منذ 1500 سنة يواصل العربيّ المدجّج بأحلام اليقظة، انتظار طيور أبابيل تهلّ عليه، مثل المعجزة، من السماء، تقضي على أعدائه، لا تبقي منهم (مُخَبّراً)، أو لعلها تبقي منهم واحداً يروي لمن بعده ما حدث معه ومع قومه المعتدين على بلاد العجائب!
عملياً، مبكراً أدرك (الكَفَرَة) من أعدائنا أهمية سلاح الجو في خلق تفوّقٍ قاتلٍ لا يُبقي ولا يذر. ومنذ الحرب العالمية الثانية، شرع أبناء العم سام خلف بحار الضباب ومحيطات الجفاء، تطوير ترسانتهم من الطائرات النفاثة والصواريخ العابرة للقارات وصولاً إلى تعبئة النجوم بتشكيلةٍ مدمّرة من أشياء الموت ولمعان التفوّق، كما لو أن الآية “وأعدوا” نزلت من أجلهم، وحُبِّرت بحروف وعيهم، فإذا بهم يواصلون الإعداد والاستعداد، ونحن نواصل انتظار المعجزات.
في غزّة، في الجنوب اللبناني، في العراق، في كل أرض عربية واجهنا فيها عدوّاً، ملأت صيحات التوعّد كل صحف العالم، بدوره، لم يصدق الساكن على الضفة الأخرى من غرب الغيب، وقد وصل مراحل متقدمة من احترام النفس وعمل ألف حساب للعدو، أن كل هذه التصريحات والتهديدات والتوعّدات مجرّد جعجعة، قرقعة في (بابور) قديم عفا عليه الزمان، وأمّا الطحن فمن اختصاص الجبهة الأخرى: جبهة الأعداء قليلوا الكلام كثيرو الأفعال.
منذ أيام ظلّ فصيل فلسطيني (مقاوم) يهدد. الطرف الآخر، ودون أن يكثر من الكلام، قام باصطياد أربعة من قيادات هذا الفصيل، اثنين منهم يحسبون على قادة الصف الأول. معلومات استخبارية جعلتهم يصلون إليهم في بيوت نومهم وطمأنينة جلوسهم بين أسرهم! فكيف واتتهم تلك الطمأنينة؟ ومن أين؟؟
لا شك أننا نحتسبهم شهداء عند ربهم يُرزقون، وربما يكون هذا عزاءهم الوحيد، ولا شك أن (من يده في الدَّعَة ليس مثل من يده في النار)، ولكن، ولأننا جميعنا في الهم شرق، ولأن غزة المحاصرة، وفلسطين المنتظرة الصابرة، وأمّتنا جميعها، تواصل انتظار صلاح دين جديد، وباب نصر طال انتظاره، ولأن الوجع لم يخفت دم نزيفه من عقود ممتدة، فإن المراجعة واجبة على الجميع، ودم الأطفال دَيْن في رقاب الجميع.
والحق يقال إن لم يتسنَّ لنا تحصين سمائنا، وتمتين جبهاتنا الداخلية، وتجفيف منابع الاختراق، وفرض الوحدة، على الأقل داخل البلد العربي الواحد، والتعامل مع الإعداد الحقيقي الجيّد الحاسم بوصفه عبادة وطاعة واجبة لله في علاه، فإن صفعة ما قبل أيام قد تتكرر، وخيبة كل ما مضى ستبقى متواصلة، تقتل دافعيتنا للحياة والفداء والأمل، وتجعلنا في واد والعالم كلّه.. كلّه.. بشماله وجنوبه وشرقه وغربه في واد آخر. وأما الطير الأبابيل فهي ما نصنعه على مهل إصرارنا، وخبرة ما خبرناه من قصف وتطاول واستهداف.