لم نكن بحاجة لمسلسل “ابتسم أيها الجنرال” لنعرف ما الذي أجراه والد الجنرال المبتسم منذ أن تولى السلطة واغتصبها في سورية عام 1970 إلى حين وفاته، وما الذي أجراه ويجريه الجنرال من بعد وفاة “الأب” وحتى هذه اللحظة من فظائع ومجازر ومذابح إلخ.. ربما من كان بحاجة لمتابعة هذا المسلسل من هم بسن العشرينات والثلاثينات والأربعينات من الشباب الذين لم يعيشوا ما عشناه نحن المتقدمون في العمر وما شهدناه من هذا النظام، فجيلنا قد عاش أحداث ما أظهره المسلسل صوت وصورة، لحماً ودماً، وقد خبِر كاتب المسلسل أحداث ماجرى وهو ابن الخمسين، وقد عايش أفعال الجنرال ووالده من قبله. ما يسجل لهذا العمل أنه خرج عن النمطية والمألوف في مثل هكذا مسلسلات، ولم نكن يوماً نتصور أن يجري إظهار هذه الحقبة وجرائم الطغمة الحاكمة فيها من الأب واستمرارها إلى الابن فيها بمسلسل درامي يصور وبطريقة فنية ما جرى فيها، والمثير في هذا المسلسل أنه تطرق لهذا النظام وكشف عوراته وسوآته وفضحه، وهو لا يزال متربعاً على سدة الحكم في خطوة لم نعهدها ونألفها في باقي المسلسلات التي لاتتحدث عن الرؤساء الطغاة إلا بعد أن تخلعهم شعوبهم أو يغيّبهم الموت.
“ابتسم أيها الجنرال” نجح في إلقاء الضوء وبشكل كبير على طبيعة النظام المخابراتية المقيتة القائمة على القتل والاغتيالات والتصفيات الجسدية التي مارسها ويمارسها بكل من يصفهم بأنه معارضوه، فتركيبة النظام أظهره المسلسل بأنه للمافيات أقرب منه لدولة تحترم شعبها فاغتصاب السلطة من هذا النظام جعلت كل من هو وطني يعمل من أجل وطنه جعلت من الطغمة يشعرون وكأنه يريد اغتصاب السلطة منهم كما اغتصبها هذا النظام من قبل فكما يقال في الأمثال الشعبية” اللي بمؤخرته مسلة تنخزه”.
تركيبة النظام وطبيعته التي يعرفها الجميع طبيعة عنصرية طائفية عمل عليها وبكل حرص، فبعد تمكنه من تجيير طائفته لمصلحته ولمصلحة مشاريعه الدنيئة بدأ يعمل على ما هو أبعد بكثير من الطائفية، وهو الأسروية وعلى نطاقها الضيق، فقد أدرك مسلسل “ابتسم أيها الجنرال” هذا المستوى الذي وصل إليه النظام كما أدرك السوريون جميعهم من قبل المستوى المنحط هذا ليسجله المسلسل في حواريات كثيرة خاصة تلك التي جمعت زوجة حافظ مع ابنيها فرات وعاصم بأن ذكرت بأكثر من مناسبة أن ما آل إليهما من حكمهما لسورية إنما جاء إرثاً من والدهم وأنهما يجب أن يتقاسما سورية بشكل عادل لا قسمة ضيزى،وفيما بعد إن شاؤوا لهم أن يقدموا العطايا والمنح والمكرمات من ثروات سوريا وخيراتها على من يرون من طغمتهم التي تتعاون معهما.
ابتسم أيها الجنرال صوّر وبشكل دقيق حقيقة الوضع وما جرى وما يجري في سورية من مآسٍ، فكل هذه المآسي وما صورها المسلسل كانت قبل انطلاق الثورة أما ما حدث بعدها فيعتبر ما أظهره المسلسل قياساً لما حصل بعدها نزهة ليس إلا، فالمسلسل صور وبشكل دقيق بنية النظام الموروثة من “القائد المؤسس” حافظ وأخيه إلى ماجرى بين الوريث فرات وأخية عاصي من نزاع على هذه الإرث كما حدث النزاع نفسه لأجل الأرث ويكأن سورية بما فيها هي مزرعة جاءتهم إرثا كماجاء على لسان والدتهم في أكثر من حوار بينها وبين أبنائها فالمسلسل وللتشابه الكبير بين حافظ وبشار وبين عاصي ورفعت جعلت من كاتب العمل والممثِلَين يتقمصون كلا الشخصيتين بسهولة جداً وذلك للتشابه الكبير في عقليتمها وسلوكهما الإجرامي ما مكنهم لتصوير ما أحدثوه ويحدثوه في سورية وكأنها ملكاً لهم يتصرفون بها تصرف المالك بملكه هدماً وتخريباً وتلغيماً وتفخيخاُ.
ابتسم أيها الجنرال توصل وبشكل دقيق إلى ما تراه الطغمة الفاسدة من أن حياة البشر لا قيمة لها عندهم أبداُ حيال مشاريعهم الصغيرة فهم أي -المواطنون- في سورية مجرد حقلاً صغيراً لتجاربهم القذرة منها والمستقذر. فهم على استعداد تام لبيع سورية بشعبها وبأرضها في سبيل مشروعهم وهو البقاء في السلطة مهما كانت الأثمان وهذا مانجح المسلسل في إظهاره، واتضح ذلك جلياً واضحاً بعد قيام الثورة كيف أن هذه الطغمة أدخلت كل الدول جيوشاً وميليشيات وجعلتها محتلة لسورية بشرط أن تقف بوجه ثورة الشعب السوري الذي أراد أن يقتلع بثورته هذه العصابة المافيوية التي لازالت تتربع على سدة الحكم بفضل المجازر التي ارتكبتها روسيا والميليشيات الإيرانية بحق الشعب السوري المقهور.
المجازر والمذابح التي ارتكبها النظام كما أظهرها المسلسل كانت مزدوجة فهي مجازر بحق من وقعت عليهم ومجازر أخرى كان ضحيتها من قام بها ممن كانوا أدوات لتنفيذها، فشريعة هذه الطغمة قائمة على الغدر لأقرب قريب منهم ممن أوصلهم إلى ما هم عليه وتنفيذ ما أرادوه، ولنا في غازي كنعان ومحمود الزعبي وجامع جامع، ورستم غزالة، وسواهم ممن ارتكبوا جرائم وربما يأتي على رأسها جريمة اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري دليلاً على هذه الشريعة التي يعمل النظام عليها فكل أداة تنفذ مجازرهم ومذابحهم يقومون بالتخلص من منفذيها، ثم لا يلبثون أن
ينفذوا
مجازر ومذابح واغتيالات جديدة أخرى ثم يبدأون بالتخلص من منفذيها وهكذا دواليك، أي النظام لا يمكن له إلا أن يبقى ولا يمكن أن يستمر ويعيش إلا في دوامة الدم والمجازر وذلك منذ اللحظة التي انقض فيها هذا النظام على السلطة واغتصبها وكنا قد رأينا كيف قام حافظ أسد بالانقضاض على رفاقه الذين كان لهم الفضل ببروزه في المشهد العسكري والسياسي، ففريقاً منهم تم وضعهم في السجون وفريقاً منهم في القبور وفريقاً ثالث ممن هربوا خارج البلاد جرى ملاحقتهم واغتيالهم يأتي على رأسهم صلاح جديد الذي لولاه لما كان هناك شخص اسمه حافظ، والبعض يرى أن سبب مصير صلاح كان بسبب علاقته الغرامية مع أنيسة زوجة حافظ، والتي كان يعلمها حافظ ولكنه أسرها في نفسه إلى حينها، وقد أشار وألمح مسلسل ابتسم أيها الجنرال إلى هذا بحوارية جمعت بين عاصي وفرات وسامية ووالدتهم في المشهد الذي قالت فيه لأولادها بأن يضعوا أياديهم على بطنها للقسم عليه بأن يظلوا أوفياء لبعضهم وأراد كاتب المسلسل والمخرج أن يقولا فيه هذا ولكن لم يقولاه صراحة بل إشارة بأن البطن واحد ولكن الظهور متعددة،فواقعة الولادة واقعة مادية تقول إنك أمهم وهذا صحيح فلا داعي تبعاً لهذا أن يضعوا آياديهم عليه، فالنسب يحدده الظهر، ولا تحدده الولاده والبطن، فالعبرة ليست في البطون بل العبرة في الظهور.
مسلسل ابتسم أيها الجنرال تطرق إلى هذه الشريعة وإلى دستور القتل والمذابح والاغتيالات المقدس ومبادئه والآلية التي يعمل بها من غدر وخيانةٍ لمن قام بخدمتهم في ولعل المشهد الأخير من المسلسل يدلل على دستور القتل والغدر لمن قام بخدمة هذا النظام بدلالة قيام فرات بقتل نادر سُمّا على حفلة دعاه لها، ذاكرا له بأنه سمع “أباه” وهو طفل صغير يردد عليه هذه الشريعة التي يجب أن يعمل عليها في التعامل مع من قدموا له الخدمات وذلك كي لا يبقوا شهداء على ما طُلب إليهم تنفيذه، فحسب هذه الشريعة والدستور الذي يعملون وفقه حسب ظنهم أنه لا يبقى أثرا لمفعول ومقولة ” دافنينو سوا” ليصبح الأمر دافنو لحالي، وقد نسي “الأب” وابنه أنهم بأفعالهم هذه لم يصلوا لهذا بل لازالت مقولة دافنينو سوى منتشرة لا بل ازدادت هذه المقولة اتساعاً ليعلمها الشعب السوري الذي أصبح يعرف من هو الدافن ومن هو المدفون.
ابتسم أيها الجنرال ذو قيمة عالية والشيء الذي يضاف إلى هذه القيمة أنه عُرِض في وقته وفي زمانه، وجاء متزامنا مع خطوات من قبل بعض الدول العربية التي تحاول تعويمه الجنرال المبتسم والعودة به لشغل مقعد سورية لدى جامعة الدول العربية، وما يضاف لقيمته أنه حظي بمتابعة شعبية منقطعة النظير فهو أي -المسلسل- ربماسيكون له تأثير في المزاج الشعبي للجماهير العربية التي شاهدته وسيكون لهذا المزاج الشعبي العربي تأثير على قياداتها للضغط عليها في اتجاه عدم التطبيع مع الجنرال المبتسم.