نداء بوست – هاني العبد الله – اسطنبول
لم يكن “لؤي العثمان” وهو لاجئ سوري في فرنسا، يصدّق أن بإمكانه هناك تذوق الحلويات السورية التي كان يخشى أن يُحرَم منها بعد لجوئه، فتفوُّق السوريين ونجاحاتهم في مجال الحلويات في تركيا، وصلت لدرجة أنه أصبح بإمكان أي سوري في أوروبا أو أي منطقة في العالم، أن يحصل على الحلوى التي يُفضل، وكأنه يستلم حوالةً مالية.
رغم ظروف اللجوء والغربة، لكن السوريين استطاعوا مواجهة كل التحدِّيات ونقل نجاحاتهم إلى بلدان اللجوء، ففي تركيا أصبحت الحلويات السورية حاضرة بقوة في السوق، لدرجة أنها تفوقت على الحلويات التركية المشهورة حول العالم.
إسطنبول كانت من أكثر المدن التركية، التي انتشرت فيها محلات الحلويات، فلو تجوّلت في شارع الأمنيات بمنطقة الفاتح، ستجد محلات الحلويات منتشرة على جانبَي الطريق، لدرجة تنسى للحظات أنك في تركيا.
من الباب للباب
أُصيب “لؤي العثمان” بخيبة أمل، حين استقر في منطقة ضمن ضواحي مدينة ستراسبورغ الفرنسية، ولم يجد أي محلات للسوريين، لكنه شعر بالسعادة حين قرأ عدة منشورات على الفيسبوك لمحلات حلويات في تركيا، تقوم بشحن الحلويات لأي مكانٍ في العالم.
يقول العثمان لموقع “نداء بوست”: لم أتردد ودخلت فوراً على رابط الواتس الذي وضعه محل حلويات نور الدين في إسطنبول، للتواصل معه من أجل تحديد الطلب وشحنه، استفسرت عن الأسعار والأنواع، واتفقت معه على خمسة كيلو كنافة مبرومة وخمسة كيلو حلو عربي مشكل، وخلال أسبوع وصلت الحلويات إلى منزلي”.
تختلف الأسعار وآلية الشحن من محلٍ لآخر، حسب جودة الحلويات وحجم الطلب وطريقة الشحن، فلو أراد الشخص طلب كمية معينة من الحلويات، فيوجد أمامه ثلاث طرق: الأولى أن يتواصل مع محل الحلويات، وهو يتكفّل بتغليف الطلب وشحنه عَبْر التنسيق مع مكتب شحن.
الطريقة الثانية التي تُعتبر الأفضل، وهي أن يقوم الزبون بالتواصل مع محلات حلويات معروفة، لديها وكلاء توزيع في أوروبا ودول العالم، حيث تقوم تلك المحلات بشكلٍ دوري بإرسال شحنات من الحلويات إلى وكيلها الحصري في الخارج، والذي يقوم بدوره بإيصال الحلويات إلى منزل كل زبون خلال مدة لا تتجاوز الثلاثة أيام.
أما الطريقة الثالثة فهي أن يقوم الشخص الموجود خارج تركيا بتحديد نوع وكمية الحلويات التي يريد، وتحويل سعرها عَبْر الحساب البنكي إلى صاحب المحل، الذي يتكفّل بعملية تغليفها، ومن ثَم يطلب الزبون من أحد معارفه في تركيا أن يأخذ الحلويات إلى مكتب الشحن من أجل تحويلها.
من خلال التواصل مع مكتب شحن في تركيا، فضّل عدم ذكر اسمه قال: إن “أغلب مكاتب شحن الحلويات، تقوم بشحن كميات كبيرة من الحلويات لا تقل عن 50 أو 100 كيلو، وكلما زادت الكمية تقل التكلفة.
لكن صاحب المكتب أوضح لموقع “نداء بوست”، أن مكتبهم يحاول تيسير الأمور أمام الزبائن ويشحن كميات أصغر من الحلويات تصل لعشرة كيلو لأي دولة في العالم، حيث ذكر أن تكلفة شحن 10 كيلو هي 10 دولارات للكيلو الواحد، والـ 20 كيلو بـ 8.5 دولار للكيلو، و30 كيلو بـ 7.5 دولار للكيلو.
وأضاف المكتب أن فترة الشحن تستغرق من عشرة إلى 15 يوماً، حيث يتم إرسال الشحنة إلى بلغاريا، ومن هناك تتكفل مكاتب شحن دولية بإيصالها إلى منزل الزبون، ولا سيما شركتَيْ (يو بي إس) و (ت إن تي).
ردود فعل متفاوتة
موقع “نداء بوست” استفسر من بعض السوريين الموجودين في أوروبا، عن رأيهم بالحلويات التي اشتروها عبر الشحن من تركيا، وكانت ردود الفعل متفاوتة.
هديل الأسمر، لاجئة سورية تقيم في مدينة شتوتغارت الألمانية، اشترت الشهر الماضي حلويات من محل السلطان في إسطنبول، وكان انطباعها إيجابياً حيث قالت: “أعجبتني كثيراً طريقة التغليف وجودة الحلويات، حيث كان مذاقها رائعاً وكأني اشتريتها للتو، علماً أنها وصلتني بعد أسبوعٍ من طلبها”.
أما “زهير شيخ تلت”، وهو لاجئ سوري يقيم في مدينة روتردام الهولندية، فعبّر عن استيائه من شحنة الحلويات التي وصلته قائلاً: “اشترى لي صديقي في إسطنبول حلويات من أحد المحلات، وقام بشحنها عبر أحد مكاتب الشحن الموجودة في منطقة أكسراي، وكان الاتفاق أن تصل بعد ثمانية أيام”.
يضيف شيخ تلت: “لم تصل الحلويات إلا بعد عشرين يوماً، حيث كنت دوماً أتواصل مع مكتب الشحن للاستفسار عن موعد وصول الطلبية، وكان يقول كل يوم إنها ستصلني في اليوم التالي، لكن يبدو أنه كان كاذباً، وكان ينتظر أن يتجمع لديه وزن كبير ويقوم بشحنه دفعةً واحدة”.
تأخر وصول شحنة الحلويات إلى منزل “زهير شيخ تلت”، تسبّب في تلفها، حيث تغيّر مذاقها وأكلتها الرطوبة بسبب سوء تخزينها، ليضيف قائلاً: إذا أردت حلويات فاخرة، اشترِها من محلات موثوقة، تتكلف هي بشحنها، أو تتعامل مع مكاتب شحن ذات صِيت جيد”.
“رضوان الفارس”، لاجئ سوري مقيم في السويد، حصل معه الشيء ذاته الذي حصل مع “زهير شيخ تلت”، لذلك توصل إلى نتيجة مفادها “إذا بدك شي طيب لا تسترخص”، لافتاً إلى أنه يتعامل مع محل زيتونة أوغلو الذي لديه وكيل توزيع حصري في أوروبا، يقوم بتوصيل الطلب خلال يومين، حيث يتقاضى 4 يوروات مقابل شحن كل كيلو”.
منافسة قوية
منذ بَدْء لجوء السوريين إلى تركيا، افتتح الكثير منهم أعمالاً تجارية كانت شبيهة إلى حدّ كبير بالأعمال التي كانوا يزاولونها في سورية، وكانت الحلويات بمثابة نقل للمطبخ السوري “في نطاق الحلويات” إلى تركيا، على الرغم من أن الأخيرة تُعتبر رائدة في صناعة الحلويات على مستوى الشرق الأوسط.
تعتبر محالّ حلويات “زيتونة والسلطان ونور الدين وعباس أوغلو وسلورة، من أشهر محالّ الحلويات السورية في إسطنبول، والتي تستقطب الزبائن بشكل مُلفِت.
الحلويات السورية كانت منافساً شرساً للحلويات التركية، ولا سيما أن الحلو السوري له أشكال وأنواع كثيرة، ويشتهر بغناه بأنواع المكسرات، مثل الفستق الحلبي واللوز والجوز والكاجو والصنوبر، أما الحلويات التركية فهي أقل تنوعاً.
يقول “أبو نديم لطوف”، لاجئ سوري مقيم في مدينة غازي عينتاب التركية: “حين تقول حلو تركي، فالأمر يقتصر على البقلاوة والكنافة، وحين تقول حلو سوري، فأنت تفتح باباً لا ينتهي من الأنواع والأصناف، منها بلورية، عصملية، لسان العصفور، حلاوة الجبن، تاج الملك، هريسة، شعيبيات، مدلوقة، معجوقة، عش البلبل، وربات، قطايف، إسوارة الست، وأنواع كثيرة أخرى”.
يضيف “أبو نديم” الذي يمتلك محل حلويات صغير: “الحلويات السورية أصبحت منافسة قوية للحلويات التركية لعدة أسباب، أبرزها التنوع في الأصناف والسعر الأفضل، والمذاق الأطيب والمظهر الأجمل، لدرجة أنه أصبح لدينا الكثير من الزبائن الأتراك، وفي كل فترة أشحن كميات من الحلويات إلى مواطنين أتراك موجودين في ألمانيا”.
“مصطفى جانسيز”، مواطن تركي في إسطنبول، اعترف بجودة الحلويات السورية، حيث قال: “تلفت انتباهي كثيراً الحلويات السورية وطريقة عرضها، ما يدفعني إلى الدخول للمحل للسؤال عنها وتذوقها وشرائها”.
وأضاف جانسيز: “مشكلة الحلويات التركية أن صانعيها يغرقونها بالقطر والفستق الحلبي والزبدة، وهذا يؤثر على مذاقها، على عكس الحلويات السورية التي تشعر أن هناك إتقاناً في صنعها، لدرجة أني صرت أرسل حلويات سورية إلى أقاربي في ألمانيا”.
في فترة الأعياد تُستنفر محالّ الحلويات السورية على وجه الخصوص في إسطنبول، وكأنها خليّة نحل، تستقبل زبائنها، وسط طقس يشبه إلى حدّ كبير طقوس دمشق.
أسعار حسب الجودة
تختلف أسعار الحلويات السورية من محلٍّ لآخر، وأفاد “أبو نديم لطوف”، صاحب محل حلويات في غازي عينتاب، أن سعر الحلو يرتفع حسب جودة المكسرات والسمن العربي داخلها، فكيلو الحلو العربي يمكن أن تشتريه من بعض المحلات بـ 250 ليرة، ومن محلات أخرى بـ 650 ليرة”.
موقع “نداء بوست” استطلع عن أسعار أكثر الحلويات طلباً في عدة محلات ضمن إسطنبول، وتبيّن أن هناك تقارُباً في الأسعار بين المحلات المعروفة والتي تشهد إقبالاً واسعاً.
وبلغ سعر كيلو البقلاوة المشكّل بالفستق والكاجو 480 ليرة تركية، عش البلبل بالفستق 600 ليرة، كنافة مبرومة 650 ليرة، كول وشكور 650، بلورية بالفستق 540، هريسة 170، فيصلية 320، مدلوقة 150، عصملية 160، حلاوة الجبن بالقشدة 120، ونابلسية 130.
وأوضح أبو نديم، أن انخفاض قيمة الليرة أمام الدولار الأمريكي باستمرار، يتسبب بارتفاعٍ جزئي في أسعار الحلويات، بسبب غلاء المواد الأولية، ولكن عندما يكون هناك استقرار في سعر الصرف فإن أسعار الحلويات في تركيا تبقى ثابتة، عكس ما كان يحصل في سورية، لافتاً إلى أن كثيراً من الحلويات السورية أسعارها أقل من الحلو التركي”.
ويحتفي الإعلام التركي بشكل متكرِّر بالأعمال والمِهَن السورية، وخصوصاً الحلويات، حيث يفرد العديد من موادّه للحديث عن نجاحات السوريين في هذه المِهْنة بالإضافة إلى مطابخ الطعام.