نداء بوست-ريحانة نجم-بيروت
بنبرة حزن ووجه شاحب، أطلّ رئيس تيار المستقبل على جمهوره من "بيت الوسط" معلناً تعليقه العمل في الحياة السياسية، ومقاطعته الانتخابات النيابية المقبلة، من يعرف الحريري يُدرك أنّه مُجبر على اتخاذ هذا القرار لا بطلاً، بدا وكأنّه محطّم نفسياً وجسدياً وحتى سياسياً، وكأنّ طرفاً إقليمياً أو دولياً أملى عليها هذا القرار بالتنحي جانباً هذه الفترة، وكانت دموعه في ختام كلامه مودّعاً جمهوره خير دليل على ذلك.
ومما لاشكّ فيه أنّ هذا القرار خلّف اهتزازاً كبيراُ في المشهد اللبناني خاصة أنّنا مقبلون على استحقاق انتخابي قد يحدد مسار البلد، وقد تكون لهذا القرار انعكاسات وتأثيرات خطيرة، على التوازنات الطائفية اللبنانية، وخاصة على الساحة السنية، باعتباره (أي الحريري) قامة وطنية وزعيم للطائفة السنة ناهيك عن أنّه صاحب أكبر تكتل برلماني سني في البلد.
وهنا بدأت الأسئلة تتنقل في الصالونات الرسمية وحتى الشعبية منها، من سيملئ الفراغ الذي سيتركه الحريري وتياره (تيار المستقبل)؟ من سيدير دفة الانتخابات في الساحة السنية؟ كيف سيكون شكل التحالفات؟ وغيرها الكثير من الأسئلة التي تقلق اللبنانيين عموماً والمسلمين السنة خصوصاً.
مصدر سياسي مطلع على الأجواء اللبنانية قال لـ"نداء بوست" إنّ غياب الرئيس سعد الحريري وتعليق المشاركة في العمل السياسي على المستوى والشخصي وعلى مستوى تيار المستقبل لا شك أنّه يترك فراغاً ليس قليلاً على مستوى الساحة الوطنية بشكل عام والساحة السنية بشكل خاص"، مشبّهاً هذا القرار بأنّه "زلزالٌ على المستوى الوطني"، مشيرأً في الوقت نفسه إلى ضرورة العمل والسعي لملئ هذا الفراغ بطريقة من الطرق، والنّظر إلى الأسباب التي دفعت الحريري إلى تعليق عمله السياسي، غير التي ساقها في كلمته أمس.
وأوضح المصدر أنّ التحدي الأبزر اليوم يقع على الساحة السنية وهذا المكون الأساسي على مستوى الوطن.
وعن التوازنات الطائفية، قال المصدر "إنّ لبنان بلد قائم بين المكونات الأساسية فيه، مستبعداً اختلالها في المرحلة المقبلة تحت أي عنوان أو أي ذريعة"، ورفض رفضاً قاطعاَ أيّ حديث عن وجود إحباط في الساحة السنية جراء قرار الحريري، بل إنّه اعتبر أنّ التحديات الخطيرة قد تفتح فرصة للتفكير الجدي والحقيقي لتصحيح ما يُعدّه البعض خطاً في السياسيات التي اعتمدت في المراحل السابقة، وقد يكون فرصة لإعادة التصويب والتقويم.
وحذّر المصدر نفسه من مقاطعة الانتخابات لأنّها خطيرة وفق قوله، مشدداً على ضرورة ألا يكرر السنّة في لبنان تجربة المسيحيين حين قاطعوا الانتخابات في 1992 لأنّ نتائجها ستكون كارثية على المشهد السياسي.
وعن الفراغ الذي سيتركه قرار الحريري، قال مصدر مقرّب من التيار الإسلامي في لبنان لـ"نداء بوست"، "إنّ ملء الفراغ الذي تركه هذا القرار ليس أمراً سهلاً"، مشيراً إلى أنّ الشخصيات السنية السياسية التي تشغل المواقع السنية هي أكثر مناطقية من أنّها زعامات أو شخصيات سياسية وطنية، (مؤكداً أنّ هذا الكلام لا يقدح بهذه الشخصيات ومكانتها) ويشرح أن الاهتمامات الأساسية والتركيز الأساسي لهذه الشخصيات مناطقية أكثر من أنّها تتمتع بانتشار وطني كـ"تيار المستقبل".
ولفت المصدر إلى أنّ التيار الإسلامي المنظّم (في إشارة إلى الجماعة الإسلامية) هو التيار الوحيد الذي يتمتع بهذا الانتشار، بحيث له حضوره الفاعل والناشط في كلّ المناطق وعلى كل المستويات (اجتماعي، تربوي، صحي، خيري…).
وأضاف قائلاً "هؤلاء (الجماعة الإسلامية) ربّما يُشكّلون في لحظة من اللحظات نوعاً من الخيار البديل ولو مرحلي للمسلمين السنة في لبنان، خاصة أنّ هذا التيار يتمتع بالانفتاح والعقلانية والاعتدال والوسطية، ويقدّم نفسه للمجتمع اللبناني على هذا الأساس"،
ويوضح المصدر أنّ هذا التيار (الجماعة الإسلامية) لديها خبرة في هذا المجال فهي كانت موجودة في البرلمان من 1992 حتى 2000، ومن عام 2009 حتى 2018.
لكنّه يشير في الوقت عينه إلى أنّ التيارات الإسلامية في المنطقة، ومنها الجماعة الإسلامية في لبنان تعيش حالة من القلق، بعد أن أصبحت في دائرة الاستهداف من الثورات المضادة، وتفتقر إلى الدعم المادي والعمق الإقليمي.
أمّا على المستوى المحلي يؤكّد المصدر أنّ التيار الإسلامي قد يُشكل للمكون السني بديلاً مُريحاً وعقلانياً ومنفتحاً، والأيام المقبلة ستوضح لنا الصورة.