لا يبدو أن مؤتمرات القمم العربية ومنها قمة “لمّ الشمل” الـ 31 للجامعة العربية، التي عُقدت في الجزائر العاصمة يومَيْ 1و2 من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، وبعد ثلاث سنوات من القمة التي سبقتها، قد آتت أُكلها، أو أنها أخرجت الزير من البئر، وهي في ذلك تعيد إنتاج مخرجات الواقع العربي الرسمي الآيل للتشتت والتشظِّي، دون القدرة على الخروج من الواقع الصعب، الذي تحيط به التهديدات من كل جانب، ليس آخِرها التهديد الإيراني بأطماعه التوسعية الذي بات همّاً أساسياً لجلّ أركان النظام الرسمي العربي، في ظل غياب المشروع العربي القوي والجدي في مواجهة المشروع الإيراني/ الفارسي ضِمن سياقات الواقع الإقليمي واستطالات هذا المشروع الذي لم يَعُدْ يهدد سورية أو العراق أو لبنان أو اليمن فحَسْبُ، بل تخطى ذلك إلى مجمل المحيط الإقليمي، وبالضرورة منه الواقع الخليجي برمته.
تعودنا أن تخرج مؤتمرات القمة كما خرجت القمة 31 بصيغ إنشائية، أما الأخيرة فقد بدت وكأنها قد جاءت بجديد، من الممكن أن يحرك المياه الراكدة، أو يعالج منتجات كل المتغيرات التي عبرت تحت الجسر في سنوات مضت وانقضت، فكان إعلان الجزائر بصيغته الشاملة العامة التي أكدت وشددت على أهمية التعاطي مع كل نتاجات الواقع العربي، عَبْر عقود سابقة، دون الدخول في مسائل إجرائية يمكنها أن تعطي الأمل الحقيقي بالخروج من عنق الزجاجة، وإذا أردنا الوقوف مع بعض بنود إعلان الجزائر فإنه يمكن القول:
– القضية الفلسطينية/ قضية العرب المركزية، حيث أفرد البيان لها 6 بنود رئيسية ليس فيها أي محدد أساسي، يمكن أن يُبنى عليه إجرائياً أو من الممكن أن يحرك أوضاع الفلسطينيين الصعبة، نحو أي دعم حقيقي أو جدي، بل جاء البيان ليعيد التذكير بالمبادرة العربية التي سبق وأُطلقت في قمة عام 2002 والتي نسي العرب ونسي العالم أنها موجودة أصلاً؛ لأن الكيان الصهيوني ومعه الأميركان والغرب عامة لم يتعاطوا معها بشكل جدي، ولا هي تحركت بشكل فعلي لدى العرب المعنيين بطرحها، ولعل إعادة تداولها اليوم هو بمثابة التأكيد من منطلق (فض العتب) ليس إلا، ناهيك عن البنود الأخرى المتعلقة بأوضاع الداخل الفلسطيني، وحصار غزة، واللحمة الفلسطينية، وكل ذلك لن يكون له أي صدى إنْ لم يفكروا بوضع آليات جديدة للمضيّ بها أو على هَدْيها ومساراتها.
– أما ما يخصّ المسألة السورية الأكثر تعقيداً فما زال الجزء الكبير من زعامات العالم العربي وعلى رأسهم الجزائر يصرون على إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية بالرغم من كل ما يفعله في الشعب السوري، وبالرغم من إصراره على الخيار العسكري.
وبقيت صياغات الإعلان بما يخص سورية تنوس حول (قيام الدول العربية بدور جماعي قيادي للمساهمة في جهود التوصل إلى حل سياسي للمسألة السورية ومعالجة كل تَبِعاتها السياسية والأمنية والإنسانية والاقتصادية، بما يضمن وحدة سورية وسيادتها ويحقق طموحات شعبها ويعيد لها أمنها واستقرارها ومكانتها إقليمياً ودولياً) ، وهذا النص جاء ضِمن سياقات عامة وليس لديه آليات إجرائية تضغط على النظام السوري لوقف المقتلة الأسدية ضد السوريين، كان آخِرها بعد القمة بأربعة أيام فقط، عَبْر المجزرة التي ارتكبها بحق مخيمات الشمال/ مخيم (مرام) في كفر جالس. وإذا كان شرط المملكة العربية السعودية وبعض الدول العربية لعودة النظام إلى الجامعة العربية يرتبط بخروج إيران من سورية، فهو شرط مهم لا شك في ذلك، لكنه لن يتحقق بما للنظام من علاقة تحالفية كبرى مع الإيرانيين لا يمكنه الخروج منها، حتى لو قرر ذلك، وهو لن يقرر، بينما اعتبر السفير السعودي في الجامعة العربية “أن السعودية ترى في إيران بلداً جاراً تمد يدها له دائماً للتوصل إلى اتفاق تُوقف إيران بموجبه عمليات زعزعة الاستقرار العربي، واعتبر أن الوجود الإيراني في سورية هو ما يعيق عودة سورية إلى جامعة الدول العربية اليوم.”
في وقت نجد فيه أنه وبالرغم من تعليق عضوية النظام السوري في الجامعة العربية، فقد حرصت الجزائر البلد المنظّم للقمة، على رفع علمه بين أعلام الدول المشاركة، كما أصرت على أن يكون للنظام السوري مقعد شاغر بين الحاضرين للقمة.
لا تلوح في الأفق أيّ تحرُّكات نحو أية تسوية سياسية لمسألة مهمة بحجم القضية السورية مع نظامه الإجرامي، وهي التي تجاوزت العقدَ ونيِّفاً. وتوضّح من خلال هذه القمم أن العرب غير قادرين على تحقيق أي اختراق يوصل إلى حل سلمي، ناهيك عن انشغال أميركا وأوروبا في أوضاع أوكرانيا وهو الهم الأكبر الذي يشغلهم حالياً. وسوف يكون اجتماع مؤتمر “القمة العربية” المقبل في العاصمة السعودية الرياض، وقد اعتبروا أن ملف عودة سورية إلى “الجامعة” سيكون على قائمة أجندات السعودية خلال العام المقبل.
– علاوة على شمول البيان كل المشاكل العربية في كل الساحات من اليمن، ووضعها يُعتبر تحدِّياً كبيراً للعالم العربي في مواجهة النفوذ والأطماع الإيرانية. إلى لبنان إلى ليبيا الغارقة في فوضى لا حدود لها خلفت دماراً وكوارث في هذا البلد، إلى الصومال وجيبوتي، دون القدرة على وضع أية محددات إجرائية أو تشكيل أي وفود للعمل ضِمن سياقات الاشتغال الجدي لحل أية مشكلة من مشاكل العرب التي لا تنتهي، ولم ينسَ المجتمعون دعم دولة قطر في مواجهة الحملات التي تتعرض لها من خلال استضافتها لكأس العالم في كرة القدم، لكن كل ما خرج من قرارات أو إعلان لم يستطع أن يتخطى كونه بياناً أو إعلاناً أو قراراً لا يلزم أحداً، وليس لديه أي إجراءات تنفيذية يعتمد عليها أو يُبنى على أساسها. والعراق شبيه باليمن وسورية من ناحية تمدد النفوذ الإيراني، بينما العرب في حالة غياب عن الحضور في الساحة العراقية.
عقد أي قمة عربية لا يمكن أن يبتعد اليوم عن مسألة أنها جاءت ضِمن تحوُّلات دراماتيكية دولية كبرى، لعل أبرزها الغزو الروسي لأوكرانيا، وما تسبّب به هذا الغزو من أزمات على صُعُد كثيرة كالطاقة والغذاء والتضخم الكبير، وهو ما ساهم بدوره في تراجُع الاهتمام الدولي بالمسألة الفلسطينية والمسألة السورية أيضاً.
يتركز الاهتمام الغربي والأميركي في مسألة بعينها، وهي ماهية وآلية توفير الطاقة للأسواق العالمية، وقد تبين ذلك عَبْر سجالات بين الولايات المتحدة الأميركية والسعودية، وأيضاً دول عربية أخرى منتجة للنفط. وواقع الحال يقول: إن الخلافات بين العرب ما تزال أقوى من كل القواسم المشتركة البينية، وهذا لا يعطي أي أمل لا في مواجهة إيران، ولا في حل مشاكل سورية وفلسطين ولا أي بلد عربي آخر. في وقت يشهد فيه العالم انتقالاً من نظام القطبية الواحدة إلى نظام تعدُّد القطبية، وتتصاعد حِدّة الاستقطاب الشاقولي بين الأميركان والغرب من جهة وروسيا والصين ودول أخرى من جهة ثانية، حيث يُفترض ضِمن هذه التغيرات العالمية أن تكون الدول العربية أكثر تجمُّعاً وتوافُقاً في مواجهة تلك التحدِّيات الكبرى التي تنتظرها على كل الصُّعُد كي تتمكن من أن تحجز لنفسها مكاناً أفضل وأرقى يُمكِّنها من العيش ضِمن خطوط التغير المُعَولَم، وهذا التنافُس العالمي الذي قد يأخذ في طريقه كل شيء.