المصدر: هآرتس
ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: ديما أدامسكي (باحث في السياسة الروسية)
يعتقد البروفيسور ديما أدامسكي من جامعة ريتشمان أن احتمال استخدام بوتين للأسلحة النووية لا يزال منخفضاً. لكنه قَلِق مما يسميه “زعزعة إستراتيجية للمنظومات النووية الروسية”.
لقد أثار خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي ألقاه يوم الأربعاء، الخوف في نفوس مواطني بلاده لدرجة أن جميع تذاكر الرحلات المغادرة للبلاد تم حجزها على الفور، حيث أصاب القلق الرجال الذين في سنّ التجنيد بعد إعلان الكرملين أنه سيتم استدعاء 300000 من جنود الاحتياط للحرب المتعثرة في أوكرانيا.
لكن في نظر البروفيسور أدامسكي، والذي يدرس الإستراتيجية الروسية، أن هناك عنصراً آخرَ مُثيراً للقلق في الخطاب. حيث قال لصحيفة “هآرتس”: إنه لا يريد أن يُنظر إلى ذلك العنصر على أنه أمر مخيف، لكنه يعتقد أن الكثيرين في الغرب يتعاملون باستخفاف مع تهديدات الرئيس الروسي المتكررة باستخدام الأسلحة النووية في الحرب. وأشار إلى أن “بوتين أعاد التأكيد على أن الخيار النووي هو أداة يمكن استخدامها في الحرب” إذ قال بوتين صراحة: “أنا لا أراوغ، لا تقوموا بتجريبي”. ففي إطار التصريحات المتصاعدة، من الصعب الإدلاء بتصريحات أخطر من تلك التي أدلى بها بوتين.
ويُميز أدامسكي مزيجاً خطيراً من التحركات الروسية: “استفتاء سريع حول ضم الأراضي التي احتلتها روسيا، واستدعاء قوات الاحتياط، والتهديد النووي – وكلها تأتي على خلفية الهجوم المضاد الأوكراني الذي حقق نجاحاً مفاجئاً في الشرق، فيما يتزايد الاحتجاج على استمرار الحرب داخل روسيا”.
وقال الباحث في السياسات الروسية: “لن يعترف أي شخص في العالم بضمّ المناطق المحتلة إلى روسيا، لكن من وجهة نظر بوتين، فإن الاستفتاء سيساعده في صياغة رواية تساعده على حشد شعبه”. فوفقاً للعقيدة الروسية، يمكن استخدام الأسلحة النووية عندما يكون هناك تهديد لوحدة الأراضي الروسية أو سيادتها. ومن وجهة نظره، فإن استمرار الحرب في هذه المناطق، وسط استخدام الأسلحة الغربية، وكذلك الأنظمة والتدريب الذي توفره دول الناتو لأوكرانيا، فإن ذلك يخلق وضعاً جديداً بمجرّد ضمّ هذه المناطق لروسيا. فعن طريق التهديد النووي، يأمل أن يكون قادراً على ردع كييف وأنصارها في الغرب عن مواصلة القتال، والسعي من أجل وقف إطلاق النار على طول خط القتال الحالي”.
يلاحظ أدامسكي أن وضع روسيا في القتال “كارثي للغاية. فلقد أدّى نجاح الهجوم المضادّ إلى تقويض ثقة المواطنين الروس في بوتين كقائد لا يُقهَر. ويتعرّض الرئيس لانتقادات من اليمين واليسار على حدّ سواء، من قِبل أولئك الذين يعتقدون أنه يجب استخدام المزيد من القوة في أوكرانيا، وكذلك من قِبل أولئك الذين يريدون الانسحاب. كما لم يتعرّض بوتين لضربة كهذه من قبل، لا في جورجيا ولا في الحرب الشيشانية الثانية ولا عندما ساعد نظام الأسد في سورية”.
ويضيف أدامسكي بأن: “الروس يحاولون الصمود على طول خط المواجهة الذي يبلغ طوله حوالَيْ 1000 كيلومتر. فمن الناحية الموضوعية، لم يعودوا يمتلكون تلك القوّة البشرية الضخمة بعد الخسائر التي تكبدوها. لكن المفهوم الكامل لنظام الاحتياطي في روسيا يكاد يكون معروفاً، حيث إن الجيش الروسي ليس كالجيوش الصغيرة في الدول التي لديها خطر وجودي على أراضيها الصغيرة (كما هو الحال في إسرائيل) حيث لن ينجح الجيش الروسي في تنظيم وفرز وتدريب قواته الاحتياطية بوتيرة مثل الجيوش الصغيرة (كالجيش الإسرائيلي مثلاً). وإنما يحتاج الجيش الروسي إلى تحديد مكان القوات الاحتياطية وتعبئتهم وتجهيزهم قبل إرسالهم إلى الجبهة، حتى لا يتحوّلوا إلى ضحايا مجانية يمكن قتلهم بسهولة – في وقت يكون فيه معظم القادة الميدانيين مشغولين في القتال نفسه وغير متفرغين للتدريب”.
وهكذا، كما يقول البروفيسور أدامسكي، ظهرت فترة حرجة، حيث من المحتمل أن يُفكّر بوتين في استخدام أسلحة نووية تكتيكية. ويقول: “إنه يريد أن يمنع الأوكرانيين من التقدّم أكثر، لكنه لا يملك القوات الكافية في الحرب”. كما أن المكاسب الأوكرانية تُحفّز الغرب على توفير أسلحة متقدمة إضافية، على أمل أن يحرّروا المزيد من الأراضي قبل حلول فصل الشتاء. ويواجه بوتين مشكلة عملياتية حقيقية على الجبهة. فمن الممكن أن يكون الرد الرئيسي المتبقي في ترسانته هو التهديد باستخدام أسلحة كيماوية أو نووية.
وعن هذه النقطة يقول أدامسكي: “ما زلت أعتقد أنه احتمال ضعيف، ولكن مع ذلك، فنحن في أقرب نقطة إلى منطقة الخطر النووي منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1991. لقد دخلنا حيزاً يكون فيه النظام النووي الروسي في حالة عدم استقرار إستراتيجي وهذا هو أكثر ما يقلقني.
فمن وجهة نظر الغرب، لا يملك بوتين مبرراً صحيحاً يؤهله لاستخدام الأسلحة النووية، لكن نفس ذلك المنطق الغربي لم يكن ليَتوقَّع الغزوَ الروسيَّ لأوكرانيا الذي بدأه بوتين في شهر شباط/ فبراير الماضي”.