المصدر: ديلي صباح
ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: محمد جيليك
في الثالث والعشرين من شهر أيار/ مايو أشار الرئيس رجب طيب أردوغان إلى إطلاق عملية جديدة لمكافحة الإرهاب في شمال سورية، لاستئناف جهود إنشاء منطقة آمنة بعرض 30 كيلومتراً (18.6 ميل) جنوب حدود تركيا. وقال أردوغان عقب اجتماع مجلس الوزراء، إن الهدف الرئيسي لهذه العمليات سيكون مناطق تُشكّل مراكز هجمات على بلادنا ومناطق آمنة، وأضاف أنه سيتم تحديد التفاصيل في اجتماع مجلس الأمن القومي القادم.
مشروع المنطقة الآمنة ليس مبادرة جديدة. ومع ذلك، على الرغم من إنشاء بعض الأجزاء، بما في ذلك ضمان الاستقرار النسبي في المنطقة وتمكين عودة المدنيين، إلا أنه لم يكتمل هذا المشروع. وبالإضافة إلى الأهداف الإنسانية والاستقرار على المستوى المحلي في شمال سورية، ستكون المنطقة الآمنة أيضاً مستوًى إضافياً من الأمن لتركيا ضد التهديدات الإرهابية التي تُشكّلها وحدات حماية الشعب التابعة لحزب العمال الكردستاني الإرهابي وهي الجناح لحزب العمال الكردستاني في سورية وهي المجموعة المدعومة من الولايات المتحدة.
يأتي إعلان أردوغان في وقت كانت فيه تركيا محور العديد من المناقشات الإقليمية والدولية: من جهود أنقرة لتطبيع العلاقات مع العديد من الدول الإقليمية، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل وأرمينيا والمملكة العربية السعودية ومصر، إلى جهود الوساطة بين أوكرانيا وروسيا. الآن، ظهر جدل جديد أيضاً وهو طلب فنلندا والسويد لعضوية الناتو وموقف تركيا من هذه القضية.
وبصفتها ثاني أكبر جيش في الناتو، أعربت تركيا، وهو أمر مُحقّ، عن مخاوفها بشأن عضوية الدولتين، قائلة: إن كِلا البلدين يدعم الجماعات الإرهابية التي تستهدف سيادتها، أي حزب العمال الكردستاني والمجموعات التابعة له وأيضًا مجموعة (فيتو) المرتبطة بالإرهابي فتح الله غولن.
أولاً، لا تعارض أنقرة توسُّع الناتو باتجاه الشرق، ولكنها لا تريد أن ترتكب نفس الخطأ الذي ارتكبته بموافقتها غير المشروطة على قبول عضوية اليونان في الناتو في عام 1980 خلال ولاية الجنرال الراحل كنان إيفرين.
ثانيًا، يُقال بأن كلاً من السويد وفنلندا يجب أن تُقنعا تركيا أنهما ستوقفان دعم الجماعات التي تستهدف تركيا. ظاهرياً ومع مرور الوقت سيظهر كيف سينتهي نقاش العضوية. في حين أنه من الصعب القول بأنه سيتم الفصل الحقيقي بين هاتين الدولتين والمجموعات التي تسلط الضوء عليها تركيا باعتبارها مخاوف أمنية، إلا أنه قد تتم الموافقة على عضويتهما بعد سلسلة من المفاوضات.
اللغة الجديدة في الدبلوماسية
على مستوى أعمق، يشير موقف تركيا بشأن طلب العضوية إلى نقاش جديد: تظهر لغة جديدة للدبلوماسية التركية ويتم نقلها إلى حلفاء تركيا الغربيين. إذا أردنا العودة وإلقاء نظرة على سلسلة من الأحداث الأخيرة، يمكن أن يصبح النهج الجديد واللهجة الدبلوماسية للعلاقات مع الغرب أكثر وضوحاً.
أولاً، يتعدى النهج الجديد بعض التفسيرات المُبتذلة، بما في ذلك التحوّل في المحور، والعثمانيين الجُدد، وما إلى ذلك، وبدلاً من ذلك، فإن النهج البراغماتي الذي يفرز القضايا كأولويات على جدول الأعمال قد مكّن تركيا من تطوير لغة جديدة في علاقاتها. على سبيل المثال، أدّت قدرتها على إقامة علاقة عمل نسبياً مع روسيا في سورية وإقامة علاقات عمل معها نسبياً إلى عدم التدخل في ليبيا وأيضاً عندما قدمت تركيا الدعم لأذربيجان ضد أرمينيا في كاراباخ. علاوة على ذلك، فقد مكّنت تركيا، التي ربما تكون الدولة الوحيدة التي تعمل على إحلال السلام بين أوكرانيا وروسيا، من إنشاء مناطق وساطة بين كبار الدبلوماسيين من كِلا الجانبين مع عقد قمم أولاً في أنطاليا ثم في إسطنبول لاحقاً.
بالإضافة إلى ذلك، فإن استخدامها للقوة الصلبة في العديد من عمليات مكافحة الإرهاب الناجحة في شمال سورية ضد حزب العمال الكردستاني / وحدات حماية الشعب وداعش، واستخدام أسلحتها المُنتَجة محلياً، بما في ذلك طائرات بيرقدار بدون طيار، في أماكن مثل ليبيا، وكاراباخ وشمال العراق، أظهر أيضاً وجودها والقدرة على المناورة العسكرية في منطقة فيها قوتان عظميان – بالإضافة لوجود الجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى – كما أظهرت القدرة على المنافسة على النفوذ.
منطقة عازلة بحكم الأمر الواقع
بوجود دولتين فاشلتين (سورية والعراق) على طول حدودها، فضلاً عن أفغانستان التي مزّقتها الحرب في منطقتها، تتحمل تركيا أيضاً العبء الكبير المتمثل في فرار المدنيين من مناطق الصراع. بعبارة أخرى، إنها في الواقع منطقة عازلة بين مناطق الصراع والغرب أو أوروبا.
إن تقييم موقف تركيا بشأن طلب العضوية في فنلندا والسويد وإشارة أردوغان لعملية جديدة في شمال سورية بالنظر إلى الخلفية المذكورة أعلاه يشير إلى أن تركيا ترى نفسها الآن على طاولة تثق فيها بقدراتها الدبلوماسية والعسكرية، ولا سيما إبراز قدراتها في مجال الدفاع.
بينما تريد أنقرة إنشاء منطقة آمنة إنسانية للمدنيين السوريين، تطلب في نفس الوقت ألّا تتحمّل تركيا وحدها التكاليف الاقتصادية. وعلاوة على ذلك، تشير العملية المحتملة إلى أن تركيا تلاحظ الهجمات الأخيرة التي تهدف للمضايقة القادمة من المناطق التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية، المدعومة من الغرب، بما في ذلك السويد. لذلك لن يتم تجاهُل العدوان وسيواجه بقوة من قِبل قدرات تركيا العسكرية.
وهذا يعني أن صانعي القرار في إستراتيجية السياسة الخارجية لأنقرة والقيادة السياسية للبلاد لم يعودوا يقبلون الموقف الذي كانت تركيا فيه ذات مرة خلال الوضع الراهن بعد الحرب الباردة ويريدون أن يتوصل حلفاؤها الغربيون إلى إدراك هذا الموقف الجديد. كما تتوقّع تركيا ببساطة أن تتم المعاملة على قدم المساواة بين أعضاء التحالف.
ليس من المُستغرب أن تظهر أصوات انتقادية على الصعيدين المحلي والدولي، بما في ذلك أولئك الذين يتساءلون عمّا إذا كان ينبغي لتركيا أن تظلّ عضواً في الناتو. هذه المقاربات مسدودة وتفشل في الاعتراف بالموقف الجديد لتركيا، مما يجعل من الصعب على الجهات الفاعلة التكيُّف مع الموقف الجديد للبلاد ومنعهم حتى من محاولة فهمه. كما أن العائق الفكري في تقييمهم لموقف تركيا الجديد يقودهم أيضًا إلى تشويش الهدف الحقيقي لحلف الناتو: هل هو توفير الأمن للحلف من خلال دول شرعية وذات سيادة؟ أم دعم الجماعات الإرهابية غير الشرعية التي تستهدف أعضاء التحالف؟
تحت قيادة أردوغان، تحوّلت الدبلوماسية التركية من كونها مُجرّد دُمية في الأجندة الغربية إلى دبلوماسية تعطي الأولوية لأمن ومصالح مواطنيها، سواء كان ذلك في إفريقيا أو منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط أو في أي مكان آخر. أيضاً، مع شعار أردوغان الشهير “العالم أكبر من خمسة”، تقترح تركيا إصلاحاً شاملاً في الحوكمة العالمية من أجل نظام دولي أكثر عدلاً. لقد حان الوقت أن يتعلم حلفاء تركيا الغربيون هذه اللغة الجديدة والنهج الجديد للسياسة الخارجية التركية.