نداء بوست – ترجمات – ذا هيل
لقد وصلتُ مؤخراً -بدخول من غير قيود- إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية للمرة الأولى منذ أن بدأت جائحة "كوفيد-19". ولعل القول المأثور (ما أشبه الليلة بالبارحة) ينطبق على حالنا. فمن خلال لقائي بقادة فتح والسلطة الفلسطينية، وجدت أن محاور حديثهم لم تتغير لتتوافق مع الحقائق الجديدة. ولا يزال شعبهم يعتبرهم متصلبين وفاسدين، وتراجعت شعبيتهم بعد حرب غزة في شهر أيار/ مايو بينما ارتفعت شعبية عدوهم اللدود "حماس"، حتى أصبح يُنظر إليها على أنها المدافع الحقيقي عن القدس.
وخلال الحرب المُسمّاة "عملية حارس الجدران"، لم يُقدِّر المحللون الأمريكيون هزيمة حماس كما يجب. فقد قامت القنابل الذكية الإسرائيلية بتدمير شبكة أنفاق "حماس" تحت الأرض التي اجتاحت غزة. وبالنظر إلى كيفية ربط حماس للصواريخ والأنفاق، فإن الخسائر في أرواح المدنيين كانت أقل بشكل كبير مما حققته الجيوش الأخرى في حروب المدن. لذا ينبغي على الولايات المتحدة وحلفائها تحليل هذه الحرب لإيجاد طرق لتحقيق نتائج مع تقليل الخسائر في صفوف المدنيين.
إن الوجود الإيراني لم يكن قبل عامين راسخاً في سورية كما هو عليه اليوم. فلقد كان توسُّع إيران المُهيمن هو إحاطة إسرائيل بوكلائها، لجعل إسرائيل تُفكّر مرّتين قبل التفكير في توجيه ضربة نووية استباقية. إن ذراع إيران الأساسية هو حزب الله في لبنان، لكن سُوء إدارة حزب الله بصفته صاحب الأمر الواقع للدولة اللبنانية تسبَّب في انهيار اقتصادي في البلاد، وقد تكون لبنان على شفير حرب أهلية. وبناء عليه يمكننا القول إن هذا فرق كبير قد حدث خلال عامين.
كما أنه وقبل عامين أيضاً، اعتقدت إدارة ترامب أن تسليم سورية لروسيا من شأنه أن يجرّ روسيا إلى التورّط في مستنقع. لكن الروس حُكماء لدرجة تمنع وقوعهم في شَرَك مثل هذا. فلقد كسبوا ما أرادوا من الحرب السورية كما أنهم أصبحوا القوّة الرئيسية في الشرق الأوسط، لمواءَمة تحرُّكات جميع اللاعبين مع ما يناسب المصالح الروسية. فمنذ انتهاء الحرب بشكل أساسي قبل عامين، كان إنجازهم المهم هو توسيع ميناء طرطوس على البحر الأبيض المتوسط وقاعدة جوية متقدمة في اللاذقية.
فالقواعد الروسية الجديدة تهدد الحلفاء الأمريكيين في حوض البحر الأبيض المتوسط المهم للغاية بإمكانياته الهائلة من الوقود الأحفوري. أما الآن فتحتاج روسيا إلى الاستقرار لترسيخ مكاسبها، لكنها لن تضع قوات على الأرض لإزالة إيران. وستنسق روسيا مع إسرائيل، مما يسمح لها بضرب وكلاء إيران، لكنها سَتُذكّر إسرائيل بعدم تجاوُز أي "خطوط حمراء" تُقوّض مصالحها.
إن عنوان الجولة السابعة القادمة من المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران هو تجنّب النقاش في هذا الموضوع. فقبل عامين، كانت نسبة تخصيب اليورانيوم في إيران أقل من 20 في المائة، لكنها اليوم قريبة من درجة تخصيب الأسلحة بنسبة 90%. وتختلف التطورات النووية السريّة في إيران اختلافاً عميقاً عما كانت عليه قبل عامين فقط.
وعلى الجبهة السياسية، أصبحت القيادة الإيرانية أكثر تشدداً فقد يكون رئيسها الجديد، إبراهيم رئيسي، يمينياً أكثر من المرشد الأعلى علي خامنئي وهو المُرشح الرئيسي ليحل محل آية الله المريض. كما أن الرئيس (رئيسي) يتمتع باتصال وثيق مع الحرس الثوري الإسلامي، بوصفهم قوات المداهمة الإيرانية العاملة في الداخل والخارج.
إن هذا يعني أن الوقت قد حان لأن تَصمت إسرائيل أو تُصمت فيما يتعلق بتنفيذ ضربة على إيران- وهذا شيء يمكن أن يُشعل النار في المنطقة. حيث إن الحكومة الإسرائيلية تتحدث بصوت واحد علناً أن إيران "تهديد وجودي" لا يمكن الوثوق به في امتلاك أسلحة نووية. ومع ذلك، فإن الإسرائيليين يأسفون على فرصهم الضائعة في العمل، في عامَيْ 2007 و2012، عندما كان النجاح ممكناً تحقيقه بشكل أكبر، ولكن تم إحباطه من خلال تقدير الأمن القومي الأمريكي المتلاعب ومجلس الأمن الإسرائيلي المثير للجدل.
والسؤال هنا: هل تستطيع إسرائيل ضرب المنشآت النووية الإيرانية بشكل فعّال؟ ففي حين يقول معظم الخبراء الذين تحدثت معهم "نعم"، لكنهم في الوقت نفسه يعتقدون أن إسرائيل بحاجة إلى ستة أشهر أخرى على الأقل للاستعداد.
ويعرّف الأمريكيون والإسرائيليون النجاح من وجهات نظر مختلفة. فالأمريكيون يريدون حُلولاً لكن لا توجد قرارات نهائية مع البرنامج النووي الإيراني. فلا ينبغي لأحد أن يتوهّم أن هذا سيحل مشكلة إيران؛ لأنه لا يوجد مفتاح لفكّ شَفْرة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. فهدفنا هو خفض التوتر والبحث عن فرص للتحالف مع أصدقاء جُدُد وهذا لم يتغير منذ عامين.
والمثير للدهشة أن بعض الخبراء يعتقدون اليوم أن إسرائيل يمكن أن تعيش في جو من التهديد المتبادل مع إيران تضمنه منظومتَا قوةِ كلٍّ منهما، طالما أن إيران تعتقد أن إسرائيل لن تتردد في الاستفادة من ترسانتها النووية. فلا يقول هؤلاء الخبراء: إن التشيُّع الثوري الذي يُحفّز إيران يُشبه الاتحاد السوفيتي المُلحد، لكن تكتيك مبدأ ضمان التدمير المتبادل يمكن أن ينجح إذا تم النظر إلى إسرائيل على أنها قوية.
إن إسرائيل تخطط لاستثمار ضخم لجعل ضربة نووية ممكنة وسواء كان ذلك حقيقياً أم مجرد تصوُّر، فإن الضربة المحتملة هي جزء ضروري من إستراتيجية للحد من السلوك العدواني لإيران في جميع أنحاء المنطقة. ويقول خبراء الأمن والاستخبارات الإسرائيليون الذين تحدثت معهم: إن قاعدة الولايات المتحدة الصغيرة في "التنف"، في سورية، والتي تضم 400 إلى 1000 جندي أمريكي، لا تزال مهمة، ليس فقط لقيمتها التكتيكية ولكن أيضاً لما تمثله لحلفاء أمريكا، خاصة بعد الانسحاب من أفغانستان.
فالقاعدة الأمريكية تقف عثرة في طريق وصول أساسي لإيران لإيصال الأسلحة إلى أعدائنا. وعلى الرغم من عدم وقوع إصابات كبيرة هناك، إلا أن هجوماً شنته إيران الشهر الماضي كان من الممكن أن يقتل الجنود الأمريكيين لولا تحذير استخباراتي إسرائيلي لقواتنا قبل ساعات من الهجوم.
أما الآن وبعد أن انسحبت الولايات المتحدة من أفغانستان إلى قواعد دفاعية في العراق، فقد أصبحت مصادر الاستخبارات الإسرائيلية أكثر أهمية بكثير للأمن الأمريكي مما كانت عليه قبل عامين فقط. ومع انضمام إسرائيل إلى القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) ، فقد باتت معلوماتها تساعد في الحفاظ على قواتنا وتجعلهم أكثر أماناً وتُحسّن عملية اتخاذ القرار الإستراتيجي والتكتيكي.
إن فترة عامين في الشرق الأوسط قد تبدو بمثابة عمر كامل، ويمكن أن يستمر صبر أعداء أمريكا في المنطقة لعقود، بل وحتى لقرون. لذا يجب علينا تكييف إستراتيجيتنا مع الجدول الزمني الذي يستخدمه أعداؤنا.