المصدر: ناشيونال نيوز
ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: راغدة درغام (المؤسسة والرئيسة التنفيذية لمعهد بيروت وكاتبة عمود في صحيفة "ذا ناشيونال" نيوز)
يبدو أن تجميد الأزمة الأوكرانية مؤقتاً هو الطريقة الوحيدة لتجنب المواجهة العسكرية بين روسيا وحلف شمال الأطلسي فقد يرقى هذا إلى المماطلة لكسب الوقت حتى يمكن صياغة ترتيبات أمنية شاملة تجاه أوروبا وحتى تتمكن موسكو من التوصل إلى اتفاق أوسع مع المظلة الأمنية التي تقودها الولايات المتحدة.
يبدو أن هذا هو المنطق الذي يعمل الدبلوماسيون الروس والأمريكيون وفقه وراء الكواليس مع الحفاظ على تهديداتهم بالعمل العسكري والعقوبات، يظل التوصل إلى اتفاق بشأن مسألة أوكرانيا، وتحديداً عضويتها المرغوبة في الناتو، تحدياً وربما حتى غير وارد في هذه المرحلة.
وسط التوترات في أوروبا الشرقية، تعمل روسيا على تعميق علاقاتها مع إيران، ربما بهدف استخدام النظام في طهران كوسيلة للضغط على الغرب بطرق مختلفة.
في الواقع، من الممكن أن يكون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد شعر بأنه مضطر لاستضافة نظيره الإيراني، إبراهيم رئيسي، الأسبوع الماضي -على الرغم من الأزمة المستمرة في أوروبا. ويقال إن طهران كانت حريصة على عقد الاجتماع. وسواء أكان ذلك صحيحاً أم لا، فقد شكلت الزيارة علامة فارقة في العلاقات الروسية الإيرانية. واتفق الجانبان بشكل أساسي على تحقيق قفزة استراتيجية في تحالفهما والتعاون على جميع المستويات. على هذا النحو، ستصبح روسيا شريكاً لما يسمى بالجمهورية الإسلامية من خلال آلية إجرائية دائمة ومستدامة وطويلة الأجل يتفق عليها الزعيمان.
يبدو أن الدولتين قررتا أيضاً تنسيق أهدافهما في سورية، حيث يحتفظ الطرفان بعلاقات وثيقة مع نظام الأسد. ومن المرجح أن يقفوا بشكل مشترك في مواجهة إسرائيل، التي تناصبها كل من إيران وسورية العداء. وتقوم إسرائيل، التي لديها نزاع حدودي طويل الأمد مع سورية، بعمليات عسكرية سرّية خاصة بها ضد وكلاء إيران على الأرض. لكن هذه العمليات ربما تسببت أيضاً في إزعاج الأهداف العسكرية الروسية في البلاد -على الرغم من أنه من غير المرجح أن تتصرف موسكو على الفور بشأن الأنشطة الإسرائيلية، نظراً لتركيزها الحالي على أزمة أوكرانيا.
إنه من المرجح أن تشكل طموحات طهران التوسعية في المنطقة صداعاً كبيراً لأولئك الذين يديرون الكرملين، بالنظر إلى علاقاتها الناشئة مع دول الخليج التي كانت إيران على خلاف معها منذ عقود. فأحد مصادر الخلاف العديدة هو الحرب الأهلية المستمرة في اليمن، حيث تدعم دول الخليج الحكومة المعترف بها دولياً بينما تدعم طهران جماعة الحوثي المتمردة.
وقد تم عقد اجتماع موسكو بعد أيام فقط من هجوم بطائرة مسيرة على أبو ظبي أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عنه أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة ستة آخرين. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الطائرات بدون طيار المستخدمة في هذا الهجوم قد تم توفيرها من قبل إيران، وبينما يُعتقد أن ملف اليمن لم تتم مناقشته بالتفصيل، إلا أنني أفهم أن المضيفين وصفوا الهجوم على الإمارات بأنه تطور "مزعزع للاستقرار".
ولم تظهر الولايات المتحدة أكثر حزماً من روسيا بما يخص الهجوم فقد يكون البلدان على خلاف مع بعضهما البعض حول قضايا مختلفة، لكن يبدو أنهما يعطيان الأولوية حالياً لتحسين العلاقات مع طهران. وبالنسبة لروسيا، فالأمر يتعلق بتحسين العلاقات الاستراتيجية. وبالنسبة للولايات المتحدة، فالأمر يتعلق بتأمين اتفاق نووي، والمحادثات جارية بشأنه في فيينا.
بالطبع، تعهدت واشنطن بمحاسبة الحوثيين على هجوم أبو ظبي، لكن إدارة بايدن منقسمة بشأن الإجراء الذي يجب اتخاذه. ويفكر الرئيس الأمريكي جو بايدن في إعادة تصنيف الميليشيا على أنها جماعة إرهابية بعد عام واحد فقط من شطبها من قائمة الإرهاب الأمريكية، لكن أولئك داخل الإدارة الذين يعارضون مثل هذه الخطوة يُصرّون على أن حل الأزمة اليمنية يتطلب إشراك الجانبين في عملية السلام.
لكن الحقيقة هي أن إدارة بايدن قيّدت بشكل فعّال أيدي مبعوثها إلى اليمن، تيم ليندركينغ، بسبب هذه الانقسامات الداخلية. ومع ذلك، فمن الواضح أن فرض عقوبات على الحوثيين هو خطوة ضرورية لإكراههم على الموافقة على اقتراح الولايات المتحدة والأمم المتحدة والخليج الذي، بالمناسبة، يقبلهم كطرف في عملية السلام وفي حكومة مستقبلية يتم تشكيلها من خلال مفاوضات.
إن لدى الحوثيين خيار -إما الخضوع للضغوط التي يمارسها النظام الإيراني ووكيله حزب الله لرفض خطة السلام، وبالتالي الدعوة إلى فرض عقوبات وإعادة تصنيف الإرهاب؛ أو التحرر من هذه الضغوط والانضمام إلى عملية السلام. وهذا من شأنه أن يمنحها الحق في المشاركة في الحكومة باعتراف خليجي ودولي، الأمر الذي سينهي في نهاية المطاف مأساة اليمن من خلال مشروع لإنقاذ شعبه وإعادة بناء بنيته التحتية.
لن يكون من السهل على الحوثيين إخراج أنفسهم من الأجندة الإيرانية. ففي غضون ذلك، تحتاج إدارة بايدن إلى التصرف بشكل أكثر صرامة مع إيران أيضاً. وقد تكون أولويتها تأمين صفقة نووية جديدة ومحسّنة مع طهران. لكن يجب أن يفهموا أن النظام يستفيد من قلق واشنطن بشأن مصير المفاوضات النووية. ويجب أن تدرك أيضاً أنها قد تؤدي في نهاية المطاف إلى إتلاف علاقاتها مع الدول العربية من خلال الظهور بمظهر ضعيف ضد الإيرانيين في عدد من القضايا، ليس أقلها سياساتهم التوسعية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
قد تكون علاقات موسكو العميقة مع طهران، في مواجهة حالة عدم اليقين الأمريكية، جزءاً مما يبدو أنه توسع لتحالف مناهض للولايات المتحدة يضم الصين أيضاً. وسيحاول النظام الإيراني بلا شك عرض مهاراته في خدمة هذا التحالف من خلال توسيع عملياته في جميع أنحاء العالم، من فنزويلا البعيدة ومنطقة البحر الكاريبي إلى الشرق الأوسط، وآسيا الوسطى، وأفريقيا وأوروبا. في الواقع، هناك فرصة للنظام للانخراط في مبارزة عسكرية فيما يمكن أن يصبح حقبة من الدبلوماسية العسكرية حيث إن فيلق الحرس الثوري الإسلامي -حكام إيران الفعليون -معبؤون وجاهزون لهذا الغرض.
حتى مع هذا السيناريو القاتم الذي هو في طور الإعداد، هل يمكن لروسيا والغرب، من أجل السلام والاستقرار، إيجاد أرضية مشتركة في أوروبا الشرقية؟ هناك دلائل على أن مثل هذه النتيجة لا تزال ممكنة، بما في ذلك في شكل تصريحات بايدن الدقيقة بعناية بشأن الأزمة في الأيام الأخيرة. على كل حال يمكن للمرء أن يأمل فيما هو أفضل.