نداء بوست- أخبار اقتصاد- أحمد عكلة
شهدت أسعار النفط ارتفاعاً غير مسبوق بعد وصولها إلى مستوياتٍ هي الأعلى منذ 10 سنوات، حيث اقتربت من 120 دولاراً لبرميل خام برنت.
كما حذّر خبراءُ اقتصاديون من استمرار ارتفاع أسعار الطاقة وانعكاساته على الاقتصاد العالمي الذي عانى من جائحة كورونا.
ارتفاع نسب التضخُّم
وبحسب الخبراء فقد ارتفعت نسب التضخم ويحتمل زيادتها بدرجاتٍ متفاوتة في العالم، فيما تتزايد مخاوف الأمن الغذائي، إضافةً إلى تقلص القوة الشرائية في معظم أنحاء العالم.
من المرجح أن تستمر أسعار الطاقة العالمية في الارتفاع وذلك بسبب تصاعُد الحرب الروسية الأوكرانية وفرض الولايات المتحدة والدول الغربية عقوبات قاسية على قطاع الطاقة الروسي.
تراجُع الانتعاش الاقتصادي
ومن المنتظر أن تؤدي الأسعار المرتفعة إلى تراجُع الانتعاش الهشّ لقطاع التصنيع العالمي واستمرار تحدّيات سلاسل التوريد وزيادة الضغط على خطط الانتقال الطاقي.
وفرضت الولايات المتحدة وكندا حظراً على واردات النفط الروسية، بينما قالت بريطانيا: إنها ستمنع الواردات من روسيا تدريجياً بحلول نهاية العام.
وقفزت أسعار النفط بأكثر من 30 بالمئة منذ 24 شباط/ فبراير لتصل إلى 139 دولاراً قبل أن تتراجع، وتستقر على انخفاض بنحو 12 بالمئة ليسجل سعر البرميل 112 دولاراً.
استخدام الاحتياطي
كما وافقت وكالة الطاقة الدولية مؤخراً على استخدام 60 مليون برميل من النفط من الاحتياطيات الوطنية الإستراتيجية.
لكن هذه الخطوة ليست كافية لمواجهة الارتفاع الأخير في الأسعار خصوصاً في ظل امتناع الدول المنتجة للنفط عن زيادة الإنتاج من أجل الحصول على أكبر قدر من المكاسب من ارتفاع الأسعار.
وفي وقت سابق تعهَّد الرئيس الأمريكي جو بايدن وقادة آخرون بالعمل على تخفيف ضغوط ارتفاع الأسعار.
وأجرى مسؤولون من الولايات المتحدة محادثات مع منتجي النفط في دول السعودية والإمارات وفنزويلا بهدف تعزيز إمدادات النفط وتعويض غياب النفط الروسي في الأسواق.
وحول ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً أكد الباحث الاقتصادي في مركز جسور للدراسات خالد تركاوي أن “النفط يعتبر سلعة حسّاسة للغاية وأي تغيرات أو توترات في المشهد السياسي الدولي تدفع الدول إلى الاحتياط النفطي بشكل أكبر أي أن الطلب يزيد وذلك لأنهم يتخوفون من الانقطاع”.
زيادة الطلب وانخفاض العرض
كما أضاف تركاوي في حديث لموقع “نداء بوست” أنه “عندما يزيد الطلب فإن السعر سوف يرتفع لأن هذه سوق حرة، ومن الأمثلة في هذا الأمر أنه إذا تعرض أنبوب لتفجير في نيجيريا وهي دولة منتجة للنفط،وبقيت هذه الأنابيب عدة أيام معطَّلة فسوف يقل العرض العالمي وبالتالي فإن السعر سوف يرتفع كذلك”.
وبحسَب تركاوي فإن زيادة الطلب أو انخفاض المعروض من النفط هو السبب في ارتفاع الأسعار بشكل مباشر وأحد الأسباب التي تؤثر على الطلب والعرض هو الحروب والنزاعات الدولية.
واعتبر الباحث الاقتصادي أن “روسيا تُعتبَر من أهم الدول المُنتِجة للنفط في العالم ولديها 6 ملايين برميل يومياً معدة للتصدير، وهو رقم يُعتبر كبيراً نوعاً ما، وبعد نزاعها مع أوكرانيا فرضت الولايات المتحدة عليها عقوبات وهناك دراسة من دول أخرى لفرض عقوبات أخرى بعدم استيراد الطاقة من روسيا وكذلك الغاز والفحم”.
ولفت في حديثه إلى أن “هذا الأمر كان سبباً رئيسياً حيث انخفض المعروض العالمي مما سبَّب رفع الأسعار خصوصاً بعد مقاطعته من قِبل الولايات المتحدة والدول الحليفة معها التي تسعى للتخلص منه”.
وعن دور الدول المنتجة للنفط بارتفاعه أوضح أنه “من مصلحتها أن يبقى سعر النفط مرتفعاً خصوصاً بعد وصول سعر البرميل إلى 120 دولاراً، حيث إن السعودية تنتج يومياً 10 ملايين برميل في اليوم وهي تحصل على أرباح كبيرة من فَرْق الأسعار التي تقدر بـ ٧٠ دولاراً للبرميل الواحد”.
جميع الدول المنتجة للنفط لديها خطط تنموية واستثمارية ويأتي هذا الارتفاع بعد أزمة كورونا التي وصل فيها سعر البرميل إلى 25 دولاراً فالهدف هو تعويض الخسائر من وجهة نظر اقتصادية بحسَب ما أفاد تركاوي.
استثمار ارتفاع الأسعار
وسلط تركاوي الضوء على السبب في رفض الدول زيادة إنتاجها من وجهة نظر سياسية قائلاً: “هذه الدول لن تزيد إنتاجها لأنه في حال زادت عمليات الإنتاج فسوف ينخفض السعر وتتأثر مواردهم”.
وحول المفاوضات الأمريكية الخليجية بشأن زيادة الإنتاج أشار تركاوي إلى أنه “كذلك هناك مفاوضات بين الولايات المتحدة ودول خليجية من أجل رفع الكميات لتعويض نقص النفط الروسي، ولكن السعودية صرحت أنها ليست مسؤولة عن انخفاض العرض في السوق وهناك مخازن نفطية للسعودية تتعرض لضربات من قِبل الحوثيين”.
وبحسَب الباحث الاقتصادي فإن السعودية تسعى للحصول على حماية من قِبل الولايات المتحدة للمخازن النفطية والمنظومة الإنتاجية من خلال الحصول على معلومات استخباراتية ونقاط لضربها أو من خلال منظومة باتريوت تحمي المنطقة من أي صواريخ عابرة للأجواء السعودية وكذلك هناك تخوُّفات من قبل السعودية من المفاوضات الأمريكية الإيرانية وتأثيرها على الدور السعودي”.
ورأى أن الدول الأوروبية تحضر لمشاريع للاستغناء عن النفط وهي بدأتها منذ 15 عاماً وهي مستمرة ولكنها ربما لن تنتهي بعشر سنوات أي أن اعتمادها على الطاقة النووية أو طاقة الشمس أو الرياح تم البدء بها ولكنها تحتاج لسنوات لذلك فإن هذا الدول سوف تنتظر لإكمال مشاريعها ومن ثَم ستقول للنفط “لن نشتريك”.
من جهتها رصدت منصة إنفورماجين للاستشارات الأسباب الرئيسية وراء ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً وَفْق آراء المستهلكين.
وبحسَب المنصّة فإن المستهلكين قد أظهروا في مختلف البلدان تنوعاً في وجهات النظر حول السبب الرئيسي لارتفاع أسعار الطاقة على المستوى العالمي.
واعتبر حوالَيْ 28% أن سبب الارتفاع في الأسعار هو التقلبات في أسواق النفط والغاز بينما اعتبر 25% أن التوترات الجيوسياسية هي المسبب الأساسي.
وذكرت المنصة أن 18 بالمائة أكدوا أن السبب هو عدم كفاية العرض لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة ومواردها.
فيما أشار 13% إلى أن السبب يعود إلى اعتبارات سياسات تغيُّر المناخ فيما عزا 19% السبب إلى تغيُّر المناخ وهم مِن صُنّاع القرار في مجال إدارة الأعمال.
الولايات المتخذة تستخدم الاحتياطي
من جهته أمر الرئيس الأمريكي جو بايدن باستخدام كميات كبيرة من احتياطي النفط في الولايات المتحدة في محاولة لخفض تكاليف الوقود المرتفعة.
وقرر بايدن الإفراج عن ما يصل إلى 180 مليون برميل من النفط على مدى ستة أشهر، وهي خطوة غير مسبوقة في الولايات المتحدة.
ودعا الشركات إلى دفع مبالغ إضافية إذا اختارت عدم استخدام آبار النفط في الأراضي التي تستأجرها من الحكومة، بالإضافة إلى الاستثمار لتسريع تبني مصادر طاقة أكثر مراعاة للبيئة.
وأصبحت تكلفة الوقود المرتفعة قضية سياسية رئيسية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في الولايات المتحدة، التي تشهد انتخابات التجديد النصفي في تشرين الثاني/ نوفمبر.
ووَفْقاً لآخِر مؤشر للتضخم وزارة التجارة، استمرت أسعار الاستهلاك في الارتفاع في آذار/ مارس في الولايات المتحدة بزيادة نسبتها 6,4% خلال عام واحد و0,6% خلال شهر واحد.
اتجاه أوروبي نحو الجزائر
من جهتها تسعى الدول الأوروبية لتعويض نقص منتجات من النفط من خلال الاتجاه لزيادة كميات استيراد النفط الجزائري (الخام الصحراوي) حيث لعب دوراً مهماً في تزويد بعض المناطق الأوروبية بالإمدادات، في ظل نقص المعروض أمام الدول ضِمن تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا وفرض عقوبات على موسكو سبّبت تكدُّس الشحنات النفطية بموانيها.
وارتفعت صادرات الخام الصحراوي الجزائري إلى شمال غرب أوروبا وبعض دول البحر الأبيض المتوسط بنسبة 5%، مُسجلة 304 آلاف برميل يومياً، خلال مارس/آذار الماضي.
وتزامن ارتفاع الصادرات إلى أوروبا والبحر الأبيض المتوسط مع انخفاض شحنات النفط الجزائري إلى آسيا والمحيط الهادئ.
جدير بالذكر أن وكالة “رويترز” كشفت أن الصين كثّفت مشترياتها من احتياطياتها النفطية هذا العام حتى مع ارتفاع أسعار النفط، رغم دعوات واشنطن لإطلاق مخزونات عالمية منسقة، للمساعدة في تهدئة السوق.