تحدث "فلاديمير بوتين" خلال لقائه مع "بشار الأسد" الأخير، عن سيطرة مَن سماه "الجيش السوري" على أكثر من 90% من الأراضي السورية، بعد "الضربة المشتركة" التي وجَّهتها روسيا والنظام السوري ضد "الإرهابيين".
بعد مضي أقل من يومين على حديث "بوتين" مع "الأسد"، طوَّقت حركة "رجال الكرامة" في السويداء مبنى "الأمن العسكري"، أحد أهمّ الأذرع الأمنية للنظام السوري في المحافظة، وبدأت الحركة إلى جانب ما يعرف بـ "قوات مكافحة الإرهاب"، تحرُّكات لإنهاء نفوذ النظام السوري في قرية "عتيل"، في تطوُّر يؤكد بشكل قاطع محدودية تأثير النظام في المشهد العامّ بالسويداء، الخاضعة لتوازُنات دولية لا تستطيع موسكو خرقها، كما أنها غير قادرة على فرض الحل العسكري فيها لاعتبارات سياسية، بل إن هذه التوازُنات تعقدت أكثر مع الإعلان عن حزب "اللواء السوري"، مؤخراً بدعم دولي، والذي يرفع شعار تغيير النظام السياسي في سورية كمطلب أساسي له، وإنشاء فصيل عسكري متحالف معه يسمى بـ "مكافحة الإرهاب".
تصريحات مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية "أفريل هاينز" في الرابع عشر من أيلول/ سبتمبر الجاري، والتي اعتبرت فيها أن "التهديدات الأخطر" بالنسبة لبلادها تأتي من العراق واليمن وسورية والصومال، تقلل من أهمية الحديث عن قرب الانسحاب الأمريكي من شمال شرقي سورية الغني بالنفط والقمح، وبالتالي فإن روسيا أمام استمرار معضلة عدم قدرتها على بسط السيطرة على تلك المنطقة الإستراتيجية.
في إدلب يبدو موقف أنقرة ثابتاً، إذ إن انتشار الجيش التركي هناك يمنع الحديث عن "حسم عسكري" روسي، ويجعل من تهديدات النظام السوري باستكمال العمليات العسكرية غير قابلة للتحقيق، باستثناء قدرة موسكو والنظام طبعاً على إقلاق راحة المنطقة من خلال الخروقات المستمرة والقصف المدفعي والجوي، ومن غير المتوقع أن يكون هناك تغيرات في شمال غربي سورية، خاصة مع استمرار وصول التعزيزات الروسية إلى ريف الرقة، وتراجع احتمالات التزام روسيا بالضغط على "قسد" بموجب تفاهُماتها مع أنقرة في تشرين الأول/ أكتوبر 2019.
تُعوِّل موسكو على تحقيق المزيد من التقدم السياسي في محادثاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، واستكمال مسار تخفيف العقوبات الاقتصادية على النظام السوري، لكن هذا مرتبط بمدى قدرة موسكو على إحداث تغييرات مقنعة للأطراف الدولية في بنية المؤسسة العسكرية والأمنية للنظام السوري، بما يجعلها أقل اختراقاً من قِبل إيران، بالإضافة إلى توفير عملية سياسية مقنعة، وليس مجرد خطوات تجميلية، وهنا لا بد من الانتباه إلى أن طهران لن تفرط بسهولة بنفوذها الذي عززته على الأراضي السورية طيلة سنوات الحرب الماضية، والتكاليف الباهظة التي أنفقتها من أجل تحقيقه، وحتى هذه اللحظة فقد فشلت روسيا بتحقيق تقدم مهم في ملف النفوذ الإيراني، ويقدم الجنوب السوري مثالاً مهماً على فشل روسيا أو عدم رغبتها بالوفاء بتعهداتها حيال ضبط النفوذ الإيراني.
قد تكون تصريحات "بوتين" الاستعراضية، تخفي خلفها كلاماً كثيراً غير سارّ قيل للأسد، دون أن يتم الإعلان عنه، كمطالبته بإبداء المرونة بشكل أكبر مع "قسد" والعملية السياسية ومسار اللجنة الدستورية، بالإضافة إلى دفعه لصرامة أكبر مع إيران، وهذه المطالب قد تعمّق المعضلة الروسية بشكل أكبر؛ لأنها من المحتمل أن تؤدي لدفع النظام السوري باتجاه إيران ليناور الضغوطات الروسية.