المصدر: بوليتيكو
ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: مايكل وحيد حنا وديلاني سيمون
مع استمرار الغزو الدموي الذي يقوده الرئيس فلاديمير بوتين ضد أوكرانيا، تتزايد الضغوط لتصنيف روسيا كدولة راعية للإرهاب، وهي خُطوة من شأنها أن تفرض عقوبات جديدة على موسكو وتضعها ضِمن قائمة الدول التي تعاملها الولايات المتحدة على أنها منبوذة. ولكن في حين أن سلوك روسيا الوحشي والعدواني في أوكرانيا يستحق إدانة وردّاً قوياً، إلّا أن تصنيف الدولة الراعية هو الأداة الخطأ في الوقت الخطأ.
لقد قاوم الرئيس جو بايدن اتخاذ هذه الخُطوة، ولكن مع ذلك فإن الكونغرس، بتوجيه من القيادة العُليا، بما في ذلك رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، يمضي قدماً، مع مشاريع قوانين في كل من مجلسَي النواب والشيوخ من شأنها أن تُصنّف روسيا من الناحية التشريعية. وهذا من شأنه أن يعرقل جهود السلام المستقبلية ويكون له آثار أخرى عكسية، بينما لا يقدم شيئاً لتقوية كييف في صدّ العدوان الروسي.
ما الذي سيفعله تصنيف روسيا؟ إنه يؤدي إلى فرض قيود على الصادرات ويضع قيوداً على المساعدات الخارجية والحصول على إعفاء من الديون. قد تفرض عقوبات يمكن أن تنتهي بمعاقبة الكيانات والأفراد الذين يتاجرون مع الدولة الخاضعة للعقوبات. كما أنه يحدّ من حقّ الدولة المُصنَّفة في الحصانة السيادية، مما يجعلها أكثر عرضة للدعاوى القضائية في المحاكم الأمريكية. ولكن ربما يكون الأمر الأكثر أهمية هو الوصمة التي يخلقها هذا التصنيف؛ فلأن الولايات المتحدة تستخدم رعاية الدولة لتصنيف بلد ما على أنه منبوذ، تميل كل من الشركات الأمريكية وغير الأمريكية إلى الابتعاد عن المُصنَّفين، حتى عندما لا يُطلب منهم ذلك من الناحية الفنية.
قد يبدو تصنيف الدولة الراعية للإرهاب عقاباً مناسباً للهجوم الروسي على أوكرانيا، ولكن لعدة أسباب، من المحتمل أن يأتي بنتائج عكسية.
أولاً، يُعتبر تعيين الدولة الراعية أداة فجّة للغاية لاستخدامها مع روسيا، الدولة التي لا يزال يتعين على الولايات المتحدة العمل معها على المسرح العالمي. يجب على المُشرِّعين أن ينظروا إلى البلدان المُدرَجة بالفعل في القوائم التي تتبناها الحكومية الأمريكية وهي كوبا وكوريا الشمالية وإيران وسورية: هذه جميع البلدان التي لا تربط الولايات المتحدة معها علاقات رسمية أو تجارية. على الرغم من كل الخلافات بين الولايات المتحدة وروسيا، إلا أنها لم تصل بعد إلى تلك المرحلة، ولا ينبغي السعي إلى ذلك. في حين أن العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وروسيا متوترة بشكل متزايد، فإنها لا تزال قائمة، وتظلّ ضرورية لإدارة الأزمات العالمية. في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وفي المنتديات الأخرى متعددة الأطراف، ليس أمام الولايات المتحدة وروسيا خيار سوى العمل معاً للحفاظ على عشرات بعثات السلام التابعة للأمم المتحدة، والمساعدات عَبْر الحدود لسورية، ومفاوضات السلام في صراعات مثل ليبيا واليمن وغير ذلك من المشاريع الأخرى. حتى الدبلوماسية الثنائية السرية، مثل المفاوضات الحالية حول سجن لاعبة كرة السلة الأمريكية بريتني غراينر وبول ويلان (التي عارضت أختها علناً الإجراء) يمكن أن تتعرض للخطر بسبب التصنيف.
ثانياً، يتعين على المشرّعين أن يأخذوا بعين الاعتبار الآثار المترتبة على الحرب الروسية في أوكرانيا. فبينما يبدو من الصعب تخيل المفاوضات بعد الإجراءات التصعيدية الأخيرة لروسيا، فإن الحفاظ على مساحة للأطراف للعودة إلى الطاولة والتفاوض على اتفاقية يمكن أن تتعايش معها كييف يجب أن يظل هدفاً رئيسياً، لا سيما بالنظر إلى الاحتمالات غير المؤكدة التي يحظى بها أي من الجانبين لتحقيق النصر العسكري. فالتعيين سيجعل ذلك أكثر صعوبة حيث ستريد روسيا بالتأكيد رفع هذه العقوبة قبل الموافقة على أي اتفاق سلام مستقبلي، في الوقت التي ستظهر فيه الولايات المتحدة ممانعتها لإزالة التصنيف لأنه من المعروف أن الدولة التي تتبنى تصنيف الإرهاب تعتبر عنيدة.
ولرفعها، سيتعين على الإدارة المستقبلية أن تكسب دعم الكونغرس المتأثر بالأدلة المتزايدة على الفظائع الروسية وما يقابلها من مشاعر عامة. وكمسألة قانونية، سيتعين عليها أيضاً إظهار أن سلوك روسيا، أو زعيمها، قد تغير – وكلاهما احتمال بعيد التحقق.
هناك أيضاً زاوية تتعلق بالقضاء، حيث سيحدّ التصنيف من الحصانة السيادية لروسيا في المحاكم الأمريكية ويفتح عليها باب رفع الدعاوى القضائية التي يرفعها المدعون الأمريكيون. فقد استغرقت القضايا المرفوعة ضد الدول الأخرى الراعية للإرهاب سنوات وعقّدت بشكل جدّي الجهود المبذولة لرفع التصنيف. في حالة روسيا، يمكن لمثل هذا الأمر المتعلق بالتقاضي أن يخلق المزيد من العقبات أمام أي مفاوضات سلام مستقبلية. كما يمكن أن يقلل المبلغ الإجمالي المتاح للضحايا الأوكرانيين كتعويض عن جرائم الحرب إذا تبع ذلك دعاوى قضائية ناجحة.
ثالثاً، من شأن مشاريع القوانين في الكونغرس أن تشوّش بشكل غير مفيد معنى مصطلح “الإرهاب”. يبدو أن مشروع القانون يوازن بين جرائم الحرب المزعومة التي ارتكبتها القوات الروسية والأنشطة التي نفذتها الدولة الروسية وبين “الإرهاب” لأغراض قانون التصنيف. تقليدياً، سعت الولايات المتحدة إلى التمييز بين الإرهاب، الذي يُعرَّف عموماً على أنه عنف سياسي ترتكبه جهات من غير الدول، عن الأعمال العدائية التي تقوم بها أجهزة أمن الدولة، حتى لو كانت تنتهك قوانين الحرب. إن عدم وضوح المفهومين يخاطر بإنشاء سابقة يتمّ تعميمها بشكل غير مفيد لمصطلح مفرط بالفعل، في عملية تعريض الولايات المتحدة وشركائها لأنواع مماثلة من التصنيفات من قِبل الخصوم في المستقبل.
رابعاً، بالنسبة لملايين المدنيين الذين انقلبت حياتهم رأساً على عَقِب بسبب الحرب، سواء في أوكرانيا أو المتأثرين بالتداعيات الاقتصادية في جميع أنحاء العالم، فإن هذه الخُطوة قد تجعل الحياة أكثر صعوبة. كما لُوحظ، جعلت التصنيفات السابقة للإرهاب التعامل مع الدولة المدرجة في القائمة شديدة الخطورة. سيكون من الصعب الوصول إلى الصفقات التي تخفف من التكاليف الإنسانية للحرب، مثل صفقة الحبوب التي تدعمها الأمم المتحدة، إذا كانت الشركات ومنظمات الإغاثة تخشى أن تسهيل تسليم السلع من مصادر روسية سيعرضها لمخاطر قانونية أو تتعلق بالسمعة. في حين أنه من الصعب توقُع موجات الصدمات الاقتصادية التي يمكن أن تنجم عن التصنيف، نظراً لأن الاقتصاد الروسي أكبر بكثير من اقتصاد أي دولة أخرى تم تصنيفها سابقاً، إلا أنها يمكن أن تزيد من تفاقُم الآثار السلبية للحرب على الفئات الأكثر ضعفاً في العالم، الذين يعانون بالفعل من نقص السلع وتزايد انعدام الأمن الغذائي، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى.
خامساً، قد تؤدي طبيعة التصنيف الأمريكي والمعايير المرتبطة بشكل عامّ بالحذف من القائمة إلى زيادة المخاوف الروسية من أن سياسة الولايات المتحدة تهدف في الواقع إلى تغيير النظام. نظراً لأن أحد المسارين القانونييْنِ للإزالة ينطوي على تغيير في قيادة الدولة المُصنَّفة، فقد يفسر بوتين التصنيف على أنه دعوة علنية لتغيير الحكومة الروسية، وهي إشارة خطيرة لإطلاق خصم مسلح نووياً، وهي خُطوة تجنَّبها بايدن بعناية.
أخيراً، على الرغم من جميع المخاطر والتكاليف التي قد يفرضها التصنيف، فإن احتمالية نجاحه في تغيير مسار روسيا بشكل كبير منخفضة للغاية. فالعقوبات المكثفة والتحقيقات في جرائم الحرب والإدانة الدولية لأعمال روسيا لم تردع بوتين حتى الآن؛ ومن الصعب أن نتخيل أن قائمة الإرهاب هذه ستكون القشَّة التي تكسر أخيراً ظهر موسكو لثنيها عن الاستمرار في خوض الحرب.
إذن ماذا يجب أن يفعل الكونغرس؟ أفضل طريقة للكونغرس لإرسال رسالة تدين الفظائع الروسية المزعومة هي دعم الجهود التي تبذلها الإدارة بالفعل لضمان المساءلة عنها. إن دعم أنشطة التحقيق الأوكرانية الحالية وجمع الأدلة لجرائم الحرب يمكن أن يسهل قضايا المحاكم الوطنية والدولية عندما يصبح ذلك ممكناً.
لقد أشار كبار المشرعين بالفعل إلى أنهم استعادوا دعم الإدارة في هذه الجهود، ولكن إحدى الطرق التي يمكنهم من خلالها جعل دعمهم للمساءلة أكثر وضوحاً هو سدّ ثغرة في المخطط القانوني للولايات المتحدة لمحاكمة مجرمي الحرب. يفرض قانون جرائم الحرب لعام 1996 عقوبات جنائية على جرائم الحرب، بما في ذلك الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف، المرتكبة من قِبل أو ضدّ المواطنين الأمريكيين أو أفراد القوات المسلحة الأمريكية. ومن شأن تعديله للسماح بمحاكمة الرعايا الأجانب الموجودين في الولايات المتحدة أن يرسل إشارة تضامُن مع أوكرانيا، ويوضح أن الولايات المتحدة تعتبر نفسها جزءاً – وليس استثناءً – من نظام العدالة الجنائية الدولي.
حتى الآن، كان ردّ الولايات المتحدة على الحرب الروسية في أوكرانيا جديراً بالملاحظة لكونه متكافئاً وقوياً وحكيماً ولا ينبغي للكونغرس أن يحرفه عن مساره بتسمية تنطوي على مخاطرة كبيرة. أكثر الطرق الواعدة للمضيّ قُدُماً هي أن تتبع الولايات المتحدة مسارها الحالي: دعم أوكرانيا بالأسلحة والأموال وتعزيز جهود المساءلة العالمية، مع الابتعاد عن السياسات التي تخاطر بإلحاق المزيد من الضرر بأوكرانيا والعالم بأَسْره.