“نداء بوست”- عواد علي- بغداد
تتعرض المسطّحات المائية الضخمة جنوبي العراق، التي تسمّى “الأهوار”، إلى موجة جفاف غير مسبوقة تسبّبت في هجرات جديدة طالت مئات الأُسر، إلى جانب خسائر في المواشي والمزروعات، الأمر الذي دفع عدداً من العراقيين المهتمين إلى التحرّك، من بينهم ناشطون ومدنيون أطلقوا حملةً واسعةً على وسائل التواصل الاجتماعي تحت عنوان “أنقذوا أهوار العراق”.
يزيد عدد الأهوار عن الخمسين، وتستمدّ مياهها من نهرَي دجلة والفرات بشكل رئيس، تتوزع على محافظات (ذي قار، وميسان، والبصرة، والمثنّى)، ومناطق حدودية مع إيران جنوبي وجنوب شرقي البلاد، أمّا أبرزها فأهوار (الحمّار، والحويزة، والشيب، والدجيلة)، ويمتد هور “الحمّار” من بلدة “سوق الشيوخ” في محافظة ذي قار إلى ضواحي البصرة عند شط العرب، يليه هور “الحويزة” الذي يقع بين محافظتي العمارة والبصرة، ويفصل بين العراق وإيران، وتضمّ أنواعاً عديدةً من الطيور، والأسماك، والنباتات المائية، ونبات القصب والبردي، في حين تعيش حولها آلاف الأُسر العراقية على الزراعة وصيد السمك وتربية المواشي.
وتُعد الأهوار نظاماً بيئياً متكاملاً فريداً من نوعه في الشرق الأوسط، وتتسع مساحة الأراضي المغطاة بالمياه وقت الفيضان في أواخر الشتاء وخلال الربيع وتتقلص أيام الصيهود، وتتراوح مساحتها بين 35- 40 ألف كيلو متر مربع. وقد أطلق العرب عليها قديما اسم “البطائح” لأن المياه تبطّحت فيها، أي سالت واتسعت في الأرض، وكان ينبت فيها القصب. أما التسمية الشعبية لها في العراق فهي “الجبايش”.
ويعيش سكان الأهوار، منذ آلاف السنين، في بيوت مصنوعة من القصب على جزر صغيرة طبيعية أو مصنعة، ويربّون الجاموس والبقر، ويستخدمون نوعاً من القوارب، ذات الأصل السومري، يسمونه “المشحوف” في تنقلهم وترحالهم.
وتضم أكثر من 26 نوعاً من الأسماك، وتشهد في كل موسم قدوم أسراب كثيرة من الطيور المهاجرة، قاطعةً آلاف الأميال هرباً من صقيع سيبيريا ودول آسيا وسواحل شمال أوروبا في فصل الشتاء، واعتاد سكان البصرة والعمارة والناصرية على مشاهدة عشرات الأسراب من تلك الطيور وهي تقطع سماء مدنهم. أما البط فهو يفضّل المكوث والتكاثر في أماكن ضيقة ومحددة وسط الهور، ويوجد نحو عشرة أنواع منه.
وكانت الأهوار، حسب اعتقاد بعض الباحثين، موطناً للسكان الأصليين، والموقع الذي يطلق عليه العهد القديم “جنّات عدن”، والمكان الذي ظهرت فيه ملامح السومريين وحضارتهم، كما تبين الآثار والنقوش السومرية المكتشفة. وقد كُتب عنها العديد من الدراسات والأعمال الأدبية، وشكّلت فضاءً لإنتاجات سينمائية ومسلسلات تلفزيونية ولوحات تشكيلية.
وسبق منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) وافقت في السابع عشر من يوليو/ تموز 2016 على إدراج الأهوار في قائمة التراث العالمي، محميّة طبيعية دولية، بالإضافة إلى مدن أثرية قديمة قريبة منها مثل أور وأريدو والوركاء.
ومنذ مطلع العام الجاري، يضرب الجفاف العراق، وتسبّب في تراجع مستويات المياه الواصلة عبر نهرَي دجلة والفرات، نتيجة السياسات المائية لدول الجوار، خاصةً إيران، من خلال بناء سدود وتحويل مجرى أنهار فرعية ومنع دخولها العراق.
واليوم تبدو أهوار العراق أمام تحدٍّ خطير من أجل البقاء، في ظلّ تفاقم أزمة الجفاف التي يصفها خبراء بأنّها الأكثر قسوةً منذ عقود طويلة، إذ تراجعت مناسيب المياه في المسطّحات المائية التي تغطّي مساحات كبيرة من محافظات عدّة، وتُعَدّ مصدر حياة بيئية خصبة تكوّنت حولها تجمّعات سكنية كثيرة من قرى وقصبات مختلفة تضمّ عشرات آلاف العراقيين.
وقد سجّلت الأسابيع الأخيرة نزوح عدد غير قليل من أهالي الأهوار من مناطق الأهوار لذا أطلق ناشطون عراقيون حملة لحثّ الحكومة على مساعدتهم، ونظموا مساء اليوم وقفةً وسط مدينة الناصرية، مركز محافظة ذي قار، تنديداً بفشل الحكومة في احتواء الأزمة ومساعدة الأهالي المتضرّرين من أزمة الجفاف.
ورأى الناشط البيئي محمد عباس، في تغريدة على موقع “تويتر” أنّه يتوجّب على الأمم المتحدة التدخّل في مثل هذه “الظروف الخانقة”، وحلّ أزمة الأهوار الكبرى، لا سيّما أنّها مدرجة على قائمة التراث العالمي.
ووصف عباس الأزمة بأنّها “تقصير سياسي”، في إشارة إلى تعثّر الحكومة العراقية في إكمال مفاوضاتها مع دول الجوار، وتحقيق النتائج المرجوّة لرفع كميات المياه الواصلة إلى نهري دجلة والفرات.
وفي وقت سابق أفاد مقرّر لجنة المياه في البرلمان العراقي، النائب عادل المختار، بأنّ لجنته “دعت الرئاسات الثلاث إلى استخدام أوراق الضغط على دول الجوار لحملها على الانضمام إلى الاتفاقات والمعاهدات الدولية المختصّة بتوزيع المياه بين الدول”، موضحاً في تصريحات صحافية “ضرورة وضع الحلول لمعالجة الآثار السلبية لانخفاض مناسيب المياه، وأهمّها ارتفاع نسب التلوّث، لا سيّما في المناطق الوسطى والجنوبية، وزيادة مساحات التصحّر، فضلاً عن اتساع هجرة العوائل من سكنة الأهوار والقرى إلى مراكز المدن”.