يظهر في أحد الفيديوهات مرتزقة روس يضحكون ويصرخون وهم يدقون بمطرقة ثقيلة أيديَ وأقداماً ملطخة بالدماء لرجل سوري ويركلونه، وهو يتلوّى على الأرض ويصرخ من الألم. وفي مقطع آخر، يُودِي تعذيب الكوماندوز لفريستهم بحياته بشكل مروّع: قطعوا رأسه بالسكاكين والمجارف وأضرموا بجسده النار.
المرتزقة من “فاغنر” -وهي شركة روسية عسكرية خاصة متعاقدة ومرتبطة بوزارة الدفاع الروسية ومديرية المخابرات الرئيسية (GRU)- متهمون بقتل محمد طه إسماعيل العبد الله، المعروف أيضاً باسم “حمدي بوتا”، في عام 2017، وتركت عائلته تسير في طريق قانوني طويل وصعب على أمل أنه في يوم من الأيام، سيتم تحميل شخصٍ مَا المسؤولية عن العنف الذي يعجز اللسان عن وصفه والذي تعرض له الرجل الذي يحبونه.
إن إعلان المحكمة الجنائية الدولية الأسبوع الماضي أنها ستفتح تحقيقاً في جرائم الحرب المحتملة خلال غزو موسكو الأخير لأوكرانيا، يأمل الكثيرون في أن يُحاسَب الجيش الروسي والمسؤولون الحكوميون وفلاديمير بوتين نفسه على القتل والدمار. حيث تمطر الطائرات الروسية الآن وقطع المدفعية المدن الأوكرانية بوابل من القذائف.
“هذا التحقيق الذي تم افتتاحه على مستوى المحكمة الجنائية الدولية مهم أيضاً لأننا نعلم أن المحكمة الجنائية الدولية ستكون الوحيدة القادرة على محاكمة بوتين أو النظر في مقاضاته”، هذا ما قاله كليمنس بيكارت، وهو محامٍ يمثل عائلة بوتا بالنيابة عن الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان حقوق (FIDH) ، لـ دايلي بيست.
من بين أولئك الذين يتطلعون إلى إمكانية تحقيق العدالة في جرائم الحرب الروسية المزعومة في الغزو الأخير، هناك سلسلة من العائلات والمحامين الذين انتظروا سنوات للحصول على فرصتهم لمواجهة الرجال المسؤولين عن جرائم ضد أحبائهم وعملائهم. ويقول أفراد عائلات أولئك الذين قُتلوا على يد قوات الدفاع الجوي الروسية -التي أسقطت رحلة الخطوط الجوية الماليزية رقم 17 (MH17) في عام 2014- والمرتزقة الروس في سورية: إنهم يأملون في أن تكون معاركهم القانونية الطويلة في يوم من الأيام بمثابة سوابق لمساعدة المدعين الأوكرانيين في الحصول على العدالة في المحكمة. إنهم يأملون أيضاً أن التحقيق الذي أعلنت عنه المحكمة الجنائية الدولية مؤخراً يمكن أن يساعد في تحريك قضاياهم.
قال بيكارت لصحيفة ديلي بيست: “هناك مجالات أخرى أنا متأكد من أنها ستفتح في الأيام والأسابيع المقبلة مع هذا الضغط الغربي والاستعداد للتركيز على جانب المساءلة فيما يحدث”. “نأمل أن تفتح العديد من سُبل العدالة للضحايا الأوكرانيين الحاليين ونأمل أن تلقي الضوء أيضاً على الجرائم التي ارتكبتها الدولة والجيش الروسيان في الشيشان وسورية وتحاسب على الجرائم التي ارتكبتها روسيا.
إن مسار المساءلة الروسية في أوكرانيا في أعقاب الغزو الحالي أوضح بكثير من الخيارات المتاحة لأولئك الذين يسعون إلى مقاضاة مرتكبي جرائم الحرب الروسية في أماكن مثل سورية.
أوكرانيا ليست دولةً طرفاً في نظام روما الأساسي -المعاهدة الدولية التي أنشأت المحكمة الجنائية الدولية (ICC) وتحكمها- لكن بعد الغزو الروسي في عام 2014، صرّحت الحكومة الأوكرانية بأنها ستقبل اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، مما يمنح ضحايا جرائم الحرب المزعومة حيّزاً مباشراً أكثر للمساءلة الدولية.
وبدلاً من ذلك، كان على محامي عائلة بوتا أن يسلك طريقاً أكثر التفافاً نحو المساءلة من خلال المحاكم الروسية. فقد رفع بيكارت وزميله محامي الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان مازن درويش، إلى جانب المحامين إيليا نوفيكوف وبيوتر زيكين، قضية جنائية لدى لجنة التحقيق في الاتحاد الروسي بعد أن نشرت صحيفة نوفايا غازيتا تحقيقاً في عام 2019 حددت فيه ضابط الشرطة الروسي السابق، ستانيسلاف ديتشكو، باعتباره مرتزق “فاغنر” الذي صوَّر التعذيب والقتل.
وكما كان المحامون يخشون، رفضت لجنة التحقيق الروسية حتى الآن النظر في القضية، كما ثبت عدم جدوى الجهود المبذولة لإعلان تقاعُسهم عن العمل بموجب القانون الروسي.
يأمل محامو عائلة بوتا أن يتمكنوا في نهاية المطاف من استخدام تقاعُس روسيا في إحالة القضية إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، التي لها ولاية قضائية على روسيا، ليس فقط في تحقيق العدالة لعائلة بوتا، ولكن أيضاً وضع سابقة يمكن أن تكون مفيدة حيث يواجه الأوكرانيون الآن موجة جديدة من الهجمات من مرتزقة “فاغنر”.
يقول بيكارت: “ما سيكون مهماً حقاً في قضية المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان هو أننا سنحاول جعل المحكمة تقيم صلة بين مجموعة فاغنر والدولة الروسية”.
“فاغنر”، شكلياً هي شركة متعاقدين عسكريين خاصة ، عملت كذراع للجيش الروسي وشركة خاصة وقاتلت بشكل دوري لصالح الحكومة الروسية منذ الغزو الأول في عام 2014. وقال مسؤولون استخباراتيون أوروبيون لصحيفة “نيويورك تايمز”: إن الجيش الروسي قام مؤخراً بإرسال مئات من جنود “فاغنر” إلى أوكرانيا منذ الهجوم الأخير، مما أثار مخاوف من أن الشركة، المعروفة بسلسلة من انتهاكات حقوق الإنسان في جميع أنحاء الشرق الأوسط وإفريقيا، ستُطلق العنان لقتل المدنيين الأوكرانيين.
بينما يحاول محامو الأسرة المضيّ قدماً في قضيتهم، فإنهم يعملون أيضاً مع الأوكرانيين لمشاركة خبرتهم في رفع الدعاوى ضد القوات الروسية.
وقد قال درويش لصحيفة دايلي بيست: “نتواصل مع زملائنا الأوكرانيين ونحاول دفعهم لجمع الأدلة والبيانات وتوثيق كل هذه الجرائم”. “نحاول أن نشارك خبراتنا في التوثيق والتحقق وكيف يمكننا استخدام هذه كدليل قانوني”.
ولكن حتى مع انتظار أوكرانيا للمحاكم الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية لرفع دعاوى ضد روسيا في خضمّ الغزو الحالي، لا يزال ضحايا الهجمات السابقة على المدنيين ينتظرون العدالة.
بيت بلويج هو رئيس مؤسسة الكوارث (MH17)، التي تُمثِّل عائلات 298 مدنياً قُتلوا عندما أسقط نظام صاروخي روسي من طراز Buk طائرة ركاب تجارية في عام 2014 بعد أن ظنوا خطأً أنها طائرة عسكرية أوكرانية. فقد بلويج شقيقه أليكس وزوجة أخيه إديث وابن أخيه روبرت في الهجوم الذي لم تعترف به روسيا قط.
قال لصحيفة ديلي بيست: إن عملية الحصول على حكم نهائي من محكمة مستقلة يمكن أن تستغرق وقتاً طويلاً.
مات والداي منذ عامين. كانوا مسنين تركا أطفالهما وأحفادهما. وأضاف: “لم يعشوا ليروا ذلك يحدث”. “مات الكثير من أقارب أعضاء مؤسسة MH17 في السنوات الثماني الماضية. هذا أمر محزن للغاية بالنسبة لهم لأنهم لم يحصلوا على أي عدالة”.
في حالة عائلات مؤسسة الكوارث MH17 ، ساعد فريق التحقيق المشترك -وهو فريق عمل من المحققين من عدد من البلدان- المدعين العامين في محكمة مقاطعة لاهاي في هولندا في رفع قضية ضد ثلاثة مواطنين روس ورجل أوكراني لدورهم في تنفيذ هجوم. ومن المتوقع أن تصدر المحكمة حكمها في وقت لاحق هذا العام.
يقول بلويج: إنه يأمل وعائلات أخرى في أن يتمكن الأوكرانيون يوماً ما من محاسبة المسؤولين الروس على جرائم مماثلة على الأراضي الأوكرانية.
يقول بلويج: “لقد أنعم الله علينا بمحاكم مستقلة، وبقدر ما أستطيع أن أرى جميع الأقارب لديهم ثقة مُطلَقة في النظام القضائي هنا”. “بالنسبة للأوكرانيين، يحتاجون إلى دعم المجتمع العالمي بأسره”.
ويضيف بلويج: “من المهم جداً بالنسبة لهم أن يحافظوا على إيمانهم بأن العدالة ستتحقق في مرحلةٍ مَا”. “مجرمو الحرب والمجرمون لا يمكنهم الإفلات بفعلتهم”.