المصدر: هارتس
ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: تسفي برئيل (محلل شؤون الشرق الأوسط)
لقد انتهى الدور القتالي للولايات المتحدة في العراق رسمياً يوم الجمعة، بالرغم من أنه واقعياً انتهى مسبقاً في 9 كانون الأول /ديسمبر بإعلان الولايات المتحدة أن جميع قواتها القتالية قد غادرت العراق. ولكن كما قال المتحدث باسم البنتاغون، جون كيربي، "هذا تغيير في المهمة، وليس بالضرورة تغييراً مادياً في وضع القوات."
وبعبارة أخرى، ستعمل القوات الأمريكية الموجودة هناك كمدربين ومستشارين في العراق لكنهم لن يشاركوا في القتال البري. وبذلك يمكننا أن نتنفس الصعداء. فعلى عكس الانسحاب المشوش والمتسرع من أفغانستان في شهر آب/ أغسطس، تم الخروج من العراق بشكل متماسك، تماشياً مع القانون العراقي الذي يطالب الحكومة بتوديع القوات الأمريكية بحلول نهاية العام.
ولكن الآن بعد أن أكمل جو بايدن الانسحابات العسكرية وإنهاء سنته الأولى كرئيس، لم يعد الشرق الأوسط أكثر هدوءاً. صحيح أن النيران التي خلفتها الحروب في أفغانستان والعراق خمدت، وتوقفت القوات الأمريكية عن إطلاق النار. لكن نقاط الاحتكاك ستبقى في العام الجديد، جنباً إلى جنب مع المتغيرات الجديدة لفيروس كورونا.
سيكون عاماً لا بد أن تتغير فيه الخريطة الاستراتيجية بمجرد أن تكون واضحة ومقنعة وستحل التحالفات المحلية محل التحالفات الدولية. ملخص نهاية العام يتضمن الحرب في اليمن التي تدخل عامها السابع: صراعات السلطة في ليبيا الاشتباكات في سورية، انهيار السودان، إعادة سيطرة طالبان على أفغانستان، الهشاشة في العراق، وانهيار لبنان.
وهذه ليست سوى قائمة جزئية، ففي كل هذه الأماكن، يمكن تمييز التدخل الدولي الآخذ في التلاشي. فالشرق الأوسط يتقوقع على نفسه ويبحث عن بدائل لقوة الولايات المتحدة ويستعد لعودة إيران النشطة.
في الواقع، ينعكس التغيير بالفعل في نهج الدول العربية تجاه إيران، مثل الاتفاقات التي وقعتها الإمارات العربية المتحدة مع طهران، بما في ذلك صفقة تُمكّن البضائع الإماراتية من المرور عبر إيران إلى تركيا وإلى أوروبا. هذا المسار سيختصر الرحلة من حوالي 20 يوماً عبر قناة السويس إلى أسبوع. وزيارة مستشار الأمن القومي لدولة الإمارات، طحنون بن زايد، شقيق الحاكم الفعلي محمد بن زايد، إلى إيران، والتقارير عن زيارة مرتقبة لزعيم الإمارات هناك، تكسر محرماً دام خمس سنوات. وحتى قبل ذلك، وقعّ البلدان اتفاقية لحماية الممرات الملاحية في الخليج العربي لمنع هجمات الحوثيين في اليمن على أهداف إماراتية.
تُظهر هذه التحركات أن الإمارات لم تعد منزعجة من العقوبات الأمريكية التي تحظر التعاون الاقتصادي والعسكري مع إيران. ولا يعتزم الإماراتيون التخلّي عن علاقاتهم مع الولايات المتحدة، لكن تعليق واشنطن لبيع طائرات F-35 المقاتلة لم يكن نذير خير بالنسبة للإمارات العربية المتحدة، التي وافقت في شهر كانون الأول/ ديسمبر على شراء 80 طائرة مقاتلة من طراز رافال من فرنسا.
وقد عقدت المملكة العربية السعودية جولتين من المحادثات مع المسؤولين الإيرانيين في العراق، وعقدت مؤخراً اجتماعاً آخر في عمّان. وقالت إيران إن هذه المفاوضات جزء من سياستها لإحياء العلاقات مع دول المنطقة، وإن للرياض وطهران مصلحة مشتركة في تحديد أسعار النفط ومشاركة عملائهما عندما تستأنف إيران الإنتاج الكامل.
حرب اليمن مستمرة
كلما تطورت العلاقات بين دول الخليج وإيران، زادت فرصة إنهاء الحرب المأساوية في اليمن، والتي قُتل فيها أكثر من 100 ألف شخص.
على هذه الجبهة، الولايات المتحدة ليست شريكاً نشطاً فلم يعد التحالف العربي الذي أسسه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عام 2015، والذي دعمته إدارة ترامب في جهودها لعرقلة النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، موجوداً. كما أن الضغط الأمريكي والأوروبي على السعودية لإنهاء الحرب لم ينجح، وسرعان ما انهارت المحادثات بين الحوثيين والسعوديين، وليس لواشنطن نفوذ لفرض وقف إطلاق النار، ناهيك عن عدم وجود حل سياسي. ومن الواضح أنه بدون اتفاق بين السعودية وإيران، فإن هذه الحرب ستشغل المنطقة في العام الجديد أيضاً.
كما أن حلّ الحرب السورية لا يعتمد على نفوذ الولايات المتحدة أو مشاركتها. وستكون روسيا اللاعب الرئيسي هنا أيضاً، على الأقل عسكرياً. فمن غير المتوقع أن تثمر جهود موسكو للتوصّل إلى حل دبلوماسي بعد المحادثات بشأن سورية في العاصمة الكازاخستانية.
وهذا ليس فقط بسبب العداء بين الثوار والنظام. فالخلاف بين تركيا وروسيا بشكل رئيسي حول الأكراد السوريين هو أخطر خلافات يجب نزع فتيلها. فهذان البلدان لديهما العديد من المصالح الاستراتيجية والاقتصادية المشتركة، ولكن هناك القليل من الخلافات أيضاً.
على سبيل المثال، دعمت تركيا وقطر الحكومة الليبية المعترف بها، بينما لا تزال روسيا تدعم الجنرال الانفصالي خليفة حفتر. وساعدت تركيا أذربيجان ضد أرمينيا في حرب ناغورنو كاراباخ عام 2020، بينما دعمت روسيا أرمينيا. وتريد روسيا من الأكراد السوريين أن يشاركوا في المفاوضات حول مستقبل سورية، بينما بالنسبة لتركيا، فإن ذلك يرقى إلى مستوى التفاوض مع جماعة إرهابية
في هذه الساحة، من المتوقع أن تواصل الولايات المتحدة المراقبة من الخطوط الجانبية. وقامت بدورها عندما فرضت في عام 2020 عقوبات على النظام في سورية. لكنها الآن تغلق أعينها بل وتشجع مصر والأردن على إرسال الغاز والكهرباء إلى لبنان عبر سورية، والتي ستحصل على 8 في المائة على الأقل من قيمة موارد الطاقة التي تمر عبر أراضيها إلى لبنان. والأهم من ذلك، أن النظام الحاكم في سورية، والذي طُرد من جامعة الدول العربية، قد يعود في شهر آذار/مارس عندما تجتمع الجامعة في الجزائر.
وقد أعادت عمّان والبحرين والسودان والإمارات بالفعل سفاراتها في دمشق، ومن المتوقع أيضاً أن تدعم مصر والأردن عودة سورية إلى الصف العربي.
وهذا سيمنح بشار الأسد على الأقل الشرعية الإقليمية. فسورية مثال واضح على الطريقة التي تتحول بها الحرب داخل البلد الواحد إلى صراع عسكري وسياسي دولي. فقد أصبح التمرد المدني حرباً بالوكالة ثم حملة تضم دولتين – تركيا وإيران – وقوة عظمى واحدة، روسيا.
لامبالاة الولايات المتحدة
على مدى عقدين من الزمن، تمت صياغة الاستراتيجية الأمريكية والعربية حول ثلاث نقاط احتكاك: الحربان في أفغانستان والعراق – حيث بقيت الولايات المتحدة لفترة طويلة – والحوار النووي مع إيران. لقد تم احتلال أفغانستان عام 2001، والعراق عام 2003. وقد حظيت الحرب الأولى بدعم دولي بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر. والثاني يستند إلى فرضية خاطئة مفادها أن العراق كان ينتج أسلحة دمار شامل وأن صدام حسين كان شريك أسامة بن لادن.
ولكن حتى بعد إعدام صدام، وقتل بن لادن بعد ثماني سنوات، حاولت واشنطن تبرير استمرار تدخلها العسكري في هذين البلدين المسلمين. وكانت رغبة واشنطن في تسويق الديمقراطية هناك أحد أعمدة سياسة جورج دبليو بوش ونقلها إلى خليفته باراك أوباما الذي تمكن من قتل بن لادن.
في عام 2014، بعد ثلاث سنوات من اغتيال بن لادن، قدمت الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية السبب النهائي للتدخل العسكري الأمريكي الهائل في العراق وسورية. حقيقة أن النظام السوري ذبح مئات الآلاف من شعبه في تلك السنوات لم تزعج الولايات المتحدة وبقية الغرب كثيراً. كانت واشنطن مشغولة بالتفاوض بشأن الاتفاق النووي الإيراني وتخشى أن تؤدي ضربة قوية لنظام الأسد إلى إقناع إيران بتعليق المحادثات.
كانت الولايات المتحدة غير مبالية بسورية، كما لو كان هذا نزاعاً داخلياً، أو كما أشار إليها دونالد ترامب، " لديهم الكثير من الرمال هناك." وقد ترك هذا الباب مفتوحاً لروسيا، التي أصبحت المالك الفعلي لسورية إلى جانب تركيا؛ الشريك الثانوي واللتان تجاوزتا موقف إيران.
وقد تكثفت الجهود الأمريكية والأوروبية للخروج من الشرق الأوسط النازف، والتي بدأت في عهد ترامب، وتصاعدت في عهد بايدن في البيت الأبيض.
وقد أعادت واشنطن ضبط علاقاتها مع المملكة العربية السعودية -وفي الواقع مع جميع دول الشرق الأوسط، بما في ذلك تركيا وإيران. أخيراً، من المرجح أن تستمر العملية التي بدأت في عام 2021 في العامين التاليين: انسحاب الولايات المتحدة وأوروبا من الشرق الأوسط دون وجود قوة عظمى بديلة لتحل محلهما.
على الجانب الآخر، قد تكون روسيا راعياً لسورية لكن الدول العربية لا ترى ذلك بديلاً. فالصين، التي تستثمر مئات المليارات من الدولارات في بناء نفوذها في المنطقة، حذرة من التدخل في النزاعات المحلية أو المشاركة في حروب المنطقة بالوكالة.
إن عملية تقسيم المنطقة إلى كتل موالية للغرب (أمريكية) ومعادية للغرب (روسية) آخذة في الانهيار ويبدو أن مكانهم سيتم اشغاله من قبل تحالفات محلية صغيرة وتحالفات قائمة على المصالح المحلية، والتي قد تكون أكثر فاعلية في حل بعض الصراعات العنيفة.