المصدر: ذا سبيكتاتور
ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: ديفيد باتريكاراكوس (كاتب وصحفي. مؤلف كتاب إيران النووية: ولادة دولة ذرية)
يبدو أن العالم أصبح أكثر خطورة منذ أن توّلى جو بايدن منصبه في كانون الثاني/ يناير الماضي. ولم يمضِ وقت طويل على تنصيبه حتى بدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حشد القوات على الحدود الأوكرانية. ويعتقد الكرملين أن خصمه الأمريكي كبير في السن وضعيف، وبدأ باختباره بمجرد توليه منصبه. والآن عادت الحرب إلى القارة الأوروبية مرة أخرى.
الليلة الماضية كان دور الإيرانيين لاختبار واشنطن. فوفقاً لحكومة إقليم كردستان سقط 12 صاروخاً بالقرب من قنصلية أمريكية جديدة تحت الإنشاء في “أربيل” عاصمة كردستان العراق حوالي الساعة 1:30 صباحاً. وأفادت وحدات مكافحة الإرهاب التابعة لحكومة إقليم كردستان، أن “الهجمات لم تُسفر عن إصابات، وتم إطلاق الصواريخ من خارج كردستان ومن خارج العراق”.
وكما لاحظ المحلل سيث فرانتزمان، فالقنصلية ليست في وسط المدينة واستهدافها سيتطلب إحداثياتها ليتم استغلالها في الضربات الدقيقة للصواريخ الباليستية. القنصلية إذن كانت هدفاً صريحاً. ومن الواضح جداً أن الهجوم مصدره إيران. واللافت -والجديد- هو أن الحرس الثوري الإيراني (IRGC) أعلن مسؤوليته عن الضربة، وأصدروا بياناً زعموا فيه أنهم كانوا يستهدفون ‘المركز الإستراتيجي’ الإسرائيلي في البلاد بعد قيام إسرائيل بقتل عضوين إيرانيين من الحرس الثوري الإيراني في وقت سابق هذا الأسبوع في سورية. وأضافت أن “أي تكرار للهجمات من قبل إسرائيل سيُقابل برد قاسٍ وحاسم ومدمّر”.
بكل المقاييس، جاءت الصواريخ من “خارج العراق” وهذا يعني أن الإيرانيين كانوا سعداء بإخبار واشنطن بأنهم ليسوا وراء الهجوم فحسب، بل نفذوه أيضاً. في السابق كانوا يُفضّلون الاعتماد على الوكلاء. فمنذ قبل أكثر من عام بقليل، كتبت في هذه الصفحات عن الضربة الصاروخية التي شنتها مجموعة مسلحة غامضة تسمى “سرايا أولياء الدم”، والتي استهدفت قاعدة تستضيف القوات الأمريكية في أربيل، عاصمة كردستان العراق. في ذلك الوقت كان الدافع واضحاً: الانتقام لقاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في بغداد في بداية عام 2020.
لقد هزّ اغتيال سليماني الإيرانيين. وهم لا ينسون ذلك. ففي كل مكان يتواجدون فيه، سترى نُصب تذكارية وإشارات إلى سليماني، ليس أقلها في العراق. وتكشف نظرة سريعة على تطبيقات المراسلة ولوحات الدردشة باللغة العربية أن المستخدمين يعتقدون أن توقيت هجوم الليلة الماضية -حوالي الساعة الواحدة والنصف صباحاً -كان مقصوداً وهو في نفس الوقت من اليوم الذي تعرض فيه سليماني للضربة. وكما هو الحال دائماً، يزعم المستخدمون المؤيدون لإيران أن إيران ستُغلق مضيق هرمز -الذي يمر عبره جزء من نفط العالم- إذا تجرأ أي شخص على مهاجمة طهران رداً على ذلك.
لطالما كانت كردستان هدفاً مُفضلاً لإيران لأن الولايات المتحدة لديها وجود عسكري قوي هناك. ترسل هذه الضربات الصاروخية رسالة بسيطة وخطيرة أينما كنتم في الشرق الأوسط، يمكننا ضربكم.
وكما هو الحال دائماً، فإن التوقيت هو كلمة السر. فالمحادثات بين إيران وما يسمى مجموعة 5 + 1 (سلطات مجلس الأمن الخمس بالإضافة إلى ألمانيا) متوقفة. ويحاول الإيرانيون تذكير الجميع بالمتاعب التي يمكن أن يتسببوا فيها والأضرار التي يمكن أن يلحقونها إذا لم تتم تلبية احتياجاتهم. مرة أخرى، إن الرسالة واضحة: إذا كنتم تعتقدون أننا سيئون الآن، تخيلوا فقط إلى أي مدى يمكن أن نكون أسوأ دون اتفاق لكبح جماحنا.
وفي جميع أنحاء العالم، بدأت التسوية الجيوسياسية الحديثة في التآكل؛ في كل مكان تحاول الدول اختبار الولايات المتحدة. ولقد أمضت واشنطن سنوات في محاولة الضغط على المملكة العربية السعودية بشأن سجلاتها في مجال حقوق الإنسان. لكن على مدار الأربع والعشرين ساعة الماضية، أعدمت الرياض 81 رجلاً خلال اليوم الماضي، بتهم من بينها “الولاء لمنظمات إرهابية أجنبية” والتمسك بـ “معتقدات منحرفة”. وهذه أكبر عملية إعدام جماعي معروفة نُفذت في المملكة في تاريخها الحديث. نعم، لقد اعتقدوا أنه سيكون من الأسهل التخلص من هذا بينما تتجه جميع الأنظار تقريباً في العاصمة تجاه كييف، لكنهم كانوا يعلمون أيضاً أنها ستسجل إلى حد ما، خاصة مع البيت الأبيض، ومن الواضح أنهم لم يهتموا.
تميل الدول، وخاصة من النوع المارق، إلى القيام بأمرين عندما يكون العالم محاصراً بأزمة كبرى مثل الحرب أو الطاعون. الأول، هو استخدام الإلهاء للتخلص من الأشياء. والثاني هو اختبار النظام الحالي -وخاصة أولئك الذين يدّعون أنهم يتصدرونه- لمعرفة ما هي حدوده بالضبط.
يواجه بايدن تحديات على جميع الجبهات حيث تقوم بعض الدول الأكثر فظاعة في العالم بتتبّع نقاط ضعفه كما لم يحدث من قبل. حان الوقت لأن يتقدم بايدن ويعطي الروس والإيرانيين -وأي شخص آخر يسعى لمهاجمة العالم الديمقراطي- رداً واضحاً وحاسماً.