نداء بوست- محمد جميل خضر- عمّان
شكّلت تصريحات العاهل الأردني خلال مقابلة أُجريت معه قبل أيام في واشنطن، شرارة انطلاق لمحللين أردنيين كُثر يرون أن الخطر الأوضح اليوم والأكثر إلحاحاً بالنسبة للأردن، هو ذلك الآتي من حدود الأردن الشمالية الشرقية، خصوصاً مع توقعات أردنية بتراجع دور الدب الروسي المشغول بغزوه لأوكرانيا، في الشأن السوري، وهو الذي لعب، بحسب هؤلاء المحللين، دور الضامن للأمن والهدوء في درعا وما حولها وصولاً لحدود سورية مع الأردن.
الملك عبد الله الثاني توقّع في المقابلة التي أجراها معه، خلال زيارته إلى الولايات المتحدة الأمريكية، الجنرال المتقاعد هربرت ماكماستر ضمن البرنامج العسكري المتخصص (Battlegrounds)، الذي ينتجه معهد هوفر في جامعة ستانفورد الأمريكية، أن يملأ الإيرانيون الفراغ الذي سيتركه الروس وراءهم، قائلاً بالحرف الواحد: “هذا الفراغ سيملؤه الآن الإيرانيون ووكلاؤهم، وللأسف أمامنا هنا تصعيد محتمل للمشكلات على حدودنا”.
أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية الدكتور محمد القطاطشة يثمّن تصريحات العاهل الأردني، قائلاً “إن الخشية الأردنية الحقيقية أن يترك انسحاب القوات الروسية من الجنوب السوري فراغاً، ستسعى إيران إلى ملئه، ما يعني أن الحدود الشمالية المحاذية للجنوب السوري ستشهد ازدياداً في عمليات التهريب المنظم، وأن الأردن سيُترك وحيداً في مواجهة إيران والتنظيمات والمليشيات التابعة لها، إضافة إلى فرقتين بالجيش السوري هما (الرابعة والحادية عشرة) اللتين تعملان لحساب حزب الله المدعوم من إيران”.
حرب الكبتاغون..
مع عملية أمس على الواجهة الشمالية الشرقية مع عصابات المخدرات التي تتبع تكتيكات هجومية أكثر عدائية، بدأت المعطيات الميدانية تؤكد، أن هناك “حرباً، تشتد أوزارها بين هذه العصابات والقوات المسلحة الأردنية، وتنبئ بمزيد من التصعيد”.
في سياق متصل، أعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة أن المنطقة العسكرية الشرقية نفذت عملية نوعية على إحدى واجهاتها ضمن منطقة المسؤولية فجر أمس، أسفرت عن مقتل أربعة مهربين وإصابة عدد منهم وفرار الآخرين إلى داخل العمق السوري.
وقالت: إن العملية تأتي في إطار الخطة الأمنية التي تنفذها القيادة العامة للمحافظة على أمن واستقرار حدود المملكة، من خلال توظيفها لمختلف العناصر البشرية والتكنولوجية المتطورة والقادرة على ضبط الحدود والسيطرة عليها.
وقال مصدر عسكري مسؤول في القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية: إن المراقبات الأمامية لقوات حرس الحدود وبالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وإدارة مكافحة المخدرات، رصدت مجموعة من الأشخاص قادمين من الأراضي السورية إلى الأراضي الأردنية، حاولوا اجتياز الحدود بطريقة غير مشروعة بإسناد من مجموعات مسلحة، حيث قامت آليات رد الفعل السريع بالتعامل مع هذه المجموعات من خلال تطبيق قواعد الاشتباك.
وبين المصدر أنه وبعد تكثيف عمليات البحث والتفتيش للمنطقة تم العثور على 637 ألف حبة كبتاجون و(181) كف حشيش و(396) ألف حبة ترامادول وسلاح كلاشنكوف، وتم تحويل المضبوطات إلى الجهات المختصة. وأكد المصدر أن القوات المسلحة الأردنية ستضرب بيد من حديد وستتعامل بكل قوة وحزم مع أي عملية تسلل أو محاولة تهريب، لحماية الحدود ومنع من تسوّل له نفسه العبث بالأمن الوطني الأردني.
في موازاة ذلك، كشفت مصادر إعلامية أن “الجيش العربي الأردني نفذ كميناً، خلال محاولة المجموعة إدخال شحنة مخدرات إلى الجانب الأردني من بادية السويداء”.
وقالت المصادر: إن من بين القتلى قائد المجموعة وهو من الشخصيات التي لها علاقات وطيدة بقياديين في “حزب الله” اللبناني ويترأس مجموعة محلية تعمل بتجارة المخدرات في المنطقة الجنوبية من سورية.
وأشارت إلى أن ميليشيات سورية مرتبطة بـ”حزب الله” صعّدت خلال الآونة الأخيرة من عمليات نقل المواد المخدرة والمواد الأولية لصناعة حبوب الكبتاجون من لبنان إلى مناطق في القلمون بريف دمشق والقصير بريف حمص.
في هذا الصدد، يؤكد خبراء أن التصعيد الأخير على الواجهة الشمالية الشرقية بدأ يؤشر إلى “حرب” دائرة هناك، ويعزون ذلك إلى إغلاق السوق الخليجي أمام عصابات تهريب المخدرات، فلم يعد أمامها سوى الحدود البرية مع الأردن، وتوقع أن يقود الانسحاب الروسي من الجنوب السوري بسبب انشغال الأخيرة في حربها على أوكرانيا إلى أن يملأ الإيرانيون وتنظيماتهم ومليشياتهم الفراغ، ما يعنى ارتفاع عمليات التهريب المنظّم.
خبراء أردنيون وعرب يطلقون على هذه الحرب “حرب الكبتاجون”، التي تتصدى فيها القوات المسلحة منذ أكثر من عامين لعصابات المخدرات المدعومة من قوات غير منضبطة بالجيش السوري وأجهزته الأمنية إضافة إلى مليشيات شيعية وأخرى تابعة لحزب الله اللبناني، دأبت على محاولات تهريب المخدرات عبر الحدود الأردنية، لكن أوزارها اشتدت منذ مطلع العام الحالي.
ومنذ بداية العام وحتى فجر يوم أمس الإثنين تمكنت قوات حرس الحدود على الواجهة الشمالية من قتل 34 مهرباً في أربع مواجهات مسلحة مع عصابات تهريب المخدرات كانت أبرزها في ليلة 27 كانون الثاني/يناير الماضي انتهت بمقتل 27 مهرباً.
ومنذ بداية العام الحالي وحتى إحباط عملية أمس، تم ضبط قرابة 20 مليون حبة كبتاجون مخدرة إضافة إلى ما يزيد على نصف مليون كف من مادة الحشيش المخدر قادمة من سورية إلى الأردن.
ومنذ تغيير القوات المسلحة الأردنية لقواعد الاشتباك العسكري على الواجهة الشمالية والشرقية مطلع العام الحالي إثر استشهاد النقيب محمد خضيرات، صار مهربو المخدرات، بحسب مسؤولين عسكريين، أكثر عدائية.