نداء بوست- محمد جميل خضر- عمّان
لكل دولة من الدول العربية التي شاركت في قمة بيروت الزراعية قبل أيام، بلا أدنى شك، أهدافها وأجنداتها.
وزير الزراعة الأردني د. خالد حنيفات تحدث لـ”نداء بوست” عن “مسودات لتفاهمات مستقبلية”، وأكد أن الاتفاق جرى بين الدول المشاركة في قمة بيروت الزراعية: الأردن، لبنان، العراق ووزير زراعة النظام السوري، على عقد قمة جديدة تشارك فيها هذه المرّة فلسطين.
حنيفات قال لنا: إن تجربة الأردن في الأمن الغذائي وآليات تخزينه القمح لمدد طويلة، كانت موضوع بحث من وزراء الزراعة الذين التأم شملهم في بيروت، ورغبوا الاطلاع على هذه التجربة بنيّة تقليدها وحذو حذوها.
وزاد قائلاً: “إن الأردن أعاد النظر بالاستراتيجية الوطنية للتنمية الزراعية، والاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي، بهدف زيادة القدرة على إدارة المخاطر والصمود في مواجهة الكوارث”.
ولكن هل هذا ما أراده الأردن فقط؟ بالطبع لا. فكل دولة من الدول التي شاركت لديها ما تصدره، وثمة قائمة طويلة مما تحتاج أن تستورده. وهم، بالتالي، حاولوا إيجاد آليات تنسيق لتحقيق كل ذلك، ولجدولة مواعيد تصدير لا تتعارض مع بعضها، فلبنان، على سبيل المثال، وبعدما عاناه من تعطّل عجلة التصدير لدول الخليج العربي، التي بدأت تضع مليون علامة استفهام على المحاصيل والمنتجات القادمة إليها من لبنان بسبب ما جرى في غيرة مرّة من احتواء بعض هذه الصادرات القادمة من لبنان على مواد مخدرة وممنوعة على وجه العموم، صار بحاجة ماسة لاستعادة هذه الأسواق، أو إيجاد أسواق بديلة.
على كل حال يبقى عنوان الأمن الغذائي هو الأبرز والأسطع والأكثر إلحاحاً بعد امتداد زمن الحرب الروسية على أوكرانيا. ولمن لا يعلم فإن الدول الأربع التي شاركت في قمة بيروت الزراعية، كان لها حتى زمن قريب، تجربة واعدة ولافتة على صعيد زراعة القمح والشعير ومختلف الحبوب الاستراتيجية والمحاصيل الحقلية الضرورية.
رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، قال في القمة الزراعية العربية: “إن تحقيق الأمن الغذائي يشكل أحد الأولويات الرئيسية لسائر البلدان العربية، سيما في ضوء الأحداث الأخيرة في العالم التي كشفت فعلياً، عن فجوة عميقة ينبغي التنبه لها، وتتعلق بضرورة تعديل سلّم الأولويات، والتركيز بشكل أساسي على القطاعات الزراعية والغذائية وتبسيط إجراءات التصدير والاستيراد”.
وشدد على “أن لبنان الذي يعاني من مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية، يتطلّع إلى أشقائه كي يقفوا إلى جانبه في محنته، ليستعيد مكانته ودوره المحوري داخل أسرته العربية”.
مجموعة من العناوين طرحها وزير الزراعة الأردني د. خالد حنيفات خلال القمة: تطوير البنى التحتية اللازمة للري وتوفير مدخلات الإنتاج، توجيه المزارعين لاعتماد التكنولوجيا الحديثة في الإنتاج، تشجيع الاستثمارات الخاصة والعامة، إعـادة تكييف التقويم الزراعي على أسـاس أنمـاط الطقس المتغيرة من خلال وضع سياسة للزراعة الذكية مناخياً، التركيز على التجارة الدولية والخدمات اللوجستية والاكتفاء الذاتي المحلي، والمخزون الاستراتيجي، وسلاسل الإمداد، والإشراف على إصدار شهادات الجودة بشكل أكثر فعالية، ومراجعة التشريعات الخاصة بسلامة الغذاء وتعديلها.
وهي، والحق يقال، عناوين تصب مباشرة في أهداف التنمية المستدامة التي تركز عليها الأمم المتحدة هذه الأيام، في سياق التحضير لبرنامج التنمية المستدامة 2030.
محمد حسن قطنا وزير زراعة النظام السوري، ادّعى في القمة أن “تدمير معظم الموارد الطبيعية والبنى التحتية والخدمية للإنتاج الزراعي، لم تحُل دون استمرار تأمين احتياجات السكان من الغذاء من الإنتاج المحلي وتحقيق الاكتفاء الذاتي”!.
كما تحدث عن سرقة الحبوب وتهريبها دون أن يشير إلى من يقوم بذلك. واعترف أن النظام بدأ في الآونة الأخيرة استيراد القمح.
من جهته كشف وزير الزراعة العراقي محمد كريم الخفاجي أن العراق حقق عام 2020 الاكتفاء الذاتي في محصول الحنطة، ولكن بسبب الظروف المناخية والحصار وإغلاق تدفق المياه في بلاد المنبع قُلِّص الإنتاج الزراعي إلى مليوني طن.
وأشار الى اتفاق بين البلدان الأربعة المشاركة في القمة لتأسيس جمعية تسويقية مشتركة لتسهيل اجراءات دخول البضائع وإنشاء مخازن مبرّدة وتسهيل السيطرة على الروزنامة الزراعية، مشيراً الى أن العراق يعاني من انحسار في بعض المواسم، لكن من خلال الروزنامة الزراعية والجمعية التسويقية يمكن أن نستغني عن كل المؤتمرات والكلمات.
وزير الزراعة اللبناني عباس الحاج حسن تحدث عن الظرف الاستثنائي الذي يمرّ به العالم أجمع، مشيراً إلى بوادر أزمة اقتصادية عالمية تلوح في الأفق وتكاد تخرج عن السيطرة، في ظل “تدهور غير مسبوق في العلاقات الدولية، وتهديد للأمن الغذائي العالمي”.
الحاج حسن دعا إلى مناقشة أبرز التحديات التي تواجه القطاع الزراعي في بلدان القمّة، وفي المنطقة على وجه العموم، سيما تحديات التغيّر المُناخي وندرة المياه وانتشار الأمراض والأوبئة والبحث في سبل مواجهتها عبر تفعيل التعاون المشترك.
هاجس الأمن الغذائي يلوح في الأفق. والأردن يرى أنه محصن، حتى اللحظة، من مخاطر تعثر صادرات القمح وعموم الحبوب من روسيا وأوكرانيا، ولكن إلى متى؟ وإلى أين تنوي بلداننا أن تسير؟ هل نحو الحلول المرقّعة المؤقتة؟ أم تعود إلى مساحات شاسعة من أراضيها تنتظر عجولها، حيث لا يحرث الأرض إلا عجولها.