يُحكى أنّ رجلاً افتتح مشروعاً وخسر كل أمواله ثم اقترض ليفتتح مشروعاً أخر ففشل من جديد وتراكمت عليه الديون، فما كان منه إلا أنّه حاول مرة ثالثة ورابعة مؤمناً أنّه لابد أنّ ينجح في يوم ما، ولكن السجن كان مصيره في النهاية فهو لم يستطيع تقديم منتج فريد ولا غيّر من أسلوب عمله في كل محاولة.
على الرغم من أنّ المؤسسة العامة الاستهلاكية هي أحد معالم النظام الاشتراكي الّذي تخلى عنه و أدار له بشار الأسد ظهره بعد تسلمه السلطة، إلا أنها حافظت على وجودها بعد دمجها مع مؤسسات أخرى عام 2017 وهذا ليس الاندماج الأول فكل ما قاربت مؤسسة سورية تابعة للدولة على الوفاة يتم إخفاء خسائرها في المؤسسة الاستهلاكية بحجة أنّها تبيع للشعب و لأغراض اجتماعية، فلدينا مؤسسة صناعة الأحذية (باتا) الّتي أُخفيت خسائرها في المؤسسة الاستهلاكية بعد دمجها عام 2000 ولدينا مؤسسة سندس و مؤسسة الخزن والنقل الّلتان تم دفنهما عام 2017 في حسابات المؤسسة الاستهلاكية المتوفية أصلاً و التي تم إعطائها اسم جديد لعلها يدب فيها الحياة هي المؤسسة السورية للتجارة.
لقد خبر السوريون أسلوب عمل المؤسسة الاستهلاكية فهم لطالما اصطفوا على أبوابها في فترة التسعينات لأخذ "البونات" وهي الّتي طالما ذر الرماد في العين، فلا هي كفت الأسر السورية ولا هي حققت أرباحاً لخزينة الدولة، ولطالما تكدست سلعها لترتع فيها الفئران و الحشرات شاكرة الله على إهمال وفساد موظفيها.
طيلة السنوات الماضية، لم تغير المؤسسة الاستهلاكية أو السورية للتجارة من أسلوب عملها ولا من شكل خدمتها، فكان الفشل نصيبها كما هو حال صاحبنا التاجر الذي بدأنا به قصتنا، ولكن الفرق بين التاجر و المؤسسة أنّ الأول كان مؤمناً بالنجاح و الثانية لا يهمها النجاح ولا الفشل بل لكبار موظفيها مصالح خاصة وشبكة من الزبائن والموردين الذين يتعاهدون المنافع بينهم ضاربين بالمصلحة العامة عرض الحائط وطوله، والفرق الثاني هو أنّ السجن كان مصير تاجرنا ولكن السجن هنا مملوك لعناصر في منظومة الفساد الّتي تحكم البلاد منذ عقود والّتي تعد السورية للتجارة جزءاً منها.
سيطرت السورية للتجارة على سوق السلع، و أعطى البنك المركزي أسعاراً تفضيلية للدولار لكل تاجرٍ يستورد لصالحها، ممّا مكنها من تملك جميع السلع تقريباً ولكن دون القدرة على توزيعها بما يضمن إيصالها لمن يحتاج، واستفادت السورية للتجارة من القوانين التي أصدرتها حكومة النظام السوري، فقد منعت الحكومة استيراد السيارات ولكن السورية للتجارة كانت البائع الوحيد لمناقصات عدة جرت عن طريقها حصراً ولصالحها، كما منعت الحكومة مؤخراً استيراد الهواتف الجوالة و يتوقع أنّ الوحيد القادر على الاستيراد سيكون السورية للتجارة أو الشركات المحسوبة على المنظومة ذاتها كشركة إيما تل التابعة للفرقة الرابعة.
المسألة الوحيدة الجديدة في مسيرة السورية للتجارة هي تكاملها مع "شركة تكامل للحلول التقنية" التي طرحت فكرة البطاقة الذكية فلا كانت ذكية ولا كانت بطاقة، فهي لم تعمل في معظم الحالات مما اضطر الموزعين لتبديلها بقطعٍ خشبية كتب عليها بخط الموزع، مما فاقم الأزمة و دعم منظومة الفساد داخل المؤسسة.
مطلع شهر نيسان- أبريل 2021 تدخلت السورية للتجارة في سوق الخضار و الفواكه عن طريق البيع في سوق الهال، فأجبرت الفلاحين على البيع لها و باعت للموزعين كميات من الخضار والفواكه بأسعار أعلى من أسعار السوق رغم الشراء بأسعار بسيطة، فيما تلفت الكميات المتبقية قبل نقلها للصالات المخصصة للتخزين والبيع.
تعد المؤسسة السورية للتجارة أحد أدوات نظام الأسد للسيطرة على الأسواق، وإخراج من تبقى من تجار من مختلف الأسواق بحجة الاحتكار و التلاعب بالأسعار تارة و بحجة عدم دفعهم للضرائب تارة أخرى، وما تفتأ المؤسسة أن تتوسع جغرافياً عن طريق فروع في مناطق لم تصل إليها من قبل لتتملك قرابة 1000 فرع، و قطاعاً لتسيطر على أسواق أخرى كانت تعمل بسلاسة و يسر قبل وصولها إليها، مصرة على تطبيق قصص الفشل التي حققتها على القطاعات . التي تدخلها دون أن يكون مصيرها السجن ومن غير نهاية.