منذ الغزو الروسي لأوكرانيا قبل ستة أسابيع، ظهرت على السطح مشاكل أمريكا مع حلفائها التقليديين. فبعد إعلان بوتين عن العمليات العسكرية الروسية ضد أوكرانيا، بدأت الولايات المتحدة بذل جهود كبيرة لضمان هزيمة إستراتيجية لروسيا. ولتحقيق ذلك، مارست الولايات المتحدة بنجاح ضغطاً مكثفاً على الدول الغربية التي كانت مُتردِّدة في السابق لتحصين جبهتها ضدّ التوسع العسكري الروسي.
غير أن محاولات الولايات المتحدة لممارسة ضغط مماثل على حلفائها في الشرق الأوسط كشفت عن فجوة خطيرة بين الطرفين. لقد اختار الشركاء الأمنيون التقليديون للولايات المتحدة في المنطقة -المملكة العربية السعودية وتركيا وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة ومصر وباكستان -أن يكونوا محايدين في هذا الصراع، ونأوا بأنفسهم عن المعسكر الذي تقوده الولايات المتحدة. فمثلاً، أظهر حياد المملكة العربية السعودية فشلاً كبيراً في السياسة الخارجية الأمريكية لأن النفط السعودي عامل أساسي في هزيمة بوتين. ومع ذلك، فإن التحول السعودي للتحالف مع أقوى منافس لأمريكا، وهو الصين، يشير إلى تدهور غير مسبوق في العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.
جنباً إلى جنب مع الدول الأخرى، شهدت علاقات السعودية مع الولايات المتحدة توترات كبيرة في عهد إدارة بايدن. ففي الماضي، كانت العلاقات بين الدولتين تستند دائماً إلى مقاربة على مبدأ “خُذْ وأَعْطِ”، حيث تُوفِّر الولايات المتحدة الحماية مقابل مكافآت مالية مربحة. في عهد الرئيس ترامب، تم التأكيد على هذه الصيغة في أكتوبر 2018، عندما حذر ترامب الملك سلمان بطريقة غير دبلوماسية من أنه “لن يستمر أسبوعين بدون [الولايات المتحدة]”، وأن المملكة العربية السعودية يجب أن “تدفع” مقابل دعم الجيش الأمريكي. بدت هذه التصريحات وكأنها تُرضي السعوديين أكثر من أن تُحرجهم بما أن الرئيس ترامب صنَّف المملكة العربية السعودية على أنها حليف مميز.
لذلك لم يكن مفاجئاً أن تكون المملكة العربية السعودية هي الوجهة الدولية الأولى لترامب كرئيس للولايات المتحدة -وهو الوضع الذي انعكس تماماً في ظل إدارة بايدن. فبعد خمسة عشر شهراً من رئاسته، لم يقم الرئيس بايدن بزيارة المملكة العربية السعودية بعد، وليس لديه خطط فورية للقيام بذلك. بل حتى المكالمات الهاتفية مع الملك سلمان وولي العهد تم تعليقها بالكامل تقريباً. ولكن كيف نشأ هذا الموقف وأين ستصل العلاقات بين الجانبين في نهاية المطاف؟
عندما تولى بايدن منصبه، أحاط نفسه بفريق من المستشارين بقيادة جيك سوليفان، وكان بعضهم معروفاً بموقفهم المناهض للمسلمين السُّنة. سوليفان، على سبيل المثال، هو الذي هندس سلسلة من الاجتماعات السرية مع إيران الشيعية. لكن مثل هذه الآراء المعادية للسعودية وللسُّنة كانت حاضرة حتى في وقت سابق في تصريحات بايدن كمرشح رئاسي. حينها، هدد بايدن بالكشف عن معلومات استخباراتية أمريكية سرية يبدو أنها تشير إلى تورُّط ولي العهد بن سلمان في مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في عام 2018. كما شجب بايدن النظام السعودي واصفاً إياه بأنه “منبوذ” وأنه “يتمتع بقيمة إصلاحية اجتماعية قليلة جداً”، لاحقاً كرئيس، ترجم بايدن هذه التصريحات إلى إجراءات حقيقية وعملية مثل تعليق مبيعات الأسلحة الأمريكية للدولة السعودية.
في هذا السياق، بدأت صيغة “الحماية مقابل المال” التي وضعها ترامب سابقاً تفقد بعض معناها، حيث لم تَعُد الولايات المتحدة الآن على استعداد لتقديم دعم غير مشروط لحليفها السعودي. فعلى الرغم من إدانة الولايات المتحدة، على سبيل المثال، للهجمات المتكررة من قِبل ميليشيات الحوثي الموالية لإيران على المنشآت السعودية، إلا أن الولايات المتحدة لم تفعل شيئاً يُذكر لمنع أي من هذه الهجمات.
لقد مكنت ميليشيات الحوثي من التصرف بحصانة كاملة مستخدمة الطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية التي قدمتها لها إيران لضرب المطارات والسفن والمنشآت النفطية، مما عرض المضائق الدولية وموارد الوقود للخطر. كما شاركت الميليشيات الأخرى المدعومة من إيران في العراق وحتى الحرس الثوري الإيراني بشكل مباشر في مهاجمة المملكة العربية السعودية في حالات عديدة، حيث استهدف الهجوم الأخير للحوثيين بشكل مباشر مستودع نفط تابعاً لشركة أرامكو في 25 آذار/ مارس. جاء ذلك في لحظة حاسمة، خاصة بالنظر إلى انقطاع إمدادات النفط الدولية والنقص العالمي في الوقود نتيجة العقوبات المفروضة على روسيا.
نظراً لوجودها العسكري المكثف في شبه الجزيرة العربية والبحار المحيطة بها، لو أرادت الولايات المتحدة لأمكنها أن تُشكِّل تحالُفاً فعالاً للتعامل مع هذه الهجمات. سيتمكن هكذا تحالُف من تقويض قدرة الحوثيين على تهديد المملكة العربية السعودية وجيرانها، وفي الوقت نفسه سيحرم إيران من وكيل مهم في المنطقة.
بدلاً من ذلك، حثّ المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، تيم ليندركينغ في جلسة استماع بالكونغرس، المسؤولين السعوديين على “السعي وراء السلام بجدية”، مشيراً إلى أنه “لا يوجد حل عسكري [للحرب اليمنية]”. بدت تلك التصريحات وكأنها تشجع المتمردين الحوثيين الذين اعتبروا ذلك دليلاً على تغاضي الولايات المتحدة عن هجماتهم بشكل كبير. ومن المفارقات أنه مع الانخفاض الكبير في عدد الضربات الجوية التي يشنها التحالف العربي بقيادة السعودية على أهداف الحوثيين، صعدت ميليشيات الحوثي هجماتها على أهداف سعودية، وحققت المزيد من النجاح على الأرض. ومما أثار استياء المملكة العربية السعودية، أنه حتى بعد هجمات الحوثيين على منشآت حسّاسة في الإمارات العربية المتحدة، ما زالت الولايات المتحدة تتجنب إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية.
يتناقض الوضع الحالي مع ما كان عليه الوضع في الأيام الأخيرة من رئاسة ترامب حيث أعلنت خلالها الولايات المتحدة الحوثيين منظمة إرهابية. ومن بين المبررات التي قدمها وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، مايك بومبيو، لهذا التصنيف، أن الهجمات عَبْر الحدود من قِبل المتمردين الحوثيين، “تهدد السكان المدنيين والبنية التحتية والشحن التجاري”. وقد شكل قرار إدارة بايدن بإلغاء هذا التصنيف ضوءاً أخضر للحوثيين الذين شنوا هجوماً شرساً على مدينة مأرب، وهي معقل مهمّ للحكومة الشرعية في اليمن.
في حين بررت إدارة بايدن إعادة تصنيفها للحوثيين على أُسس إنسانية لتسهيل توصيل المساعدات الإنسانية، إلا أن الولايات المتحدة وافقت بالفعل في عهد ترامب على إعفاء عمال الإغاثة والمجموعات المماثلة من أي تداعيات سلبية لسياسة الولايات المتحدة. وانتقد براء شيبان، وهو أحد اختصاصيي إدارة الحالة في منظمة غير حكومية، إدارة بايدن “لتسرُّعها” للتخلي عن أي “نقاط نفوذ لديها”. ففي مقابلة مع قناة “الجزيرة”، ذكر شيبان أن الولايات المتحدة “كان ينبغي أن تركز على ضمان وصول المساعدات الإنسانية مع الاستمرار في الضغط” على الحوثيين.
مع زيادة هجمات الحوثيين بشكل كبير، يبدو أن المخاوف السعودية من أن الولايات المتحدة قد قايضت بالأمن السعودي والتحالف “الأمريكي-السعودي” كجزء من اتفاق نووي أوسع مع إيران يستند إلى أُسس صلبة. وتزامنت تصريحات المفاوضين بأن الجانبين اقتربا من الاتفاق مع تساهُل أمريكي يكاد يكون غير مفهوم تجاه إيران ووكلائها. فمن الواضح أن إحياء الاتفاق النووي جاء على حساب المملكة العربية السعودية وأدى إلى تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.
يتناقض هذا مع السياسة الأمريكية السابقة في ظل إدارة ترامب، التي ألغت اتفاقية “P5 + 1” من أجل معاقبة إيران على أنشطتها العابرة للحدود المزعزعة للاستقرار في المنطقة. في عهد ترامب، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على عدد من الأفراد والشركات الإيرانية، وصعدت من ضغوطها باغتيال الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، وهو الجهة الأكثر نفوذاً في الحرس الثوري الإيراني. هذه السياسات المعادية لإيران أعطت شعوراً بالراحة لبلدان المنطقة التي زعزعت الأنشطة الإيرانية استقرارها، بما في ذلك المملكة العربية السعودية. وفي مقابل الدعم الأمريكي، تم توقيع صفقات تصل إلى عشرات المليارات من الدولارات بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، مما يعيد التأكيد على صيغة ترامب “الحماية مقابل المال”. ومع ذلك، فإن التحول الجذري في سياسة الولايات المتحدة من معاداة إيران إلى محاباتها قد ألقى بهذه المعادلة في مَهَبّ الريح.
لقد سارع فريق الأمن القومي في إدارة بايدن إلى عكس قلب جميع السياسات المعادية لإيران التي تم تنفيذها خلال رئاسة ترامب، ولا سيما إلغاء الاتفاق النووي. فبعد شهور من المفاوضات الأمريكية مع إيران، يبدو أن اتفاقية جديدة في مراحلها النهائية الآن. وطوال هذه الفترة، تم استبعاد السعودية ودول الخليج الأخرى كلياً من أي مشاركة في المفاوضات، وتم تجاهل مصالحها ومخاوفها إلى حد كبير، مع رفض الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني بشكل قاطع لإمكانية “إضافة أي شخص إلى [خطة العمل الشاملة المشتركة]”.
تشارك دول أخرى أيضاً المخاوف من أن ترى إيران في هذا الاتفاق نوعاً من المكافأة والتشجيع على أنشطتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة.
فعلى سبيل المثال، أورد موقع “أكسيوس” نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، عبَّر لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن عن مخاوفه العميقة من أن هذه الاتفاقية “ستمنح إيران مليارات الدولارات التي ستكون قادرة على استخدامها في أنشطتها الإقليمية الخبيثة وتسليح وكلائها”. لا شَكَّ أن الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان سيفسرون هذه الاتفاقية على أنها إشارة واضحة لشن المزيد من الهجمات على جيرانهم وعلى موارد الطاقة الدولية. لذلك، مع أنباء اقتراب الولايات المتحدة وإيران من الاتفاق، ومع تصعيد الحوثيين لهجماتهم ضد السعودية، تصاعدت الدعوات داخل المملكة العربية السعودية للرد.
يبدو أن الغزو الروسي لأوكرانيا قد وفر للسعودية فرصة مثالية للقيام بذلك. فقد تسبَّب الغزو الروسي لأوكرانيا في حدوث هزّات دولية، أثرت بشكل خاص على إمدادات الطاقة والغذاء. ومع فرض عقوبات صارمة على روسيا، تستهدف بشكل أساسي قطاع الوقود، تأثرت جميع دول العالم تقريباً بشكل مباشر أو غير مباشر بهذه العقوبات. فارتفعت أسعار النفط والغاز ارتفاعاً هائلاً، مما أضاف مليارات الدولارات إلى التكاليف على البلدان المستوردة. إن حرص الولايات المتحدة على إفشال خطط بوتين في أوكرانيا يتطلب الالتزام الكامل من المجتمع الدولي بمقاطعة النفط الروسي وحرمان بوتين من مصدر مهمّ للإيرادات. وكلما زاد ضخّ النفط في السوق العالمية (من مصدرين آخرين للنفط)، كلما كان المقاطعون أكثر التزاماً. من أجل تحقيق هذا الهدف، تحتاج الولايات المتحدة إلى رد إيجابي من السعودية، وهي أكبر مصدر للنفط، لتعويض خسارة النفط الروسي.
لكن استجابة السعودية لم تكن مُفاجِئة لكثير من المراقبين، أو ربما حتى لفريق بايدن نفسه. بعيداً عن التوافق مع الأهداف الأمريكية، رفضت السعودية أي زيادة في إنتاج النفط، بينما رفض ولي العهد بن سلمان تلقي مكالمة من بايدن. وقد أجبر ذلك الولايات المتحدة على اللجوء إلى خصومها، مثل فنزويلا وإيران، لزيادة إنتاج النفط، والنظر في الخيار غير المرغوب فيه المتمثل في إطلاق ملايين البراميل من احتياطي البترول الإستراتيجي الأمريكي. قد يخفف هذا، إلى حدّ ما، مخاوف حلفاء أمريكا الغربيين، ولكن على المدى البعيد، تعرف الولايات المتحدة أنه بدون أي زيادة في الإنتاج السعودي، فإن هذا الإجراء يُعَرِّض احتياطياتها الإستراتيجية للخطر، حيث من المقرر استنفاد ثلثها في 6 شهور.
تعبير إضافي عن عدم الرضا السعودي يتجلى في تحوُّلها نحو أقوى منافس للولايات المتحدة، الصين. يبدو أن تسريع المحادثات بين المملكة العربية السعودية والصين هو الرد المتوقع في لعبة شدّ الحبل بين الولايات المتحدة والسعودية. ومع ذلك، إذا انتهى الأمر بهذه المحادثات إلى تسعير النفط السعودي باليوان الصيني بدلاً من الدولار، فإن الولايات المتحدة ستنظر إلى هذا بلا شَكّ على أنه خُطوة عدائية يمكن أن تدفعها للقيام بأحد ردَّي الفعل التالييْنِ (أو ربما كِلاهما معاً).
أولاً، يمكن أن تقوم إدارة بايدن بإعادة النظر في سياساتها المعادية للسعودية. وسيتطلب ذلك إيلاء اهتمام أكبر لهواجس دول الخليج من ميول فريق بايدن المؤيدة لإيران، ولا سيما الاتفاق النووي. إذا حاول بايدن رؤية القضية من الزاوية المعاكسة، فسيستنتج أن تفضيل السعودية على إيران سيكون أكثر أهمية وفائدة ومنطقية وربما إنسانية. حتى إذا كان يُشتبَه في أن بن سلمان كان له دور في مقتل خاشقجي (وهو ما استخدمه فريق بايدن كذريعة لتسويغ الضغط الأمريكي على المملكة العربية السعودية)، فليس هناك شَكّ في أن إيران ارتكبت أيضاً انتهاكات لحقوق الإنسان، ومسؤولة عن موت وتشريد ملايين الأشخاص في العراق وسورية ولبنان واليمن.
علاوة على ذلك، فحتى من دون امتلاك أسلحة نووية، لا تزال إيران تُشكِّل خطراً من خلال دعمها المباشر لوكلائها الإرهابيين الذين قوَّضوا السلم والأمن الدوليين. ويمكن القول بأن دعاية إيران المتطرفة هي أكثر خُطورةً من برنامجها النووي، كما هو الحال، هذه الدعاية تغذي العنف والصراعات الطائفية في أنحاء كثيرة من المنطقة. ولذلك، فإن أي اتفاق مستقبلي مع إيران يجب أن يضع حدّاً لتدخُّلاتها العابرة للحدود من أجل الاستقرار الإقليمي.
ثانياً، إذا أصرت إدارة بايدن على مواقفها الموالية لإيران على حساب حلفاء الولايات المتحدة التقليديين، فإن هؤلاء الحلفاء سيسعون لتشكيل تحالُفات إستراتيجية جديدة. لقد جاءت المحادثات “السعودية-الصينية” بمثابة تحذير للولايات المتحدة من تحالُفات، تشمل دولاً أخرى، وليس فقط المملكة العربية السعودية، مما يدل على مستويات مماثلة من الإحباط من سياسات الولايات المتحدة في المنطقة (على سبيل المثال، رفض محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي أيضاً الرد على اتصال بايدن).
ومن الجدير بالذكر أن العديد من الدول التي اعتادت أن تكون بين أقرب حلفاء أمريكا (مثل المملكة العربية السعودية وتركيا وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة، والهند، وباكستان، ومصر) قد نأت الآن بنفسها عن الولايات المتحدة بخصوص تصرفاتها في أوكرانيا. على الرغم من أن حيادها لا يعني بالضرورة أنها تقف مع روسيا، إلا أنه مؤشر واضح على مستوى الاستياء من سياسات بايدن في المنطقة. تشير القمم المتعاقبة بين زعماء المنطقة، وقد كانت الأولى في مصر ولاحقاً في إسرائيل، إضافة إلى تزايُد وتيرة الاتصالات الثنائية متجاوزة الولايات المتحدة، إلى وجود نهج جديد تجاه إدارة بايدن. وحيث يُنظر إلى الولايات المتحدة على نحو متزايد باعتبارها حليفاً لا يمكن الاعتماد عليه، ويمكن أن يخذل شركاءه في أي لحظة، فمن المهمّ أن تكون هذه الدول قادرة على التوصل إلى اتفاقات فيما بينها، دون الاعتماد على دعم الولايات المتحدة لتحقيق الاستقرار في المنطقة.
وبالفعل يلوح في الأفق اتفاق “سعودي-تركي”، مما سيعزز تغيُّر الأمور لصالح السعوديين على الأرض في الأزمة اليمنية ويدل على مستوى أكبر من الاستقلال لكِلا البلدين، والتحرُّر من نفوذ الولايات المتحدة. إن تحوُّل الولايات المتحدة عن حلفائها التقليديين يمكن أن يؤدي فقط إلى تفاقُم حالة عدم الاستقرار إذا ما سعت الولايات المتحدة إلى الإطاحة ببعض قادة المنطقة الذين لا تجمعهم مع الولايات المتحدة مصالح مشتركة مع مثل بن سلمان أو أردوغان. لذا فإن سياسات إدارة بايدن تؤكد فقط أن الولايات المتحدة ليس لديها أصدقاء ولا حلفاء، وأن مصالحها تحتل المرتبة الأولى فوق كل الاعتبارات الأخرى.
وفي المحصلة، لا نكاد نجد أي مكاسب للولايات المتحدة من سياستها الخارجية الحالية في الشرق الأوسط. على العكس من ذلك، إذا صدقنا ترامب، فمع زيادة التوتر بين الولايات المتحدة وحلفائها ستكون “روسيا والصين المستفيدتين الكُبرييْنِ” من سياسات بايدن، على حدّ تعبير ترامب، حيث ستُقدِّم هذه الإدارة “هديّة رائعة لهما من الولايات المتحدة مباشرة”.