لن أدخل بالقضايا الفقهية الإسلامية المعمّقة، ولا بمسائل الدين تشريعاً أو فلسفةً أو علماً؛ لا لشيء، إلا لأنني لست ضليعاً بها. سأحصر نفسي بالعنوان المعتمد لهذه السطور؛ والذي قد يرى البعض فيه تجديفاً، أو تشكيكاً، أو غمزاً، أو لمزاً. ولكنني كلغوي أجزم أن مفردة {إسلام} أو {مسلم} أو {إسلامي} أو{إسلاموي} لا يفوقها استخداماً تقنياً أو اصطلاحياً أو دلالياً بين البشر في أيامنا هذه أي مفردة -كيفما ومهما تنوعت لغاتهم-؛ وخاصةً في الخطاب الإعلامي والسياسي.
لقد كُتِب وقِيل في هذه المفردات ودلالاتها الدينية أو المعتقدية أو الثقافية أو المعرفية أو الحياتية، أكثر مما كُتِب أو قِيل في أي مفردات أخرى في أي لغة أو ثقافة. وأجزم أيضاً أنه ما تعرضت ثقافة أو مفهوم أو دين أو مسلك أو معتقد أو شعب أو أمة كما تعرضت له هذه العبارات من هجوم. فما سِرُّكَ أيها الإسلام لتتعرّض لكل ذلك، وتبقى صامداً، وفي ازدياد انتشار؟ هل السر فيك أم في أهلك، أم في أمر آخر؟ وهل ما ينالك، أو ما تتعرض له من أهلك ومن الآخرين سر ذلك؟
* لو كنت تاريخاً لمُحيت، أو تم التبرؤ منك، بقدر ما رُميت بما لم يُنزل الله به من سلطان من قِبل أهلك والآخرين…
* لو كنت أمبراطورية لهُدمت حجراً بعد حجر؛ فلم يبق حجر أو رُقْم في تكوينك المعماري إلا وتم للأسف تلطيخه وتجريمه وتقبيحه، حتى ظنّ كثيرون أن هذا التيار المعماري العظيم يتساقط من كثرة ما ينوء به من أحمال…
* سُرقتَ كحافلة قادها شذاذ آفاق، فتكوا ببعض البلاد والعباد؛ وصمَدْتَ مشرقاً متألقاً، وفي ازدياد وانتشار.
* بيتُ مالك باسمك يُسرَق؛ وباسم أطفالك يُنهَب؛ وتبقى الأغنى….
* باسمك بنى الدكتاتوريون جوامع؛ وظّفوا فيها صغاراً يدعون لهم أكثر مما يذكرون اسم الله…
* لا يقع حدث إرهابي في عالمنا إلا وتجد أن أول ما يتبادر إلى ذهن المتلقي هو أن الفاعل مسلم؛ ومع كل ذلك تجد أن أسماء المواليد- في بعض البلدان التي دخلتها حديثاً – في تكاثر…
* يطلق بعض أهل كوكبنا ذقونهم، فلا يثير ذلك أحداً؛ وما أن ترتبط الذقن المطلقة باسمك حتى تثير الخوف والاشمئزاز والرعب…
* شهد وصلّى وصام وحج مئات الملايين تحت رايتك؛ كثير منهم لم يرَ ذلك إلا طقوساً؛ ومع ذلك، بقوا على سجلاتك؛ وبقيت صامداً رغم نفاقهم وصغرهم؛ وبقيت في كبرك…
* امتطاك كثيرون لتسويق أهوائهم ومصالحهم وملياراتهم؛ وصَمَدْتَ، وكنت منهم براء؛ فتساقطوا بين الزلة والزلة…
* أراد الفرس وغيرهم أن يتبرؤوا من لغتك، وإذ بهم يجدون أن أكثر من نصف مفرداتهم من اللغة التي نَزَلْتَ بها…
* تلظى ملالي طهران تحت رايتك؛ فسموا ما استولوا عليه من الشاه “جمهورية إسلامية”؛ وإذ بهم باسمك يذبحون الآخرين…
* سمّى هؤلاء الملالي في إعلامهم الانتفاضات الشعبية العربية بداية) نهوض الإسلام (the Islamic Rise-، ولكنهم سرعان ما استنفروا لذبح تلك الصرخات وللحفاظ على عصابات حاكمة، اشتروها بخبثهم…
*إسرائيل رغم جبروتها ودعم العالم لها، لم تتمكن من تمرير” الدولة اليهودية”؛ ولا تزال” الجمهورية الإسلامية الإيرانية” عبارة مستهجنة؛ وهناك شذاذ آفاق خرجوا علينا بشيء سمّوه” الدولة الإسلامية في العراق والشام “؛ ولا بد أدركوا كمية الاستفزاز في تسميات كهذه…
* خُلقت ” داعش ” ورَفعت رايتك وأقامت دولة باسمك، فقدَّمَت أبشع ما شهدته البشرية سابقاً وحاضراً: شوهت تعاليمك، قطعت الرؤوس، سَبَتِ الأعراض، وخرّبت الضرع والزرع، وحمت الظالم، ودمرت المظلوم؛ ودفعت قوى العالم الأخبث منها إلى إنشاء تحالف عنوانه "مقاومة الدولة الإسلامية". والكلمة المفتاحية هنا هي {الإسلامية}.
أيها الإسلام، عندما نفهمك بالشكل والمضمون الصحيح، لن تجدنا نقاوم طاغية بمماثلته بالطرح أو المسلك الطائفي، ولن نتمكن من محاربة الجهل بالمناهج الدينية، ولا التخلف بالفتاوى، ولا الفقر بالدعاء، ولا الفساد بالخُطَب. إن إطعام جائع، أو إغاثة ملهوف، أو الوقوف في وجه مستبد، ومقاومته تُقرّب أكثر إلى الله وجنّته.
أيها الإسلام، نهيتنا عن الغيبة والنميمة لتحفظ حسناتنا، وتعزز صحتنا الاجتماعية؛ فلماذا نختار ما نهيت عنه؟! دعوتنا للصلاة والتواصل مع خالقنا، ليكون ذلك كالماء الذي يأتي منه كل خير؛ فلماذا نقطع هذه الصلة، ونختار الجفاف؟! لماذا تقدم لنا الأكسجين في كل كلمة فيك، ونختار أن نهجر قراءة وفهم وتمثُّل ما فيك؟!
أيها الإسلام لماذا قادة عِظام حافظوا على كرامة شعوبهم، ولم يسرقوا أو يقتلوا أو يشرّدوا شعوبهم بل أعلوا من شأن أممهم، رغم أنهم لم يكونوا على قيودك أو في سجلاتك؟! مئات الأسئلة تدور في رأسي؛ ولكن أكتفي بما ورد، ليتنا وعلّنا نصحو.
أيها الإسلام؛ فيك كل القيم السامية، والأخلاقيات العظيمة، والتعاليم النبيلة. فيك مَن قال: ”متى استعبدتم الناس، وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا”؛ وفيك من خرج على الفقر بسيفه؛ ومن قال:” لا إكراه في الدين”. فيك مَن أغاث الملهوف، وأسعف الفقير، ورحم اليتيم، وصان العرض، وحفظ الأمانة، ودعا إلى العلم ولو في الصين. فيك ما يملأ مجلدات ليجعل الإنسانية ترتقي. ولكن مِن أين جاءك مَن يقتل الناس جميعاً، ومَن يساعد الظالم والمستبد، ومَن يُكْره على الدين، ويسبي الأعراض؟! هل لأنك كبير ينهشك الصغار؟ هل لأن أهلك تركوا قيمك وأخلاقياتك وتعاليمك، ينزل بهم عقاب كهذا؟ أيها الإسلام؛ ماذا فعلنا بك؟! وما سرُّك؟! وكيف تبقى صامداً؟!