لا شك، بأن العنوان ذكّر الكثيرين منا بجملة الممثل الراحل نهاد قلعي في مسلسل صح النوم ( إذا أردت أن تعرف ماذا في ايطاليا علينا أن نعرف ماذا في البرازيل ) ولكن لعنوان المقال حكاية أخرى.
كتبت كارين وايت وهي مهتمة بالسياسة والحكومة الأمريكية مقالاً في موقع موديوم (الوسيط)، و الموقع منصة باللغة الإنجليزية تصل إلى مليون قارئ، بهدف تعميق نشر الأفكار وتعميق فهم العالم . تخبر القراء بأن الانتخابات التي جرت في البرازيل تشبه إلى حد ما الانتخابات النصفية.
وبينما كان الجميع يتساءل عما إذا كان بولسونارو المتطرف اليميني سيعترف بالهزيمة أمام اليساري لويس إيناسيو لولا دا سيلفا وبعد 45 ساعة، ألقى المهزوم خطاباً قصيراً قال فيه إنه “سيتبع جميع وصايا دستورنا” ، وبدأ العملية الانتقالية دون الاعتراف بالهزيمة.
وتشير الكاتبة إلى أن الملفت هو نزول المواطنون البرازيليون الصالحون إلى الشوارع مطالبين بتدخل الجيش وإجراء انتخابات جديدة. وتبرر ذلك التساؤل إلى اعتقادهم أن الانتخابات كانت مزورة، لأن بولسونارو أخبرهم بذلك، مراراً وتكراراً . حتى أنه زودهم بمقاطع فيديو يُزعم أنها تظهر تعطل آلات التصويت وقدم تقارير تفيد بأن الأنماط في عمليات التصويت كانت مشبوهة.
في نهاية مقالها تدعو الكاتبة قرائها إلى تخيل ترشح ترامب في عام 2024 كمرشح جمهوري، ثم يخسر في الانتخابات العامة أمام خصمه الديمقراطي. وتتسأل عن السيناريو الذي يمكن أن تحدث ؟ بين رفض المؤيدين له بحجة التزوير ، بالنزول إلى الشارع سلميا أم التحكم إلى السلاح؟ وترى الكاتبة بأن الميل إلى السلاح أقرب لأن ترامب أمضى سنوات في إرساء الأسس للناخبين لفقد الثقة في نتيجة انتخاباتنا.
تختم كارين وايت مقالها بهذه الجملة “إذا كان هذا يحدث في البرازيل، فيمكن أن يحدث هنا.”
هذه الجملة الأخيرة، ربطتني مباشرة بجملة حسني البورظان الشخصية التي مثلها الراحل نهاد قلعي في مسلسل صح النوم حيث يعمل على كتابة مقال و دريد لحام (غوار) يمنعه من اتمام المقال.
الجملة الشهيرة ( إذا أردت أن تعرف ماذا في ايطاليا علينا أن نعرف ماذا في البرازيل ) هل كانت جملة اعتباطية ، أم شيفرة من شفيرات نهاد قلعي الذي كان ضحية من ضحايا القمع والاستبداد والابتزاز؟.
لفهم ذلك يمكن العودة إلى تاريخ البرازيل في تلك الحقبة، فقد شهدت البرازيل مثلها مثل أغلب دول العالم الثالث، صراعاً في الستينات من القرن الماضي، صراعاً بين اليمين واليسار نتيجة تنافس المعسكرين الشيوعي والرأسمالي، وانتهى الصراع في البرازيل إلى الإطاحة بالرئيس البرازيلي جواو غولار من قبل أعضاء في القوات المسلحة البرازيلية، وبدعمٍ من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية.
لقد وضع الانقلاب نهاية لحكومة جواو غولار، وهو عضو في حزب العمل البرازيلي، الذي انتُخب بجو ديمقراطي نائباً للرئيس في نفس الانتخابات التي فاز فيها جانيو كوادروس بالرئاسة، وهو سياسي محافظ من حزب العمل الوطني مدعوم من قبل الاتحاد الوطني الديمقراطي.
وجلب الانقلاب نظاماً عسكرياً برازيلياً منحازاً سياسياً لمصالح حكومة الولايات المتحدة الأمريكية. استمر هذا النظام حتى عام 1985، إذ انتُخب تانكريدو نيفيس بشكل غير مباشر، فكان أول رئيس مدني للبرازيل منذ انتخابات عام 1960.
وحين نعود لزمن انتاج مسلسل صح النوم نجد أنه حسب الموسوعة الحرة أنه بث عام 1972، وهذا يعني تم الاشتغال عليه في فترة الانقلابات المتعددة التي بدأت عام 1963 وانتهت مع انقلاب الاسد الأب . تماما كما حدث في البرازيل مرحلة اضطراب وصراع بين القوى المدعومة من المعسكرين انتهى بفوز المدعومين امريكيا.
ما يحدث هناك ربما يحدث هنا، جملة مهمة جداً، فقد كان من الصعب تخيل قبل عقود ما احدثه الربيع العربي، وخاصة في سورية، وكان الرهان بأن سورية لن يحدث فيها ما يحدث في غيرها.
اثبتت الوقائع بأن ما حدث هناك حدث وباقسى ما يمكن تقوعه، وكذلك كان النضال أبسل مما يمكن توقعه. وما نشاهده اليوم من تجاوزت في كل سورية من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها ، خير دليل وشاهد.
ولهذا، ربما من المفيد اليوم، قراءة سياسية للشفيرات التي كانت تقدم للمواطن السوري في تلك المرحلة، عبر وسيلة التلفاز الذي بدأ يغزو كل بيت في ذاك الزمان. وكذالك أشارة مهمة بأنه ثمة طرق عديدة يمكن للانسان مواجهة الاستبداد ، ربما فات الكثير أمثالي في ذلك الوقت ولكن حتماً كان هناك من يفهم لك الإشارات ويدرك شفراتها ولكن لم يكن ههناك فرصة لتوضيحها.
هذه القراءة ضرورية اليوم، لفهم الوضع السوري، وايجاد الحل الأمثل للخروج من هذه الدوامة التي لا زال المواطن السوري يدفع فواتيرها من دمه وعرقه.
قراءة يمكن أن تعين الشاب الذي ولد اليوم في المنفى، سواء كان نازحاً أو لاجئاً أو حتى مغلوباً على أمره عند النظام . قراءة تجعله يستوعب الحالة السورية، ولماذا وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم. وكيف يمكن الخروج .