نداء بوست- ملفات- خاص
في بثّ مباشر على تطبيق “تيك توك”، تضع سيدة سورية تقيم في مدينة حلب تعليقاً وكأنه بلاغ أو شكوى، مفادها أنها تعرضت للسرقة من قِبل أحد شبان حيها، وأن جميع الأبواب أُغلقت في وجهها بعد رفض اللص إعادة محفظتها التي تضم مبلغاً مالياً وبطاقة شخصية.
هذا باختصار ما بات يحدث بشكل شِبه يومي على صفحة “اليوتيوبر” يمان نجار، الذي بات أشبه بملجأ للموالين لتحصيل حقوقهم وتسليط الضوء على الفساد الذي تشهده مناطق سيطرة النظام، بعد أن كان الشاب السوري اللاجئ في هولندا يكرس طاقاته وموهبته في الاستهزاء بمؤسسات النظام وأفرعه الأمنية.
مقالب يمان
بدأ يمان ينال الشهرة بعد إجرائه مكالمة هاتفية مع الفنان أيمن رضا منتحلاً صفة ضابط أمني، ليقوم الأخير بكشف سلسلة من ملفات الفساد داخل الوسط الفني وعلاقة بعض الفنانين مع الأفرع الأمنية.
وبالتزامن مع ذلك كان نجار يجري اتصالات مع أقسام شرطة ودوائر حكومية وأفرع أمنية، يطالبها في بعض الأحيان بالاستنفار ونشر عناصر ودوريات على طريق ما لأن موكباً رفيعاً سيسلكه، أو يطالب بقطع الكهرباء عن مخفر شرطة لوجود حريق أو ماس كهربائي، وغيرها من المواقف التي كان القصد منها فكاهياً.
نجح فيما عجزت عنه أفرع الأسد
مع قدرة نجار على الوصول إلى الأفرع وحديثه مع الضباط باللهجة الساحلية منتحلاً شخصية الملازم أول أبو صقر، زاد عدد متابعيه وبات ينال ثقة الجمهور والذي يضمّ نسبة لا بأس بها من الموالين المقيمين في مناطق سيطرة النظام، حتى تحول إلى مقصد لتحصيل الحقوق وتقديم الشكاوى.
استطاع يمان أن يُجبر شاباً على مسح صور لفتاة كان على علاقة معها وبدأ يبتزها بصورها، كما أنه كشف شاباً كان ينتحل صفة فتاة ويقوم بالنصب على المراهقين والحصول على مبالغ مالية منهم مقابل الحديث معهم وإعطائهم وعوداً بإقامة علاقات غير شرعية معهم.
كذلك تلقى “أبو صقر” في أحد البثوث بلاغاً يفيد بوجود شخص في اللاذقية يبيع المخدرات للشبان، كما أنه فضح شبكة دعارة، وكشف رجلاً يقوم بفتح منزل يملكه ويؤجره لاستخدامه كبيت للدعارة بتغطية ودعم من رجل أمن تابع للنظام السوري.
ولعل المقلب الأشهر هو ذلك الذي قام به بعد تلقيه رسالة تفيد بقيام مخبر للنظام يدعى عبد الرحمن سبسبي ويلقب بـ”أبي جمال” بكتابة تقرير ضد شاب يعمل لإعالة أهله ما أدى إلى سوقه إلى معسكرات التجنيد الإجباري.
وخلال حديث يمان مع “أبي جمال” بدأ الأخير بكشف الأسرار، التي كان من ضمنها اعترافه بتحويل مبالغ مالية كبيرة إلى اللواء لؤي معلا إلى سويسرا، بواسطة عشيقة الأخير رنا إبراهيم.
وتم إيقاع سبسبي بشَرك نجار، حين اتصل به في بادئ الأمر بصفة ضابط أمن وطالبه بالقدوم إلى الفرع، ومن ثم عاود الاتصال به بصفة فاعل خير من داخل الفرع يخبره أن أبا صقر يعد كميناً له وسيعتقله، ضِمن حملة اعتقالات طالت اللواء معلا والمتعاونين معه، فما كان من سبسبي إلا أن يهرب إلى تركيا بعد أن دفع 3800 دولار أمريكي.
فراغ أمني يملؤه “يوتيوبر”
جميع ما سبق، يشير إلى انعدام ثقة الموالين بالنظام السوري وأفرعه الأمنية، وحاجتهم إلى سلطة حقيقية تكون على قدر من المسؤولية يلجؤون إليها لحل مشاكلهم مهما كانت صغيرة أو كبيرة، فما كان للسيدة “أم خالد” أن تطلب من نجار إعادة محفظتها من السارق الذي تعرفه لو أن هناك أجهزة أمنية مهتمة بحماية المواطنين وحفظ حقوقهم وإعادتها.
كما أن مقالب نجار دليل صغير على حجم الظلم والفساد الذي يعاني منه القابعون تحت سطوة نظام الأسد وأفرعه الأمنية الكثيرة، والذي أجبر الشاب “أبو هلال” على ترك مقاعد الدراسة والعمل ببيع المخدرات في اللاذقية لصالح أحد “الرؤوس الكبار”، حسب ما قال في إحدى المكالمات.
50 عاماً من حكم “أبو صقر” للسوريين
لا بد من الإشارة إلى استمرار “رهبة” لهجة الأقلية الطائفية على الأكثرية السورية، فمجرد استخدام نجار للهجة أهل الساحل المنتمين للطائفة العلوية، مكنه من اختراق الأفرع الأمنية والحديث مع ضباط كبار والتحكم في دوائر حكومية من المفترض أن لا يكون لعناصر الأمن سلطة عليها، فضلاً عن صِغَرِ رتبة الضابط الذي يعطي التوجيهات “الملازم أول أبو صقر”.
وتكشف هذه الاختراقات الانهيار الحقيقي في بنية النظام السوري وتحوُّله من الدور المفترض أن يشغله إلى مافيات ودولة دويلات يحكم كلاً منها الفرعُ المسيطرُ على الأرض أو الإقطاعي الذي يحمل صفة أمنية أو يحظى بدعم من مسؤول أو ضابط ما.