية الحقائق التاريخية للمحرقة وتشويهها”. لقد كانت خطوة فريدة من نوعها من قبل زيلينسكي لعالم يهودي يتذكر الأوكرانيين على أنهم متعاونون شريرون بشكل خاص مع المحاولة النازية للقضاء على الشعب اليهودي – على الرغم من أن البعض ساعد في إنقاذهم ومات الكثير من الأوكرانيين على أيدي النازيين بنسبة أكثر من مواطني أي دولة أخرى.
لقد قدّمت إسرائيل مستشفىً ميدانياً كاملاً في أوكرانيا ولكن في حين تم انتقاد العديد من الدول الأخرى لعدم توفيرها الأسلحة التي يمكنها هزيمة القوات الروسية، كان وضع إسرائيل صعب بشكل لامثيل له لأنها عالقة بين أوكرانيا وروسيا. هذا لأن إسرائيل تعتمد على الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين -راعي النظام الإيراني- الذي يغض الطرف عن الطلعات الجوية الإسرائيلية المتكررة في سورية لتدمير الأسلحة الإيرانية التي يتم نقلها هناك لمهاجمة إسرائيل عبر الحدود مباشرة.
على الرغم من ذلك، حرصت إدارة بايدن على الضغط على إسرائيل لتبنّي عقوبات غربية ضد روسيا. وقامت وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية، فيكتوريا نولاند، بتحذير إسرائيل علانية من أن تصبح “الملاذ الأخير للأموال القذرة التي تُغذّي حروب بوتين”.
المسار الدقيق لإسرائيل يعني أنها نفذت بعض العقوبات الروسية ولكن ليس كلها. ففي حين أنها لم تنضم رسمياً إلى حملة العقوبات، ولم تُصدر أي لوائح من شأنها منع الشركات الإسرائيلية من التعامل مع روسيا، إلا أنها تضمن أن مؤسساتها المالية لن توفر تجاوزاً للعقوبات. لذلك قطعت البنوك الإسرائيلية العلاقات مع البنوك الروسية الخاضعة للعقوبات.
وقد استُهدف بعض الأوليغارشية الروسية الحاملين للجنسية الإسرائيلية، بمن فيهم رومان أبراموفيتش بعقوبات وقيود إسرائيلية. وقد سافر أبراموفيتش إلى إسرائيل على متن طائرته الخاصة الأسبوع الماضي، لكنه غادر في اليوم التالي إلى تركيا بسبب اللوائح الحكومية الجديدة التي تنص على أن الطائرات الخاصة واليخوت الخاصة بأفراد خاضعين للعقوبات يمكن أن تبقى في إسرائيل لمدة 48 ساعة فقط.
كان أبراموفيتش ينوي التبرع بعشرات الملايين من الدولارات لياد فاشيم والمعهد الدولي لأبحاث الهولوكوست. وعلى الرغم من أن مؤسسة ياد فاشيم ناشدت في الأصل استبعاد الأوليغارشية من العقوبات، إلا أن الانتقادات أجبرتها على تغيير موقفها وتعليق شراكتها معهم.
لكن أمريكا تُبدي وجهين اثنين. فبينما تضغط على إسرائيل والدول الأخرى لفرض عقوبات، فإنها تستخدم روسيا للتوسط في الصفقة النووية مع طهران (التي ترفض التفاوض مباشرة مع الولايات المتحدة). وبموجب الشروط المذكورة في هذه الصفقة، ستجعل إدارة بايدن بوتين حارس البوابة الفعّال لبرنامج إيران النووي. والأسوأ من ذلك، أن الولايات المتحدة تقترح تمكين روسيا من إنشاء مركز للتهرّب من العقوبات في إيران. وذلك لأن شركة الطاقة الروسية روساتوم، التي تسيطر عليها الدولة، تستعد للاستفادة من عقدها البالغ 10 مليارات دولار لتوسيع محطة بوشهر النووية في طهران.
ولقد أكّد مسؤول في الخارجية الأمريكية مؤخراً أن أمريكا لن تفرض عقوبات على مشاركة روسيا في المشاريع النووية التي هي جزء من هذه الصفقة. ولذلك، فإن إسرائيل محاصرة ليس فقط بين روسيا وأوكرانيا، ولكن في الشبكة الخبيثة المنسوجة بين روسيا وأمريكا.
تشير التقارير إلى أن الصفقة تعني أن إيران ستكون قادرة على تطوير أسلحة نووية في فترة زمنية قصيرة. لذلك تخشى إسرائيل من أن تكون إدارة بايدن قامت بجعلها الضحية المحتملة لنظام نووي للإبادة الجماعية وككبش فداء لفشل الولايات المتحدة وأوروبا في وقف المذابح في أوكرانيا.
فعلى الرغم من انتقاد بينيت في إسرائيل لعدم تقديمه مساعدة كافية لأوكرانيا، فإن الهجمات على “حياد” إسرائيل من قبل المعلقين الغربيين كانت غير متناسبة ومتطرّفة.
هناك بعض الاستنتاجات الواقعية من هذا حيث يوضّح مصير أوكرانيا أنه عندما تمتلك قوة استبدادية أسلحة نووية، فإن قدرة العالم على وقف فظائعها تكون مشلولة تقريباً. وعلى الرغم من هذه الحقيقة، فإن إدارة بايدن على مسار يمكّن إيران الإرهابية من أن تصبح قوة نووية.
علاوة على ذلك، من الصعب أن نتخيل أنه إذا بدأت الصواريخ تمطر على حيفا أو تل أبيب من لبنان أو من طهران، فسيكون هناك تدفق كبير للدعم من الغرب يعادل المشاعر التي يتم التعبير عنها بشأن أوكرانيا.
هذا ما يخبرنا به مأزق إسرائيل قبل كل شيء: إن الإيحاء بأن الغرب تعلّم الدرس من أوكرانيا، وهو أنه لا ينبغي استرضاء الطغاة العدوانيين أو استخدامهم كـ بقرة حلوب ولكن يجب مقاومتهم لأنهم يقصدون ما يقولون، هو أمر سابق لأوانه بشكل واضح.