نداء بوست- محمد جميل خضر- عمّان
المشهد الأردني المتعلق بالإرادة الملكية القاضية بتشريع الحياة الحزبية بين طلبة الجامعات الأردنية، يعكس تردُّداً وتخبُّطاً لدى جهات أمنية أردنية بعينها، ويكاد يظن المتابع (وإن بعض الظن إثم) أن تلك الجهات، وغيرها، وعموم ثقافة الولاء وأدبياته، غير متحمسة لهذه النقلة غير المحسوبة، ولا المنسجمة مع ما تعوّد عليه الأردنيون، ومع ما تعودت عليه تلك الجهات الأمنية، من منع انخراط الطلبة بالأحزاب، ومن معاقبة أي نشاط حزبي داخل أروقة الجامعات الأردنية و(حرماتها). وأنها (أي تلك الجهات وواحدة منها على وجه الخصوص) تعرقل سرعة استجابة رؤساء الجامعات ووزارة التعليم العالي للإرادة الملكية القاضية بتشريع الحياة الحزبية بين طلبة الجامعات الأردنية. ظنون يبدو أن بعضها تسلل إلى العاهل الأردني نفسه وولي عهده ابنه الأمير الحسين، فاستدعى في شهر تموز/ يوليو الماضي 2022، رؤساء الجامعات الرسمية إلى قصر الهاشمية، وأسمعهم ما يؤكد إصراره وإصرار ولي عهده على الاستعجال بجعل إرادته القاضية بتشريع الحياة الحزبية في الجامعات الأردنية وتسريعها، أمراً واقعاً لا مناص منه، وأخبرهم أن كل المطلوب منهم هو سنّ الأنظمة والقوانين والتعليمات القاضية بتسهيل الأمر وتنظيمه، والتعامل مع الإرادة الملكية تعامُل التراتبية الهيكلية اللازمة، والخاضعة للدستور الأردني، وعلى وجه الخصوص تعديلاته الأخيرة.
رد الجهات المترددة -الملكية أكثر من الملك- جاء سريعاً، فها هو مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية ينشر على الملأ نتائج استطلاع أجراه بعد استدعاء العاهل الأردني رؤساء الجامعات الرسمية، ويخلص هذا الاستطلاع، الذي يبدو أنه أُجري على عجل، إلى أن غالبية الأردنيين (67%) منهم يعارضون مشاركة طلبة الجامعات في الأحزاب، و(33%) فقط يؤيدونها، حيث إن “الخوف من حدوث المشاكل والفتن والتفرقة من عوامل عدم تأييد مشاركة الطلبة في الأحزاب السياسية”.
وبحسب هذا الاستطلاع الذي يعكس ولاء أعمى، ويكشف انخراطاً بخنوعٍ نمطيٍّ مزروعٍ في الأعماق: “يعارض الغالبية العظمى من الأردنيين (79%) إقامة الأحزاب لنشاطات حزبية داخل الجامعات و(21%) فقط يؤيدون إقامة الأحزاب لنشاطات حزبية داخل الجامعات الأردنية”.
الاستطلاع بيّن أن من أسباب عدم تأييد إقامة النشاطات الحزبية داخل الجامعات: التركيز والاهتمام بالتعليم (50%)، الخوف من التفرقة والفتن وبالتالي حدوث مشاكل وعنف (36%)، عدم القناعة بالأحزاب (6%).
ويبدو أن الحقيقة غائبة داخل موجبات التبرير، فالواضح من معطيات الواقع، وبعكس ما آلت إليه إجابات الشرائح المستهدفة، وعكس ما أظهرته نتائج استطلاع مركز الدراسات الإستراتيجية، من أن ستة بالمائة من الأردنيين فقط لا يؤيدون إقامة النشاطات الحزبية داخل الجامعات بسبب “عدم القناعة بالأحزاب”، فهذا العنصر المتسبب بعدم تأييدهم هو الحقيقة التي توارت خلف الإجابات، وسكت عنها الجميع، هي العامل الأكثر تأثيراً، ويبدو أن اليقين الأكثر استقراراً داخل وجدان الأردنيين هو عدم القناعة بالأحزاب، أو بالمقابل تأييد أحزاب تشرف عليها تلك الدوائر الأمنية، وتوجّه حراكها وتدبّج أهدافها ونظامها الداخليّ، وبالتالي الانخراط بها، وترويج اسمها وشعاراتها وأدبياتها. وبالتالي، ولو جاءت الإجابات صريحة جريئة صادحة بما يشعر به الأردنيون، لقال تسعون بالمائة منهم: إنهم غير مقتنعين بالأحزاب. وليس ستة بالمائة منهم فقط.
وكان العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بن الحسين قد دعا عند لقائه برؤساء الجامعات الرسمية، إلى العمل على إزالة أي موانع بين الطلبة الجامعيين، والمشاركة في الحياة السياسية وتوفير بيئة جامعية تسهم في تعزيز التحديث السياسي، إلى جانب ما أكّد عليه ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله من أهمية دور الجامعات والأندية الطلابية في تعزيز هذا المسار.
توجيهات استدعت من رؤساء الجامعات الأردنية الرسمية عقد خلوة اليوم السبت ناقشوا خلال جلساتها الثلاث التشريعات والسياسات المنبثقة عن لجنة تحديث المنظومة السياسية، والفرص والتحديات في تأطير العمل الحزبي الطلابي في الجامعات، ومناقشة عامة للمناهج والأنشطة الطلابية، وخارطة طريق المرحلة المقبلة، إضافة إلى توصيات سيُصارُ إلى تزويد الحكومة بها، وتبادُل للخبرات والآراء وتوصُّلٍ إلى معالم الطريق اللازمة لتطوير العمل الحزبي الطلابي السياسي في الجامعات الأردنية.
كما يسعون خلال خلوتهم اليوم إلى الإجابة عن جملة من التساؤُلات، منها: ما الفلسفة الكامنة وراء تأطير العمل الحزبي في الجامعات؟ ولماذا يحدث التحوُّل في سياسة الدولة تجاه النشاط السياسي والحزبي للطلاب اليوم؟ وما أبرز انعكاسات قوانين الانتخاب والأحزاب على العمل الطلابي في الجامعات؟ وكيف يمكن وضع إطار للسياسات الجامعية المنشودة لتحقيق ذلك؟ وما القِيَم والمعايير والقواعد التي استُعين بها لوضع النظام الذي يُحدّد ويُؤطّر العمل الحزبيّ في الجامعات الأردنية؟ وما أبرز الأنشطة والفعاليات والتغييرات المطلوبة لتعزيز ثقافة الديمقراطية والحزبية لدى طلاب الجامعات؟ وما هي التحدِّيات والهواجس التي تحول دون تنمية مشاركة الشباب الجامعي في العمل السياسي والحزبي بصورة عامة؟ وما المحركات والديناميكيّات التي تساعد في تسريع وتعزيز اندماج الطلاب الجامعيين في العمل العامّ؟