بلا أدنى شك إن الدولة التركية قيادة وشعباً، باتت من أكثر دول الشرق الأوسط التي عانت -ولا تزال- من دموية وإجرام العديد من التنظيمات والمجموعات الإرهابية، وأذرعها الظلامية المَدْعُومِ بعضُها من قِبل واشنطن والغرب بحجة أنهم شركاء لهم في قتال تنظيم “داعش”، وعلى ما يبدو -وحسبما تشير كل الأحداث والوقائع- فإن هذه التنظيمات الإرهابية قد وضعت على رأس أولوياتها التخريبية العمل وبشتى الطرق والوسائل لزعزعة الأمن القومي التركي، والتأثير على السلم الأهلي، ووحدة أراضي البلاد، وسلامة ترابُط نسيجها المجتمعي، وبالتأكيد يأتي على رأس هذه التنظيمات الإرهابية وأكثرها خطراً ودمويةً “حزب العمال الكردستاني” المصنف من قِبل واشنطن وكثير من الدول الغربية كتنظيم إرهابي دولي.
عملياً فإن أنقرة ومنذ عام “1984” وفي حربها المعلنة ضد تنظيم “BKK” قد قامت بتقديم الآلاف من الشهداء الذين سقطوا إما: نتيجة الاستهدافات الإرهابية للحواضر المدنية والسكانية، أو في مواجهات ميدانية لجيشها وقواتها الأمنية مع مرتزقة ومقاتلي الحزب الانفصالي، وحقاً فقد كانت أنقرة -ولا تزال- حتى وقتنا هذا من أوائل الدول التي وظفت وجيشت كل إمكانياتها المادية والأمنية والعسكرية لضرب ومكافحة كافة أشكال الإرهاب وألوانه الذي يهدد أمنها القومي وذلك في سعيها الحثيث لاستئصال شأفته واجتثاث جذوره المتواجدة داخل حدود أراضيها وخارجها، وهذا ما انعكس ميدانياً على أرض الواقع من خلال قيام البرلمان التركي مرات عديدة بتفويض الرئيس”رجب طيب أردوغان” للقيام بعمليات عسكرية خارجية في كل من “سورية والعراق” لوأد إرهاب حزب العمال الكردستاني وميليشيات”BYD, YBG” وتنظيم “داعش” في معاقلهم وسراديبهم، وعليه فقد قامت أنقرة منذ سنوات بتطوير أدواتها وإمكانياتها في محاربة و مكافحة الإرهاب، معتمدة في ذلك على أسلوب القوة الخشنة ومنطق ومنطلق الحرب الاستباقية الهادفة لتجفيف الإرهاب في منابعه” ومنطلقات نشاطاته، و استناداً إلى ذلك كله فقد قامت القيادة التركية بعدة عمليات عسكرية استباقية حاسمة في سورية (درع الفرات، وغصن الزيتون، ونبع السلام) أدت نتائجها السريعة والحاسمة إلى وَأْد حلم حزب العمال وميليشيات قسد ومنعهم من التفكير بأي مشروع كردي انفصالي يُتاح من خلاله إقامة “ممر إرهابي” على كامل طول الحدود التركية الجنوبية. أما في شمالي العراق و”جبال قنديل” فقد قامت القوات المسلحة التركية بمطاردة مرتزقة وإرهابيي “حزب العمال الكردستاني” في قواعد انطلاقهم الدائمة، واستهدافهم بعمليات جوية وبرية وعمليات كوماندوس (مخلب النسر، مخلب النمر، مخلب القفل) التي أدت نتائجها إلى تحجيم أعمال ونشاطات هذا التنظيم الإرهابي وتكبيده الكثير من الخسائر المادية والبشرية وقتل وتحييد الكثير من قياداته الميدانية.
عمليا ومن خلال المتابعة فقد حدثت خلال السنوات القليلة الماضية سلسلة من العمليات الإرهابية الدموية التي استهدفت الداخل التركي -هذه العمليات- ناهيك عن بعضها الذي كان يقف خلفه تنظيم “داعش” الإرهابي، فقد كانت الهجمات الإرهابية الدامية في غالبها من إعداد وإخراج الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني، وعليه ونتيجة لاتخاذ القيادة السياسية والعسكرية التركية للكثير من الإجراءات الأمنية المشددة، والعمليات العسكرية الاستباقية، فقد عاشت البلاد وشعبها منذ عام 2016 حالة من الأمن والهدوء، مع غياب تامّ للتفجيرات والعمليات الدموية، حتى جاءت صدمة الهجوم الإرهابي الأخير الذي أدى لسقوط “6” شهداء بينهم أطفال وعشرات الجرحى، وذلك في “شارع الاستقلال” الواقع في قلب العاصمة “إسطنبول” هذا الشارع الذي اختارته الجماعات الإرهابية ليكون مسرحاً لعمليتهم الدامية تلك، لم يكن تحديده من قَبيل الصدفة بل اُختِيرَ بدقة العارف بالشيء؛ فهذا الشارع الأشد إزدحاماً والذي يحظى وحسب تصريحات وزير الداخلية “إسماعيل صويلو” بالكثير من الرمزية والأهمية لدى عموم الشعب التركي، ويعتبر معلماً سياحياً ومركزاً تجاريا مهما، وأن بلاده تعلم جيداً معنى الرسالة التي أرسلها منفذو هذا العمل الإرهابي.
عملياً فإن القبض على منفذة الهجوم ومشتبه بهم كُثُر بعد ساعات معدودة من حدوث العملية الدامية، يعتبر إنجازاً لافتاً للسلطات الأمنية التركية، حيث أفادت التحقيقات السريعة مع منفذة العملية الإرهابية المدعوة “أحلام البشير” أن التخطيط للعملية والإعداد لها قد تم من قِبل مرتزقة حزب العمال الكردستاني وميليشيات قسد في منطقة “عين العرب”، ولا شك أن الغاية من هذه العملية وفي هذا التوقيت بالذات تندرج في محاولات من تنظيم “حزب العمال الإرهابي” ومشغليه “التأثير” على مسار الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة، و”الإضرار” بحالة الأمن والاستقرار التي تعيشها تركيا، و”إظهار” حكومة “أنقرة” كأنها في حالة عجز عن إيقاف مثل تلك الهجمات، ناهيك عن السعي للتأثير على شعبية الحزب الحاكم والرئيس “أردوغان”، كما يضاف إلى ذلك كله إلحاق الضرر بالحالة الاقتصادية والسياحة للبلاد كونهما مدخلين مهمين للانتخابات المقبلة.
الرد التركي وعملية “المخلب – السيف”:
يُعتبر هجوم شارع الاستقلال بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير الذي حفز “أنقرة” لإطلاق شعار “حان وقت الحساب”، فأعلنت “وزارة الدفاع التركية” في بيان لها يوم الأحد “20” تشرين الثاني، أن قواتها المسلحة قامت بشنّ عملية جوية ناجحة أسمَتْها “المخلب- السيف”، استهدفت من خلالها مواقع وتحصينات المسلحين الأكراد في شمالي سورية والعراق، وأن هذه العملية استندت إلى المادة “51” من “ميثاق الأمم المتحدة” هذه المادة التي تنص على “الحق المشروع” في الدفاع عن النفس. كما أشار البيان إلى أن أهداف العملية الجوية تندرج في إطار “ضمان أمن الحدود” ، و”إحباط أي هجمات إرهابية” تستهدف الشعب التركي والقوات الأمنية، و”اجتثاث” الإرهاب من جذوره، عبر تحييد تنظيمات، BKK(حزب العمال الكردستاني)، و YBG وغيرها من الأذرع والمجموعات الإرهابية.
لا شك أن العملية الجوية “المخلب- السيف”التي أسقطت العشرات من القتلى في صفوف الجماعات الإرهابية الكردية قد جاءت للقصاص والثأر من الجناة، وانتقاماً للشهداء الذين سقطوا في شارع الاستقلال، وعليه فقد تم استهداف وتدمير قرابة 89 هدفاً وقاعدة منتشرة في “جبال قنديل وآسوس وهاكورك” شمالي العراق و”عين العرب وتل رفعت والمالكية والجزيرة شمالي سورية” كانت تُستخدم من قِبل مرتزقة وإرهابيِّي حزب “العمال الكردستاني”، وقوات “حماية الشعب” الكردية السورية كقواعد انطلاق لاستهداف الأراضي والشعب التركي بهجماتهم الإرهابية الدامية.
ختاماً… لطالما شهدت بعض المدن التركية وخاصة إسطنبول في السنوات السابقة العديد من الأعمال الإرهابية، وذلك لما تتمتع به هذه المدينة من سمعة دولية، وأهمية اقتصادية وسياحية، فإسطنبول -وبلا منازع- تشكل حقيقة الثقل الاقتصادي الكبير لتركيا، ناهيك عن موقعها الجغرافي والإستراتيجي المهم بين قارتَيْ آسيا وأوروبا، كما أن عدد سكانها وزوارها نهاراً يزيد عن 20 مليون نسمة. وهذا كله ما حَدَا بالقيادة التركية للتصرف المباشر والفوري تجاه العمل الإرهابي الذي طالها وتجاه أى تهديدات إرهابية داخلية أو خارجية تتعرض لها البلاد. وعليه فوزير الدفاع “خلوصي آكار” وفي تصريح له قال: سنواصل محاسبة الذين استهدفوا أمن بلادنا وأمن مواطنينا مثلما حاسبناهم من قبل، وإنّ الجيش التركي سيواصل عملياته بكل إرادة وحزم حتى القضاء على آخِر إرهابي يهدد أمن تركيا وشعبها.