يبدو أن الأوضاع في لبنان ذاهبة إلى مزيد من التصعيد على كل المستويات على الرغم من كل التحركات السياسية والدبلوماسية محلياً وفي اتجاه الخارج، ولم تحقّق التحركات الجارية بعد أي إنجاز ملموس يُبنى عليه، في وقت ينتظر اللبنانيون استحقاق الانتخابات النيابية علّه يكون بداية للتغيير الذي يطمحون إليه، وينتشلهم من حالة الإحباط واليأس التي أوصلتهم إليها السلطة السياسية.
الصحافي اللبناني "صهيب جوهر" قال لـ"نداء بوست": لا يمكن الجزم بإجراء الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية من عدمه، كون السياسة اللبنانية لا تحكمها مسارات دستورية أو أخلاقية، والواقع يشير إلى أن القوى المُمسِكة بعنق البلاد مُستعِدَّة للمغامرة به سياسياً وأمنياً حتى في ظل الانهيارات القائمة في كل القطاعات.
"جوهر" يضيف أن هذا الانهيار معطوف عليه تعطيل حزب الله للحكومة ورفض القيام بأي خطوة باتجاه إصلاح العلاقة مع دول الخليج عقب أزمة تصريحات وزير الإعلام "جورج قرداحي"، وعليه فإن الملفات الخلافية والتحيزات السياسية والإقليمية أدت لفرض واقع سياسي جديد على البلاد.
في الملف السياسي، يلفت الصحافي اللبناني إلى أن الملفات الخلافية حالياً في لبنان لا تنحصر بأزمتَي المحقق العدلي بملف انفجار مرفأ بيروت القاضي بيطار واستقالة الوزير قرداحي، إنّما المعركة الأكبر ستكون على الانتخابات النيابية وتحديد موعد إجرائها، فرئيس الجمهورية ميشال عون كان واضحاً جداً، عندما قال: إنه لا يريد إجراء الانتخابات في آذار/ مارس، ويرفض التمديد للمجلس النيابي، ويشير "جوهر" إلى أنّ ذلك يُعَدّ رسالة واضحة موجَّهة إلى "حزب الله،" لأن عون يسعى لإجبار الحزب على تفاهُمات بخريطة طريق مستقبلية واضحة.
"جوهر" يعتبر أنّ عدم إمضاء عون مرسوم دعوة الهيئات الناخبة في آذار/ مارس هو الورقة الجديدة التي سيستخدمها في وجه الأطراف كافةً، وتحديداً حزب الله، لأنه عندما قرر الحزب تعطيل الحكومة على خلفية الإصرار على عزل قاضي التحقيق بجريمة المرفأ طارق بيطار، سحب الحزب ورقة التأثير على الحكومة من يد ميشال عون وجبران باسيل، لا سيما أن هذه الورقة كانت هي ورقة القوة بيد عون وصهره باسيل، وحالياً بقي لدى عون ورقة واحدة، وهي التهديد بعدم توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة لإجراء الانتخابات النيابية، لذا فإن عون سيطرح على حزب الله إما تسوية تُلبِّي له شروطه أي الاتفاق على المرحلة المقبلة ابتداءً من انتخابات رئاسة الجمهورية والتعيينات القضائية والأمنية والسياسية أو الاستمرار في مسار التعطيل، والبقاء في القصر الجمهوري في حال عدم إجراء الانتخابات وعدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية. هذا المسار يعني -وفق "جوهر"- أنه منذ بداية العام 2022 ولغاية شهر أيلول/ سبتمبر منه وهي وقت افتتاح المدة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية- تبرز استحالة التوافُق على تشكيل حكومة جديدة، وهذا في حال جرت انتخابات نيابية وبقيت الأوضاع على حالها، لذا تبقى الحكومة الحالية في حال تصريف أعمال.
ولن يوافق عون على تسليمها الصلاحيات الدستورية، ويقول الصحافي اللبناني لـ"نداء بوست" "هنا يكمن الصراع الحقيقي الذي يقود إلى أزمة دستورية عميقة مرتبطة بالأزمة السياسية والنتيجة المكرَّسة، هي: يمكن للبنان أن يستمر من دون رئيس ومن دون حكومة".
يتابع "جوهر" ويقول: "إنّ حزب الله قد لا يُفضِّل إجراء انتخابات نيابية لمجموعة من الأسباب وهي خوفه من أن تؤدي الانتخابات إلى خسارة الأغلبية البرلمانية التي حصل عليها الحزب في 2018 وهي تعتمد على حليف مسيحي وهو التيار الوطني الحر وربط النزاع مع السُّنَّة عَبْر اتفاق مع تيار المستقبل، وهذه الأغلبية منحت الحزب فرصة للمغامرة في حروب المنطقة بشكل أوسع معتمداً على غطاء الحلفاء وربط النزاع مع الحريري وجنبلاط"، ويرى متحدثنا أن أيّ خسارة في لبنان سياسياً أو إدارياً ستؤدي في النهاية لحرمان إيران ورقة قوة في التفاوض مع واشنطن والدول الكبرى حيث سيصبح مضطراً إلى التنازل في الملف اللبناني، كما أن حلفاء الحزب باتوا إما محاصرين أو معاقبين أمريكياً وأوروبياً، وهو يفضل إجراء انتخابات رئاسية قبل النيابية لضمان الإتيان برئيس جمهورية حليف يختاره البرلمان الحالي الذي يُعتبر بيد الحزب.
ويشير "جوهر" إلى أنّ اجتماعات جرت منذ أيام في إحدى العواصم الأوروبية لمسؤولين دبلوماسيين على اطلاع بحيثيات الملف اللبناني وجرى نقاش محاولات قُوًى سياسية لبنانية لتأجيل الانتخابات البرلمانية خوفاً من أن تتكبَّد هزيمة تُفقدها حضورها السياسي في ظل الحديث عن رغبة شريحة كبيرة من اللبنانيين بالتغيير السياسي وهذا ما ترجمته الأرقام المهولة للمغتربين المسجلين في الانتخابات.
"جوهر" يكشف أنّ المسؤولين الأوروبيين اتفقوا على الذهاب باتجاه تشكيل مجموعة ضغط تهدف لإجراء الانتخابات البرلمانية إما في آذار/ مارس أو أيار/ مايو من العام المقبل، والتهديد بأنّ أيّ محاولة للتأجيل ستؤدي لسلسلة من العقوبات أبرزها: وقف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والذي يعتمد على التفاوض مع جهات شرعية منتخبة وغير مُمَدَّد لها، ما قد يتسبب بوقف مسار أيّ تفاوُض مع الصناديق الدولية المانحة وبالمحصلة وقف الدعم عن المؤسسات اللبنانية الرسمية والأهلية.
ويؤكد الباحث بالشؤون الإقليمية أنّ المسؤولين الغربيين سينقلون بشكل قريب رسالة للبنان مفادها "ضرورة الانتباه من توسُّع لوائح العقوبات الأمريكيّة، ومسار التحقيقات الجنائيّة في المحاكم الأوروبيّة المتعلّقة بممارسات لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة"، وعليه، سيكون لأيّ عرقلة متعمَّدة كلفة باهظة على الأطراف المتسبّبة بها، وتحديداً إذا وصلت المسألة إلى حدّ عرقلة استحقاقات انتخابية والتي يراهن عليها المجتمع الدولي لإحداث تغيير في جوهر التكوين السياسي اللبناني، وفي حال جرى تأجيلها لمصلحة حزب الله أو التيار الوطني الحر يعني ذلك أن لبنان سيدخل في نفق مُعتِم في مُواجَهة المجتمع الدولي والعربي.