شهدت الساعات الـ48 الماضية، تبادُلاً للقصف بين قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة من جهة، والميليشيات الإيرانية من جهة أخرى، وذلك في محافظة دير الزور شرقي سورية.
وفجر يوم أمس الأربعاء، شنت الطائرات الأمريكية غارات جوية على مواقع تابعة لـ “الحرس الثوري” الإيراني في محافظة دير الزور، استهدفت منشآت بِنْية تحتية تستخدمها الميليشيا.
وجاءت تلك الغارات بتوجيه مباشر من الرئيس الأمريكي جو بايدن، وبحسب المتحدث باسم القيادة الأمريكية الوسطى، جو بوتشينو، فإن تلك الضربات هدفها الدفاع عن القوات الأمريكية وحمايتها من هجمات مشابهة لتلك التي تعرضت لها قاعدة التنف في 15 آب/ أغسطس الجاري.
واستهدفت الغارات 9 مخابئ ذخيرة في دير الزور تابعة لجماعات مدعومة من إيران، علماً أن الهدف الأصلي كان تدمير 11 مخزن ذخيرة، “لكن تم إلغاء الهجوم على مخزنين، بعدما لُوحظ تحرُّك أشخاص قريباً من موقعهما، حرصاً على عدم سقوط مدنيين”، وفقاً لبوتشينو.
وعقب ساعات من القصف الأمريكي، وتحديداً في الساعة السابعة والعشرين دقيقة، سقطت عدة صواريخ إيرانية داخل قاعدة التحالف الدولي في حقل “كونيكو” شمال شرقي سورية، وبعد فترة وجيزة سقطت صواريخ أخرى بالقرب من “القرية الخضراء” القريبة من حقل العمر بريف دير الزور.
وإثر هذا الهجوم تعرَّض ثلاثة جنود أمريكيين لإصابات طفيفة، حيث عُولج أحدهم في موقع دعم البعثة في حقل “كونيكو” وعاد إلى الخدمة، فيما خضع اثنان آخران للتقييم، وذلك بحسب ما أفادت القيادة المركزية الأمريكية في بيان.
وردت القوات الأمريكية على الهجمات باستخدام طائرات هليكوبتر هجومية، وتمكنت من تدمير ثلاث سيارات ومعدات كانت تُستخدم لإطلاق الصواريخ. وتشير التقييمات الأولية إلى مصرع اثنين أو ثلاثة من المسلحين المُشتبَه بهم المدعومين من إيران خلال الرد الأمريكي، وفقاً للبيان.
رسائل نارية
اعتبرت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” أن الغارات الأخيرة على مواقع الميليشيات الإيرانية في سورية، هي رسالة إلى طهران والمجموعات المدعومة منها، التي استهدفت قوات التحالف هذا الشهر، وعدة مرات أخرى خلال العام الجاري.
وقال وكيل وزارة الدفاع للشؤون السياسية كولين كال: “إن الضربات الجوية الأمريكية على المنشآت التي تستخدمها الميليشيات المدعومة من الحرس الثوري الإيراني أظهرت أن الولايات المتحدة لن تتردد في الدفاع عن نفسها ضد العدوان الإيراني والمدعوم من إيران عند حدوثه”.
واستند قرار الولايات المتحدة بشنّ الضربات إلى طبيعة هجمات الميليشيات في 15 آب/ أغسطس على قاعدة التنف، حيث تتمركز القوات الأمريكية في الجنوب، وأشار كال إلى أنه بناءً على أجزاء الطائرات المسيرة التي تم العثور عليها، تعتقد الولايات المتحدة أن إيران هي من نفذ الهجوم.
كما أكد أن الهجوم المنسق للميليشيات الإيرانية على منشأتين أمريكيتين في التنف في نفس الوقت من هذا الشهر أثار مخاوف واشنطن من أن “إيران تنوي القيام بالمزيد من هذا وأردنا إبعادهم عن أي شعور بأن هذه كانت فكرة جيدة”.
وشدد كال على أن الضربات الأمريكية تؤكد أنه “بينما تواصل واشنطن متابعة المفاوضات مع إيران لاستئناف الاتفاق النووي لعام 2015، فإن هذه المحادثات ليست مرتبطة على الإطلاق باستعداد الولايات المتحدة للمواجهة عند تعرضها للهجوم”.
وأضاف: “التهديدات التي ينخرطون فيها ضدّ شعبنا في المنطقة أو في أي مكان آخر، ليست مرتبطة بأي نقطة ينتهي عندها الاتفاق النووي، وفي الواقع لا علاقة للاتفاق برغبتنا وتصميمنا على الدفاع عن أنفسنا”.
ويرى المسؤول الأمريكي أن الغارات الأمريكية الأخيرة “كانت بمثابة رسالة واضحة للإيرانيين بأن هذه الأشياء كلها على مسارات مختلفة”.
تحرُّك مهمّ
وصفت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، في تقرير نشرته يوم أمس الأربعاء، الغارات الجوية الأمريكية بـ”المهمة” لأن الولايات المتحدة نادراً ما ردت على عشرات الهجمات التي نفذها الحرس الثوري الإيراني ووكلاؤه ضد قواتها على مدى السنوات العديدة الماضية.
وأشارت الصحيفة إلى أن الهجمات الإيرانية ضد الولايات المتحدة تصاعدت في عام 2019 وأدت إلى إلحاق الأذى بأفراد القوات الأمريكية في العراق، موضحة أن التوترات المتصاعدة في ظل إدارة ترامب أدت إلى قيام الولايات المتحدة باغتيال قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني وزعيم ميليشيات “الحشد الشعبي” العراقية أبو مهدي المهندس.
وعندما وصلت إدارة بايدن إلى السلطة، كان من المتوقع على نطاق واسع أن تتراجع عن موقف الإدارة السابقة، بحسب الصحيفة.
وتضيف: “على سبيل المثال، في عهد ترامب، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على الحرس الثوري والحوثيين في اليمن، في المقابل رفعت إدارة بايدن العقوبات المفروضة على الحوثيين لكنها أبقتها حتى الآن على الحرس الثوري الإيراني”.
وتطالب إيران برفع هذه العقوبات في إطار العودة للاتفاق الإيراني، كما تطالب بعدم المعاقبة ومنح الحرية في العمل والتحرك للحرس الثوري وكذلك الجماعات المرتبطة به في المنطقة.
وتشير الصحيفة إلى أن إيران تريد أموالاً من الغرب كابتزاز لمنعها من تطوير أسلحة نووية مع الاحتفاظ بـ “الحق” في السيطرة على لبنان والعراق وسورية واليمن ثم استخدام تلك الدول لمهاجمة دول مجاورة مثل إسرائيل.
وتابعت: “هذا ليس سراً أو مسألة رأي، إيران تقول علانية: إن هذا ما يدور في خلدها، وتعتقد أن وحداتها في تلك الدول هي جزء من “المقاومة” وتقول صراحة إنها تريد استخدامها ضد الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى، مثل العديد من دول الخليج”. وخلال السنوات الماضية استخدمت إيران طائرات مسيَّرة وصواريخ لمهاجمة القوات الأمريكية في العراق وسورية، كما استهدفت الإمارات والسعودية وهاجمت سفناً في خليج عُمان.
وأدى ذلك إلى نُشوء وضع تعتقد إيران فيه أنها تتمتع بالإفلات من العقاب، فقد وقعت العشرات من الهجمات منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، دون أن يتم الإبلاغ عنها، كما وصل الأمر إلى النقطة التي تشنّ فيها الميليشيات الإيرانية هجمات دون النظر إلى العواقب “لأن الجميع يعلم أن لا أحد سينتقم”، وفقاً للصحيفة.