المصدر: ميدل أيست مونيتور
ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: زكي كف الغزال (مسؤول الإعلام والمناصرة في المجلس الثقافي البريطاني السوري)
نظراً لأن الوضع في أوكرانيا يصل إلى ذروته، ويبدو الغزو الروسي وشيكاً، فإن الأمر يستحق التقييم والتفكير في كيفية وصولنا إلى ما نحن عليه الآن. لا يمكن فصل التوغل الروسي في أوكرانيا عن تصرفات بوتين في سورية خلال العَقْد الماضي أو نحو ذلك. حيث تشترك الدولتان، رغم أنهما ليستا قريبتين جغرافياً أو سياسياً أو ثقافياً، في نفس التهديد الإشكالي الذي هو روسيا. وبينما تتخلى سورية، تحت حكم الأسد، عن السيطرة لأسيادها الروس، تواجه روسيا مقاومة من الحكومة الأوكرانية.
لقد حصل بوتين بشكل أساسي على الضوء الأخضر للتصرّف كما يشاء في سورية في السنوات الأخيرة ولا شك في أن نجاح هذا قد حدّد المسار لمواقف أكثر عدوانية، بما في ذلك الغزو الروسي وضمّ شبه جزيرة القرم في عام 2014، والغزو الأوكراني الوشيك يعلمنا التاريخ أن استرضاء المُستبدين لا ينتهي أبداً بشكل جيد فكلمة “كفى” ليست كلمة مألوفة لهم، وسيكون هناك دائماً رغبة أكبر في المزيد من السلطة والسيطرة والتوسع على الأرض. وقد نمت قوة بوتين وإفلاته من العقاب في السنوات الأخيرة، كما أن أفعاله في التدخل في الانتخابات الأمريكية لعام 2016 وتسميم سكريبال في المملكة المتحدة، حيث لم يتم فعل الكثير بحقّه في نهاية المطاف، قد وفّرت له العون للمتابعة.
أوكرانيا في حالة يرثى لها، لكن المأساة هي أنه كان من الممكن تجنّب ذلك. لقد كان استرضاء بوتين دائماً كارثة من المُنتظر حدوثها. ورغم أن الحكومة الأوكرانية -على عكس المعارضة السورية -تُمنح بعض المساعدة العسكرية عند استمرار الغزو، إلا أنه مثل هذه المساعدة لن يكون لها فائدة تُذكر. إن كلام الدول الغربية ليس له ثمن ويمكن للشعب السوري أن يشهد على ذلك. ففي عام 2012، تم تشكيل مجموعة “أصدقاء سورية” من قِبل دول تصف نفسها بأنها داعمة للانتفاضة السورية، لكنها في النهاية لم تفعل شيئاً لمساعدة الشعب السوري مادياً. من الأفضل لأوكرانيا أن ترى ما وراء حماقة هذه الدول فعندما تغزو روسيا البلاد، سيُترَك الشعب الأوكراني ليعول نفسه.
لا تختلف قواعد اللعب التي اتخذها بوتين في أوكرانيا كدليل في تصوير نفسه كمدافع عن المتحدثين الروس وأتباع الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في شرق أوكرانيا عما استخدمه الأسد للعب في سورية مع العلويين والأقليات الأخرى. ففرِّقْ تَسُدْ هو تكتيك سلطوي راسخ، ولسوء الحظ، يميل إلى أن يكون ناجحاً.
ومن المفارقات أن بوتين يسعى للحصول على تطمينات بأن الناتو لن يتوسّع في أوكرانيا ويقيم قاعدة عسكرية بينما، في الوقت نفسه، لديه قاعدة عسكرية في طرطوس السورية، على بعد بضع مئات من الكيلومترات من قاعدة “إنجرليك” الجوية التابعة لحلف الناتو في تركيا. يبدو أن فكرة مجالات النفوذ في الحرب الباردة تؤثر على تفكير بوتين، ومن خلال مواقفه العدوانية، يبدو أنه مصمم على المضي قدماً بشكل أفضل وبدء الحرب بالفعل.
من المؤسف أن تصرفات بوتين لم يتم رفضها، وبدلاً من ذلك دافع عنها البعض. يجب أن تكون أهوال التدخل الروسي في سورية وجرائم الحرب المُرتكبة -مع استهداف المستشفيات بشكل متكرر ومُتعمد -كافية لإثبات أنها ليست جهة فاعلة عالمية خيّرة، وليست أفضل من الولايات المتحدة. لكن من السهل ابتلاع أكاذيب بوتين، وكانت رسالته المفتوحة الشهيرة في صحيفة “نيويورك تايمز” في شهر أيلول/ سبتمبر من عام 2013 بمثابة انقلاب دعائي. وقد سقط الملايين بسبب خطابه وصدّقوا تصريحاته حول الدفاع عن أهمية القانون الدولي. سيحسن بوتين صنعاً إذا اتبع نصيحة نفسه هنا؛ إن أي توغل في أوكرانيا سيكون انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي. لم يُقرّ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اتخاذ إجراء ضد أوكرانيا.
علاوة على ذلك، هناك أدلة كثيرة على تشجيع روسيا للجماعات الانفصالية في شرق أوكرانيا على القيام بعمليات كاذبة كذريعة لاتخاذ إجراءات، بدعوى “الدفاع عن النفس”. ويدعم بوتين ويعترف بدولتين تم تشكيلهما حديثاً انفصلتا عن أوكرانيا كما يُبرّر غزوه بعد أن “دعاه” النظام الانفصالي الدمية المُشكّل حديثاً لغزو بقية الأراضي الرئيسية. في حين أنها جمهوريات “مستقلة” معلنة من جانبها، إلا أنها في الواقع ليست أكثر من أراضٍ تابعة لروسيا، تعتمد كلياً على الكرملين للحصول على الدعم. تم تجاهل اتفاقيات مينسك الملزمة دولياً، والاعتراف الروسي بهذه الدول هو بمثابة ضمّ لها. ويحاول بوتين أن يُنظر إليه على أنه يتبع القانون الدولي ويحافظ على هذه الواجهة. لا يزال يدافع عن غزوه لسورية باعتباره استجابة لطلب رسمي للمساعدة من مجرم الحرب الأسد، وينبغي ألا تخدع حِيل بوتين المجتمع الدولي.
غالباً ما يتم ذكر العقوبات، لكن من المبالغة التفكير في أن تهديدها سيشلّ بوتين تماماً. لقد تم تنفيذ مجموعة كاملة من العقوبات ضد عدد من الجماعات والكيانات في روسيا منذ عام 2014، لكن من الواضح أنها لم تحقق التأثير المقصود. ماذا ستفعل العقوبات عندما يتم شن غزو؟ تستجيب روسيا للتهديد بفرض عقوبات متزايدة من خلال زيادة أسعار الغاز، وتصيب الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بالذُعر فترسل وزراء خارجيتها للضغط على بوتين للتراجع. من المؤسف أنه مع استهداف المستشفيات السورية، لم يكن رد الفعل مماثلاً. هل يُثبت هذا صحة ما قاله نائب مساعد وزير الدفاع السابق للولايات المتحدة؟ وذكر أن الإدارة الأمريكية كانت تُجري مفاوضات عسكرية وأمنية مع الروس قبل غزوهم سورية في شهر أيلول/ سبتمبر 2015، وهذا دليل على أن القوى الأمريكية والغربية لم تكن أبداً ملتزمة تماماً بمعارضة الأسد.
لعبة بوتين النهائية غير واضحة، لكن هناك تكهّنات بأنه يخطط لاستخدام الوضعين السوري والأوكراني كجزء من تسوية كبيرة بين روسيا والولايات المتحدة، والعودة إلى أسلوب عمل الحرب الباردة القديم في مجال النفوذ، كما ذُكر أعلاه. وكون سورية وأوكرانيا أقرب جغرافياً إلى روسيا أكثر من أوروبا الغربية التي تلائم قالب بوتين جيداً. ولكن، كما يخبرنا التاريخ، في مثل هذه المواقف، دائماً ما يكون الأشخاص على الأرض هم آخر من يعرف. فالقادة مفروضون عليهم وليس لدى الشعوب رأي مطلقاً، فهم تُركوا ليعيشوا في خوف من مضطهديهم. ومع اقتراب دخول الانتفاضة السورية عامها الثاني عشر، لا يزال العالم عاجزاً عن النظر إليها، ومن الواضح أنه تم تجاهُل الدروس التي كان ينبغي تعلمها في استرضاء الأنظمة الاستبدادية.