تعثرت المحادثات بين المسؤولين الأمريكيين والنّظام السوري في الصيف الماضي حول مصير الصحفي أوستن تايس وغيره من الرهائن الأمريكيين بسبب الشروط التي وضعتها دمشق وبسبب نقص المعلومات المفيدة المقدمة حول مصير تايس.
في الصيف الماضي، غامر مسؤولان أمريكيان بالدخول إلى منطقة معادية لعقد اجتماع سري شديد الخطورة مع خصومٍ أميركيين.
بدا المسؤولون السوريون الذين كان من المقرر أن يلتقوا بهم في دمشق مستعدين لمناقشة مصير الرهائن الأمريكيين الذين يُعتقد أنّهم محتجزون في بلادهم، بما في ذلك أوستن تايس، الصحفي الذي تم القبض عليه قبل ثماني سنوات، حيث من المفترض أن يشكّل إطلاق سراح الأمريكيين نعمة للرئيس دونالد ترامب قبل أشهر من الانتخابات، وبدا الاختراق ممكنا.
ومع ذلك، لم تكن الرحلة مثمرة في النهاية، حيث رفع السوريون سلسلة من المطالب التي من شأنها أن تعيد تشكيل سياسة واشنطن تجاه دمشق بشكل أساسي، بما في ذلك رفع العقوبات، وانسحاب القوات من البلاد، واستعادة العلاقات الدبلوماسية الطبيعية.
وبنفس القَدر من الإشكالية بالنسبة للمفاوضين الأمريكيين: لم يقدم المسؤولون السوريون أية معلومات ذات مغزى عن مصير ومكان تيس وآخرين.
قال كاش باتيل، الذي حضر الاجتماع كمساعد كبير للبيت الأبيض، في أول تعليقات علنية له حول هذا الجهد: "كان النجاح سيعيد الأمريكيين إلى الوطن ولكن لم نصل إلى تلك النتيجة أبدًا".
اعترف البيت الأبيض بالاجتماع في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، لكنّه لم يقل الكثير عن ذلك.
ظهرت تفاصيل جديدة في المقابلات التي أجرتها وكالة أسوشيتيد برس في الأسابيع الأخيرة مع أشخاصٍ مطلعين على المحادثات، تحدث بعضهم بشرط عدم الكشف عن هويتهم بسبب حساسية الأمر.
علمت وكالة الأسوشييتد برس أيضًا عن محاولات الولايات المتحدة لبناء نوايا حسنة مع النظام قبل وقت طويل من إجراء المحادثات، حيث وصف باتيل كيف قَدم حليف غير معروف للولايات المتحدة في المنطقة المساعدة في علاج السرطان لزوجة الرئيس بشار الأسد.
وسلطت التفاصيل الضوء على الجهود الحساسة والسرية في كثير من الأحيان لتحرير الرهائن المحتجزين من قبل خصوم الولايات المتحدة، وهي العملية التي أسفرت عن نجاحات رفيعة المستوى لترامب ولكن أيضًا في طريق مسدود.
من غير الواضح مدى قوة إدارة بايدن الجديدة في تعزيز الجهود لتحرير تايس والأمريكيين الآخرين المحتجزين في جميع أنحاء العالم، لا سيما عندما تتعارض المطالب على طاولة المفاوضات مع أهداف السياسة الخارجية الأوسع للبيت الأبيض.
مثّل اجتماع آب/ أغسطس في دمشق أعلى مستوى محادثات منذ سنوات بين الولايات المتحدة وحكومة الأسد، كان الأمر غير عادي بالنظر إلى العلاقة العدائية بين البلدين ولأنّ الحكومة السورية لم تعترف أبدًا باحتجاز تايس أو معرفة أي شيء عن مكان وجوده.
ومع ذلك، قدمت تلك اللحظة بعض الأمل فقد أظهر ترامب بالفعل استعداده لسحب القوات الأمريكية من سوريا وأماكن أخرى في الشرق الأوسط. وقد جعل استعادة الرهائن أولوية قصوى في السياسة الخارجية، واحتفل بالإفراج عنهم من خلال دعوة المعتقلين المفرج عنهم إلى البيت الأبيض.
بعد أشهر من محادثات دمشق، مع ظهور اسم تايس في الأخبار، أرسل ترامب رسالة إلى والِديْ تايس، اللّذانِ يعيشان في هيوستن، قائلًا إنّه "لن يتوقف أبدًا" عن العمل من أجل إطلاق سراح ابنهما، حسبما قالت والدته، ديبرا، لوكالة أسوشيتد برس.
لكن مصير تايس لم يكن معروفًا عندما ترك ترامب منصبه في 20 كانون الثاني/ يناير الماضي، ولا يزال كذلك حتى يومنا هذا، وكان الجندي السابق يعمل في تقارير صحفية لصحيفة واشنطن بوست وماكلاتشي وسي بي إس ووسائل أخرى.
وتعهدت إدارة بايدن أيضًا بجعل استعادة الرهائن أولوية، لكنها احتجت أيضًا على تصرفات النظام السوري في انتهاكات حقوق الإنسان ويبدو من غير المرجح أن تكون أكثر تقبلاً للشروط التي أثارتها دمشق الصيف الماضي من أجل مواصلة الحوار.
احتل تايس مكانة بارزة في الوعي العام والسياسي منذ اختفائه في آب/ أغسطس 2012 عند نقطة تفتيش في منطقة متنازع عليها غرب دمشق، لقد غامر بالتوغل في عمق البلاد في وقتٍ قرر فيه المراسلون الآخرون أنّ الأمر خطير للغاية، واختفى قبل وقت قصير من مغادرته.
وأظهر مقطع فيديو نُشر بعد أسابيع أنّه معصوب العينين ومحتجز من قبل رجال مسلحين وقال: "أوه، يا يسوع"، ولم يسمع عنه شيء منذ ذلك الحين، وتعمل السلطات الأمريكية على افتراض أنّه على قيد الحياة لكن سوريا لم تعترف أبداً باحتجازه.
تعقدت جهود تأمين الإفراج عنه بسبب الافتقار إلى العلاقات الدبلوماسية والصراع في سوريا، حيث تحتفظ الولايات المتحدة بحوالي 900 جندي في الجزء الشرقي من البلاد في محاولة لمنع عودة تنظيم الدولة.
قال روجر كارستينز، الضابط السابق في القوات الخاصة بالجيش الذي حضر الاجتماع مع باتيل بصفته المبعوث الرئاسي الأمريكي الخاص لشؤون الرهائن في عهد ترامب وهو الضابط الذي احتفظ به بايدن في منصبه: "أظن أنّه على قيد الحياة وأنّه ينتظر مني المجيء وإحضاره".
في وقت الاجتماع، كان باتيل مستشارًا كبيرًا لمكافحة الإرهاب في البيت الأبيض بعد أن شغل منصب مساعد لجنة المخابرات في مجلس النواب، حيث اكتسب بعض الشهرة لدفع جهود الجمهوريين لتحدي التحقيق في التدخل الروسي في انتخابات عام 2016 وكان سابقًا المدعي العام في وزارة العدل في عهد الرئيس باراك أوباما.
قال باتيل إنّ الاجتماع كان قيد الإعداد لأكثر من عام، مما تطلب منه طلب المساعدة من لبنان، الذي لا يزال على علاقات مع الأسد.
وفي وقتٍ من الأوقات، ساعد "حليف للولايات المتحدة في المنطقة" أيضًا في بناء حسن النية مع النظام السوري من خلال تقديم المساعدة في علاج السرطان لزوجة الأسد، على حد قوله، رافضًا الإدلاء بمزيد من التفاصيل.
وأعلن النّظام السوري قبل عام من الاجتماع أنّها تعافت من سرطان الثدي.
وصل الرجال كجزء من وفد صغير، سائرين عبر دمشق ولم يروا أية علامات واضحة على الصراع الذي أودى بحياة حوالي نصف مليون شخص وشرد نصف سكان سوريا قبل الحرب البالغ عددهم 23 مليونًا على مدى 10 سنوات.
داخل مكتب علي مملوك، رئيس المخابرات السورية، طلبوا معلومات عن تايس وكذلك مجد كمالماز، طبيب نفساني من ولاية فرجينيا اختفى في عام 2017، وعدة أشخاص آخرين.
تمثل محادثات الرهائن تحديًا بطبيعته، حيث يواجه المفاوضون مطالب قد تبدو غير منطقية أو تتعارض مع السياسة الخارجية للولايات المتحدة أو قد لا تنتج شيئًا حتى لو كانت مُرضية.
في هذه الحالة، فإن الشروط التي طرحها السوريون، والتي وصفها العديد من الأشخاص، كانت ستلزم الولايات المتحدة بإصلاح سياستها تجاه سوريا بالكامل تقريبًا.
أغلقت الولايات المتحدة سفارتها في دمشق عام 2012 وسحبت سفيرها مع تفاقم الحرب في سوريا، وعلى الرغم من إعلان ترامب في عام 2019 عن انسحاب القوات من شمالي سوريا، لايزال الوجود العسكري للمساعدة في حماية جيب للمعارضة في الشمال الشرقي، وهي منطقة تضم النفط والغاز الطبيعي.
قال باتيل إنّه مع عدم تلبية مطالبهم، لم يقدم السوريون أي معلومات ذات مغزى عن تايس، بما في ذلك دليل على أنّه على قيد الحياة، وهو الأمر الذي كان من الممكن أنْ يُولد زخمًا كبيرًا.
على الرغم من قوله بأنّه كان متفائلاً بعد "مشاركة دبلوماسية مشروعة"، إلا أنّه يشعر بالندم على تلك المحاولة.
قال باتيل: "أود أن أقول إنّها على الأرجح واحدة من أكبر إخفاقاتي في ظل إدارة ترامب، عدم استعادة أوستن".
كانت نتيجة الدبلوماسية بمثابة بَالون هوائي بالنسبة لوالِدي تايس، على الرغم من أنّهما قالا إنّها أظهرت أن التعامل مع دمشق كان ممكنًا.
وقال والد تايس في مقابلة: "ومن المُمكن أن يكون هذا الحوار دون أن يتعرض الأمن القومي للولايات المتحدة للتهديد، دون أن تتأثر سياستنا في الشرق الأوسط، ودون أن تحدث كل الأشياء الفظيعة التي قيل لنا على مر السنين أنّها ستحصل إذا ما اعترفت الولايات المتحدة بالفعل أنّ هناك حكومة في دمشق".
وقالت وزارة الخارجية في بيانٍ إنّ إعادة الرهائن إلى الوطن هي إحدى أولويات إدارة بايدن، ودعت سوريا إلى إطلاق سراحهم، لكن آفاق المحادثات غير مؤكدة، لا سيما بدون التزام أكبر من النظام.
من غير المحتمل أن ترى الإدارة أنّ السوريين، الذين استدعتهم هيئة الرقابة الكيماوية العالمية في كانون الأول/ ديسمبر لفشلهم في إعلان منشأة أسلحة كيماوية، شركاء تفاوض موثوق بهم.
لم يقل بايدن الكثير عن سوريا، رغم أنّه أدرجها ضمن المشاكل الدولية التي يجب على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة معالجتها.
في شباط/ فبراير كان بايدن قد أذِن بشن غاراتٍ جوية ضد الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا وقال وزير الخارجية أنطوني بلينكين الأسبوع الماضي إنّ الوضع في سوريا خطير كما كان دائماً.
في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بعد أن قام صحفي على تويتر بالخطأ بالإعلان عن إطلاق سراح تايس، كتبت والدته رسالة ليتم تسليمها إلى ترامب قائلةً إنّها تأمل في أن يتمكن يومًا ما من تحويل هذه الأخبار إلى حقيقة واقعة.
المصدر: أسوشيتد برس / ترجمة نداء بوست