نداء بوست- أخبار سورية- نيويورك
قدم مبعوث الأمم المتحدة لسورية غير بيدرسون إحاطة إلى مجلس الأمن حول سورية أكد بها أن الصراع في سورية مُحتدِم وليس مُجمَّداً.
وقال بيدرسون في إحاطته: إنه “شهدنا من جديد تزايداً في الضربات الجوية في الشمال الغربي، وتكثيفاً للاشتباكات حول عفرين وفي الشمال الشرقي، وسط استمرار تبادُل الهجمات الصاروخية والقصف على جميع خطوط التماسّ والعبوات الناسفة والسيارات المفخخة وحوادث أمنية أخرى”.
وأضاف “لا يزال الصراع أيضاً يشكل تهديداً من الدرجة الأولى للسلم والأمن الدولييْنِ، بغضّ النظر عن وضعها القانوني، فإن تواجُد خمسة جيوش أجنبية تعمل على جوانب مختلفة من الصراع السوري أمر يدعو للقلق، وكذلك فإن الحوادث المتكررة التي تشارك فيها الأطراف الدولية وتلك التي تقع فيما بينها هي أمور مقلقة. على سبيل المثال، فقد شهد الشهر الحالي من جديد:
– ضربات في سورية نُسبت لإسرائيل.
– هجمات بطائرات مسيرة عن بُعد في الشمال الشرقي نُسبت لتركيا.
– ضربات جوية على إدلب ومنطقة غرب نهر الفرات نُسبت لروسيا.
– تقارير حول هجمات بالصواريخ على القوات الأمريكية في دير الزور.
وأعرب بيدرسون عن خشيته من أن تتفاقم أي من نقاط التوتر هذه بسبب التوترات الجيوسياسية المتصاعدة خارج سورية.
وأشار في حديثه “لا يزال الإرهاب يُشكِّل خطراً كبيراً في سورية، حيث ما زالت مجموعتان على الأقل مصنفتين كإرهابيتين تنفذان عمليات أو تحتلان أراضيَ.
ومن المقلق أيضاً أن هجمات “داعش” تتصاعد مرة أخرى بعد هدوء نسبي خلال شهر شباط/ فبراير.
ولفت في حديثه: “كما سمعتم الآن من ممثلة مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، لا تزال سورية إحدى أكبر الأزمات الإنسانية في عصرنا”.
يجب أن يولد هذا الأمر لدينا شعوراً بالفزع إزاء ما يعنيه ذلك سواءً بالنسبة للسوريين أنفسهم، الذين ما زالوا يُقتلون من جراء العنف، والذين وصلت درجة معاناتهم الإنسانية إلى ذروتها منذ بَدْء الصراع، والذين تشرد الآلاف منهم داخل وخارج البلد.
وأضاف “كما يجب أن نقلق بشدة أيضاً حيال ما سينتج عن هذا الحجم من المعاناة من تأثيرات على النسيج الاجتماعي السوري وعلى الاستقرار في سورية والاستقرار الإقليمي، إذا لم يكن هناك مخرج سياسي من هذا الصراع.
وتوجه بيدرسون بحديثه إلى رئيسة الجلسة قائلاً: رسالتي اليوم بسيطة وهي: دعونا نركز على سورية. فالجمود الإستراتيجي السائد حالياً على الأرض، وغياب سورية عن عناوين الأخبار الرئيسية، لا يجب أن يُفسَّر من قِبل أي شخص على أن الصراع يحتاج إلى اهتمام أقل أو موارد أقل، أو أن الحل السياسي لم يعد مُلِحّاً. فصراعٌ على هذه النطاق يتطلَّب حلاً سياسياً شاملاً وَفْقاً لقرار مجلس الأمن 2254.
وأشار إلى أن المسار الدستوري يُمكن أن يُساهم في مثل هذا الحل لكن لكي يحدث ذلك يجب لهذا المسار أن يساعد في بناء الثقة. لقد اختتمت الدورة السابعة للجنة الدستورية السورية أعمالها في 25 آذار/ مارس.
وكانت الجلسة ما زالت منعقدة عندما قدمت إحاطتي الأخيرة – آنذاك، كان أعضاء اللجنة قد أمضوا أربعة أيام في مناقشة مسودات النصوص الدستورية التي قدمتها الوفود حول أربعة مبادئ دستورية أساسية.
وبحسب بيدرسون فإنه كان من المنتظر أن تقدم الوفود، في اليوم الخامس والأخير، تعديلات على النصوص التي طرحوها لتعكس مضمون تلك النقاشات لكي يتاح لأعضاء اللجنة بعد ذلك مناقشة هذه التعديلات. يمكنني إحاطتكم بأن الوفود قدمت على الأقل بعض التعديلات على بعض النصوص المقدمة. بعض هذه التعديلات تضمنت تغييرات كانت بمثابة محاولة لعكس مضمون المناقشات وتضييق الخلافات. إلا أن البعض الآخر لم يتضمن أي تعديلات.
وعقب ذلك، قامت نائبة المبعوث الخاص السيدة خولة مطر بزيارة دمشق وإسطنبول لإجراء المزيد من المشاورات مع الرئيسين المشتركين. وقد قمت اليوم بتوجيه الدعوات لحضور الدورة الثامنة التي ستعقد خلال الفترة من 28 مايو/ أيار إلى 3 يونيو/ حزيران هنا في جنيف. من خلال الدعوة، قمت بالتأكيد على نفس المنهجية، بما في ذلك أنه من المنتظر من الوفود أن تقدم تعديلات على النصوص في اليوم الخامس لتعكس مضمون النقاشات.
وأكد بيدرسون على ضرورة أن تلتزم الوفود بهذا الأمر. كما أناشد الرئيسين المشتركين ووفودهما ووفد الثلث الأوسط أن يقدموا أي عناوين جديدة إلى مكتبي في أقرب وقت ممكن قبل الجلسة القادمة، وبذل جهد بحسن نية لتحديد العناوين -وإعداد النصوص للمناقشة خلال الجلسة وتعديلات عليها في اليوم الخامس- تُركز على الأمور التي يمكن أن يتفق عليها معظم السوريين. إن التحلي بهذه الروح سوف يعكس التزاماً جدياً بما نصت عليه المعايير المرجعية والعناصر الأساسية للائحة الداخلية للجنة التي وافقت عليها كل من الحكومة السورية وهيئة التفاوض السورية المعارضة، بأن عمل اللجنة يجب أن يحكمه حسّ من التوافق والانخراط البنّاء بغية التوصل إلى اتفاق عامّ بين أعضائها.
السيدة الرئيسة، فقط من خلال هذه النية للتعامل بإيجابية يمكن لعمل اللجنة أن يمضي قُدُماً.
وذكر في حديثه “لقد تحدثت عن معاناة الشعب السوري، وعلى الصعيد الإنساني، فإنني أحث جميع الأطراف المعنية على توسيع نطاق المساعدة الإنسانية عبر الخطوط وعبر الحدود، وتعزيز الجهود المبذولة من أجل دفع جهود التعافي المبكر لتعزيز القدرة على الصمود بما يتماشى مع القرار 2585 والمساعدة بسخاء في توفير الموارد اللازمة للعمل الإنساني”.
وأضاف “لكن، السيدة الرئيسة، ينبغي أن يتجاوز عملنا مجرد التصدي للمعاناة. فالعديد من الأمور التي يُعاني منها السوريون هي في جوهرها ذات طبيعة سياسية. وتتطلب خطوات صعبة من قِبل الأطراف السياسية الفاعلة، بما في ذلك من خلال التفاوض والتوصل إلى توافقات. كما تتطلب في نهاية المقام تطبيقاً شاملاً لكافة عناصر قرار مجلس الأمن 2254”.
وأكمل “لا يزال عشرات الآلاف من السوريين محتجزين، أو مخطوفين، أو مفقودين، وتشكل محنتهم عاملاً أساسياً في معاناة السوريين. وكما ذكرت المفوضة السامية لحقوق الإنسان ميشل باشليه أمام الجمعية العامة هذا الشهر، فإن التأثير على أهالي المعتقلين من النساء والأطفال يكون أكثر شدة. وكما يتم تذكيرنا دوماً، فإنه بدون تحقيق تقدُّم في هذا الملف، لن يتمكن العديد من السوريين حتى من البدء في التفكير في طي الصفحة والمضي قدماً. إن غياب التقدم في هذه القضية أمر محبط خاصة وأن جميع الأطراف تقول إنها متفقة على الحاجة إلى العمل، وأن جميعها ستستفيد من إحراز أي تقدُّم في هذا الملف. على الرغم من ذلك، فإننا لا نرى أي إجراء أو أي تقدُّم. ما نحتاجه هو خطوات صغيرة ولكن ملموسة في هذا الملف يُمكن أن تُساعد في بناء الثقة اللازمة لإحراز خطوات أكبر”.
وأوضح أن أزمة النزوح تشكل بُعْداً رئيسياً آخر من أبعاد المعاناة. ففي الوقت الذي ترتفع فيه بشكل مأسوي معدلات النزوح الناتج عن الحرب في أوكرانيا، فإن سورية لا تزال مصدراً لأكبر أزمة نزوح في العالم، حيث يوجد 6.9 مليون لاجئ و6.2 مليون نازح – أي ما يعادل نصف عدد السكان قبل الحرب، جيل كامل وُلد ونَشَأَ تحت النزوح. على الرغم من ذلك، وحتى في ظل تدهور الظروف المعيشية في العديد من أماكن النزوح واللجوء، فإننا لا نرى مؤشرات كبيرة على العودة، بل إن بعض البيانات المتوافرة تشير إلى تراجُع معدلات العودة. ويتعين علينا أن نبدأ في التصدي للمخاوف والشواغل التي عبَّر عنها اللاجئون والنازحون السوريون والتي تَحُولُ دون عودتهم.
و سيتطلب هذا الأمر خطوات ملموسة من الأطراف الفاعلة السورية والدولية في مجموعة متنوعة من المجالات المختلفة، بما في ذلك القضايا المتأصلة في القرار 2254 بحسب بيدرسون.
ونوه المبعوث الأممي بأن السوريين في جميع أنحاء البلاد يواجهون أزمة اقتصادية مدمرة بعد أكثر من عقد من الحرب، والصراع، والفساد، وسُوء الإدارة، بالإضافة إلى تبعات الانهيار المالي في لبنان، وجائحة كوفيد، والعقوبات، يُضاف إلى ذلك تأثير الحرب في أوكرانيا وتبعاتها الاقتصادية. يشير برنامج الأغذية العالمي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية بين عامَيْ 2019 و2021 بنسبة مذهلة بلغت 800 في المائة. وقد أُجبر السوريون على ترشيد استهلاكهم لمنتجات الطاقة أو على الاختيار بين شراء الطعام أو الوقود أو الدواء. ولن تؤدي هذه الأزمة الاقتصادية سوى إلى تأجيج أزمة النزوح والأزمة الإنسانية، مع ما يترتب على ذلك من آثار جانبية على الاستقرار في المنطقة وما وراءها. يمكننا دائماً القيام بالمزيد للتخفيف من الآثار السلبية لهذه الأزمة من خلال المساعدة الإنسانية ويجب أن نستمر في القيام بذلك.
لكن هناك أيضاً خطوات أخرى يمكن اتخاذها لمعالجة مختلف الإجراءات والتفاعلات الداخلية والخارجية المتسببة في هذه الأزمة.
أعتقد في مجالات مثل هذه، وربما في مجالات أخرى أيضاً، ينبغي أن يكون ممكناً تحديد إجراءات ملموسة، ومتبادلة، وقابلة للتحقق منها، ويمكن اتخاذها بالتوازي، من شأنها أن تبدأ في تغيير ديناميكيات الصراع وخلق بيئة أكثر أمناً وهدوءاً وحياديةً،ـ ومن خلال هذا المسار يمكن استكشاف كيفية بناء عملية سياسية أوسع لمعالجة كافة القضايا الواردة في قرار مجلس الأمن 2254.
وأردف قائلاً: “يجب أن يظل تركيزنا منصبّاً على تحقيق حل سياسي شامل للصراع، وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254 يحترم سيادة سورية ووحدتها واستقلالها وسلامة أراضيها، ويُمكِّن الشعب السوري من تحقيق تطلُّعاته المشروعة”.