المصدر: الغارديان
ترجمة: عبدالحميد فحام
يقول النظام في طهران: إن المناقشات ستُستأنف "قريباً" ، لكن إسرائيل قامت بالفعل "بتسريع خطط العمل العسكري بشكل كبير".
تثير التحذيرات المُنسَّقة الأسبوع الماضي من الولايات المتحدة وإسرائيل والاتحاد الأوروبي -بأن "الوقت ضيق" لإحياء اتفاق يحدّ من أنشطة إيران النووية- سؤالاً مزعجاً مفاده: ما الذي ستفعله الحكومات المعارضة إذا استمر نظام طهران المُتشدد، كما يبدو مُرجَّحاً، في التباطؤ مع تكديس الأموال لبناء سلاح نووي؟
قادة إسرائيل، كالعادة، لا يُكثرون الكلام. حيث يقول وزير الخارجية يائير لابيد: إن كل يوم يمر وكل تأخير في المفاوضات يجعل إيران أقرب إلى قنبلة نووية. وإذا كان نظام إرهابي سيحصل على سلاح نووي، يجب أن نتحرك. يجب أن نوضِّح أن العالم المُتحضر لن يسمح بذلك".
كان أنطوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، أكثر حَذَراً حين قال: "نحن مستعدون للانتقال إلى خيارات أخرى إذا لم تُغيِّر إيران مسارَها (لكن)، ما زلنا نعتقد أن الدبلوماسية هي الطريقة الأكثر فعّالية". وقد توقعت أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية التي تزور إسرائيل، أن المفاوضات المتوقفة تقترب من لحظة "حاسمة".
إن آخِر ما يريده الرئيس الأمريكي جو بايدن، وهو يحاول فكّ الارتباط عن الشرق الأوسط والتركيز على الصين، هو العمل العسكري الإسرائيلي ضد إيران الذي يُشعل نيراناً في المنطقة. ومع ذلك، فإن نفتالي بينيت رئيس وزراء إسرائيل القَلِق لا يستبعد ذلك. فقد قال: "العالم ينتظر والإيرانيون يتأخرون وأجهزة الطرد المركزي تدور".
الخوف الحقيقي يكمن في أن معظم اليهود الإسرائيليين -ما يقارب الـ 51٪- يعتقدون أنه كان على إسرائيل مهاجمة إيران قبل سنوات خلال "المراحل الأولى" من تطويرها النووي، بدلاً من انتظار تسوية تفاوُضية، بحسب استطلاع جديد أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلي. وصرَّح قائد الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي الشهر الماضي بأن خطط العمل العسكري ضد إيران "تمّ تسريعها بشكل كبير".
إن الأخطار واضحة وما هو أقلّ وضوحاً من ذلك هو كيف سيكون ردّ فعل إبراهيم رئيسي، رئيس إيران المحافظ، على الضغط الغربي؟ فمنذ فَوْزه في الانتخابات في حزيران/ يونيو، رفض رئيسي الانضمام مرة أخرى إلى محادثات "فيينا" بشأن إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، (JCPOA) الاتفاق النووي لعام 2015 الذي دمّره دونالد ترامب بشكل تعسّفي، وقد قام رئيسي بالحدّ من عمليات التفتيش التي تقوم بها الأمم المتحدة، وعزّز الأنشطة المتعلقة بالطاقة النووية.
ويقول حلفاؤه المتشددون الذين يسيطرون على جميع مراكز القوة الإيرانية: إن المحادثات ستُستأنف "قريباً" لكنهم لم يحددوا موعداً لها. وللأسف، تم استبدال المفاوض النووي الرئيسي عباس عراقجي بمنافس متشكِّك، هو علي باقري كاني.
وقال المحلل صائب صادقي: "كان باقري عضواً بارزاً في فريق التفاوض الإيراني في عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد. إنه مُعارِض قوي لخطة العمل الشاملة المشتركة، ويعتقد أنها تنتهك الحقوق الوطنية لإيران وتقوّض استقلال البلاد".
والحكومات الغربية التي تدفع باتجاه العمل كالمعتاد في "فيينا" تواجه عقبة جوهرية. فبالنسبة إلى رئيسي ووزير خارجيته، حسين أمير عبد اللهيان، فإن الحصول على تخفيف للعقوبات من خلال إحياء الاتفاق النووي ليس على رأس أولوياتهما. ويعتقدان أنه إذا لزم الأمر، يمكن لإيران أن تعيش بدونها.
وقد كتب صادقي: "ركّزت إدارة رئيسي على إستراتيجية تعطي الأولوية لـ"تحييد تأثير العقوبات" من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الجيران ودول مثل روسيا والصين". وتعتقد أن الولايات المتحدة، المصمِّمة على احتواء إيران، ستجد دائماً أسباباً للإبقاء على العقوبات، حتى لو تم تلبية جميع مطالبها.
ويتوقع مراقبون أن يَمضي رئيسي قُدماً في شراكة إستراتيجية مع بكين، المُتعطّشة للنفط والغاز الإيراني. كما تأمل ما يسمى بسياسة "انظر إلى الشرق" بعلاقات موسَّعة مع دول مثل باكستان، التي تنبذها الولايات المتحدة، ومع دول في وسط وشرق آسيا.
ولهذه الغاية، تم تعيين مهدي سفاري، السفير السابق لدى الصين وروسيا، في منصب رفيع لنائب وزير الخارجية للدبلوماسية الاقتصادية.
إن إيران بحاجة ماسَّة إلى شركاء تجاريين جُدد. لكنها تستفيد بشكل كبير من الارتفاع الصاروخي لأسعار النفط العالمية، في حين أن اقتصادها المُنعزل والمُصاب بكوفيد يُظهر علامات تدلّ على انتعاشه. والدول الإقليمية مثل لبنان، التي تعاني من نقص مدمِّر في الطاقة، تزداد اعتماداً على طهران، وليس العكس.
ويشير هذا إلى مَسار ثانٍ في إستراتيجية رئيسي: محاولة جادّة لإصلاح أو تعزيز العلاقات في جميع أنحاء العالم العربي. فقد قام أمير عبد اللهيان مؤخراً بزيارة مصر وسورية ولبنان والتقى قادتها وقيادات في الإمارات العربية
المتحدة. وبعد شهور من المحادثات السرّية مع المملكة العربية السعودية، التي استضافها العراق، قد يتم استئناف العلاقات الدبلوماسية المحدودة قريباً.
إذا حدث ذلك، فسيكون خطوة كبيرة نحو إعادة تأهيل إيران. قد ينهار التحالف الإقليمي المناهض لإيران والمدعوم من الولايات المتحدة وإسرائيل بينما تحذو دول الخليج الأخرى حَذْوها. وبالنظر إلى أن اهتمام واشنطن يتراجع، وبغض النظر عن "اتفاقيات أبراهام" ، فقد ينتهي الأمر بإسرائيل إلى الشعور بمزيد من الضعف أكثر من أي وقت مضى، وبإمكانية التأثير عليها بسهولة أكبر.
بدلاً من ذلك، يقترح مركز الإمارات للسياسات في أبو ظبي أن التحوّل في إيران لم يتم التفكير فيه بالكامل. وبينما تشترك الرياض وطهران في مصلحة الممرات البحرية الآمِنة وتخفيف حدة الصراع اليمني، فإن إصرار رئيسي على استمرار الدعم على مستوى المنطقة لـ"حركات المقاومة" (الميليشيات الشيعية والقوات العميلة في العراق وأماكن أخرى) يمثل عقبة كبيرة أمام أيّ تقارُب.
ثالثاً، من غير المحتمل أن يتخلى رئيسي عن عملية "فيينا" من جانب واحد، الأمر الذي من شأنه أن يصبّ في مصلحة أعدائه. وبدلاً من ذلك، عندما يعود المفاوضون الإيرانيون في نهاية المطاف، فإنهم سيضعون شروطاً أكثرَ صرامة، مثل الفوائد الاقتصادية على المدى القريب مقابل الامتثال. وسيُصرّون على فصل الملف النووي عن قضايا مثل الصواريخ الباليستية والأمن الإقليمي.
في غضون ذلك، ومع استمرار المحادثات، ستتوسع قدرات إيران النووية بلا توقُّف. وفي مرحلةٍ ما، قد يدعو القادة الغربيون المُحبَطون إلى التوقف والتحوُّل إلى ما يسمّونه "الخطة ب".
وعلى ما يبدو فإنه لا أحد يعرف ما يستتبع ذلك، ولكن ربما تكون هذه أخباراً سيئةً.
فبالنظر إلى عداوة إسرائيل العميقة (والمُتبادَلة بالكامل)، والازدواجية الأمريكية السابقة، والعجز والتردد الأوروبي، فإن نهج "رئيسي" له منطق غير سليم. فهو يتجاهل محنة المواطنين الإيرانيين الذين يعانون من الفقر بسبب العقوبات. إنه يتجاهل مخاوف الانتشار النووي. إنه يهدد بحدوث شقاق دائم مع الديمقراطيات الغربية.
والأسوأ من ذلك، أنه يفتح الباب أمام الصقور من جميع الأطراف الذين يُروِّجون بتهوُّر للحلول العسكرية، بينما في الواقع لا وجود لمثل هذه "الحلول".
هل ستكون هناك حرب مع إيران؟ ليس مجرّدُ عدم حدوث ذلك بعدُ معناه أنه لن يحدث.