1998-2004
انخفضت حدة التوتر بين الدولتين بشكل ملحوظ عقب توقيع اتفاق أضنة عام 1998، حيث إن النظام أبدى تعاوناً كبيراً مع تركيا في ملف حزب العمال الكردستاني، لدرجة أنه عندما طلبت تركيا من سورية تسليم شخص تركي عضو في حزب العمال الكردستاني، رد أحد محللي الاستخبارات التركية مازحاً: “لن يسلم الأسد هذا الشخص فحسب، بل سيسلم أبناء عمومته كذلك” لكن على الجانب التركي لم تستطع الحكومة الائتلافية تطوير العلاقات بسبب أزمتَيْ زلزال مرمرة 1999 والأزمة المالية 2001.
نظرية أحمد داود أوغلو للعمق الإستراتيجي
شهد عام 2003 وصول الرئيس أردوغان وفريقه للحكم، وبناءً على نظرية أحمد داود أوغلو العمق الإستراتيجي التي وضعها عام 2001، تمت إعادة صياغة علاقات تركيا مع جيرانها، فبدلاً من الخوف والشك تجاه الجيران، والنظر لهم كمصدر لدعم الحركات الانفصالية، كما هو الحال مع سورية، والعراق، وإيران، واليونان، وأرمينيا، قامت وزارة الخارجية ببناء نمط للعلاقات مبني على استثمار العلاقات الثقافية، والتاريخية، على أساس المصالح المشتركة، والإستراتيجيات والقرارات المرنة، معتمدة على أدوات القوة الناعمة، مثل التجارة، والتعاون الاقتصادي والتجاري، والاستشارات السياسية، والوساطة التي تطور مجالات المصالح المشتركة مع الجيران، وتم الانفتاح على سورية ضمن هذه الرؤية.
الملفات العالقة
غض الطرفان نظرهما عن الملفات الخلافية العالقة بدون حل، ففي حين أرادت وزارة الخارجية التركية وضع اتفاق مبادئ لحل مشكلة المياه، ومشكلة هاتاي قبل تطوير العلاقات، رأت الحكومة أن هذه الخطوة ستعيق تحقيق أهدافها، لذلك لم تتبع توصية الخارجية بهذا الأمر، ومن جهته غض الجانب السوري نظره عن هذه الملفات، وأصبحت وكالة الأنباء السورية والوزارات السورية تشير إلى “هاتاي” وليس “إسكندرون”، كما تم تعديل خريطة سورية في المناهج الدراسية ليتم استثناء إقليم هاتاي منها.
مسار العلاقات خلال أعوام 2004-2011
سياسياً: في عام 2004 قلب الأسد عقوداً من عدم الثقة السورية التركية عندما أصبح أول رئيس سوري يزور أنقرة، وأخذ كلا البلدين يساعدان بعضهما البعض من خلال التواصل مع أعدائهم من أجل الوساطة، دعمت تركيا النظام السوري في إطلاق محادثات السلام مع إسرائيل من خلال التدخل كوسيط في المحادثات السورية الإسرائيلية عام 2009، وساعد النظام بدوره تركيا على فتح قنوات مع أكراد سورية، وأيضاً مع الدول العربية التي كانت معادية سابقاً مثل ليبيا والجزائر، كما ساعد النظام تركيا في بناء علاقات مع حماس أثمرت في عقد وساطة بين حماس وإسرائيل، كما ساعدت تركيا النظام على إنهاء عزلته الإقليمية، بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في عام 2005.
اقتصادياً: أعطى نجاح البنوك والشركات التركية في سورية متنفساً اقتصادياً كان الأسد بأمسّ الحاجة إليه، فتم التوقيع على اتفاقية منطقة التجارة الحرة التي فتحت أربعة مراكز تجارية حدودية في تركيا، كما شهد الاجتماع الأول للمجلس الأعلى للتعاون الإستراتيجي بدمشق توقيع 51 اتفاقية في مجالات مختلفة من التعاون، مثل السياحة، والنقل، والصحة، وإلغاء الازدواج الضريبي، والاستثمار، والمجالات البحرية، والجمركية، والسكك الحديدية، وفي عام 2007، وقع المجلس اتفاقية التجارة الحرة التي سيتم بموجبها تبادل المنتجات الصناعية دون تعريفات جمركية، حيث استوردت تركيا منتجات الطاقة، والمنتجات الزراعية، والنسيجية من سورية، وصدرت منتجات متطورة تقنياً من المعادن، والكيماويات، والمواد الغذائية، والنفط، والحديد، والصلب، والمنسوجات، والآلات، والمركبات الإلكترونية، في عام 2009، قام كِلا البلدين بتطبيق نظام الإعفاء من التأشيرات، ما أدى لازدياد حركة السكان عبر الحدود، وتطور وسائل النقل تبعاً لذلك، وتم تفعيل مشاريع مثل السكة الحديدية بين مرسين وحلب، وبين غازي عنتاب وحلب، بالإضافة إلى القوارب بين مرسين واللاذقية وقبرص التركية.
وفي مجال التعليم والثقافة، تم افتتاح مركز ثقافي تركي في حلب، وقسم الأدب التركي في جامعة حلب، كما أطلقت الجامعات التركية والسورية مثل جامعات إسطنبول، وحران، وغازي عنتاب، وأنقرة، ومرمرة، ودمشق، برامج تبادل طلابي.
مع مطلع عام 2011 انتهت هذه المرحلة لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ العلاقات بين البلدين لم تنتهِ فصولها بعد.