ما تعلمته معظم الدول، هو أنه مع احتلال الولايات المتحدة مقعداً خلفياً في المنطقة، مفضلة التركيز على الصين، تترك دول أخرى لتتولى زمام الأمور وترى ما قد يأتي بعد ذلك.
لقد أثار لقاء وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة مع رئيس النظام السوري بشار الأسد في دمشق هذا الأسبوع الدهشة في جميع أنحاء المنطقة، وفي واشنطن، فالزيارة رمزية وذات أهمية، ويمكن أن تكون بمثابة تحوّل في المنطقة.
لقد قدمت الإمارات ودول أخرى مبادرات خفيفة لدمشق منذ سنوات، وهناك إجماع آخذاً في النماء بين الإمارات، والأردن، ومصر، والمملكة العربية السعودية، وشركائها على أن الوقت قد حان لإخراج سورية ونظامها من العزلة.
وأشارت فرانس 24 إلى أن "الزيارة يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها علامة على جهود إقليمية لإنهاء العزلة الدبلوماسية المفروضة على الأسد، في الوقت الذي تكافح فيه سورية أزمة اقتصادية متصاعدة ناجمة عن سنوات من الصراع وتفاقمت بسبب العقوبات الغربية".
ويتمثل الموقف الرسمي الإماراتي في أنها تدعم جهود إنهاء "الأزمة" في سورية أي إنهاء الصراع المستمر لأكثر من عقد من الزمان.
إن سورية منقسمة اليوم، وتقوم قوات سورية الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة بالسيطرة على شرق سورية، وتسيطر قوات معارضة بدعم تركي على أجزاء من شمال غرب وشمال سورية، بينما يسيطر النظام على بقية البلاد. وتلعب روسيا دوراً في دمشق واللاذقية، وتساعد النظام؛ كما أن إيران تلعب دوراً في البوكمال ومطار T-4 وبالقرب من الجولان، حيث يهدد وكلائها، مثل حزب الله، وإسرائيل.
وقد أفادت وسائل إعلام إماراتية أن الإمارات تريد أن ترى سورية "ترسخ الاستقرار في البلاد وتلبي تطلعات الشعب السوري الشقيق".
إن الولايات المتحدة ليست منزعجة ولقد حاولت عزل النظام السوري فحتى عام 2013، كان هناك اعتقاد بأن واشنطن قد تتدخل لصالح الثوار السوريين، الذين أصبحوا أكثر انقساماً بمرور الوقت وأكثر تطرفاً، ومع سيطرة "داعش" على جزء من سورية، وارتكاب إبادة جماعية في عام 2014، تغيرت سياسة الولايات المتحدة.
ففي خضم عملية التفاوض بشأن الاتفاق الإيراني، تحركت الولايات المتحدة لمحاربة "داعش" مع تحالف دولي، وانتهت بذلك الجهود من أجل الإطاحة بالأسد، وفي ظل إدارة ترامب، تحولت الولايات المتحدة إلى شراكة أوثق مع إسرائيل بسبب مخاوف بشأن ترسيخ إيران في سورية. ومع ذلك، تم استبعاد أمريكا أيضاً من المناقشات من خلال عملية أستانا المدعومة من روسيا، وقد سعت روسيا وتركيا وإيران إلى إدارة ملف سورية.
لقد شنت قوات المعارضة بدعم من تركيا عملية عسكرية في بداية عام 2016 وقامت بالسيطرة على مناطق شمال غرب سورية، وساعدت روسيا نظام الأسد على استعادة حلب في عام 2016، كما ساعدت الولايات المتحدة قوات سورية الديمقراطية على هزيمة داعش، وفي عام 2019، خانت إدارة ترامب شركائها في قوات سورية الديمقراطية وسمح ذلك بعملية لقوات المعارضة مدعومة من تركيا، لكن الولايات المتحدة تراجعت بعد ذلك عن الانسحاب من سورية وتركت الوضع حالياً يبدو وكأنه صراع مجمّد.
إن الصور خادعة على أية حال، ففي عام 2018، استعاد النظام المناطق القريبة من الجولان، وقد سعى إلى إعادة فتح العلاقات مع الأردن وربما حتى استيراد الوقود من مصر لمساعدة لبنان على تلبية احتياجاته من الطاقة، وفي غضون ذلك، تفرض الولايات المتحدة عقوبات على النظام الذي يرغب، كما ترغب إيران حليفة الأسد، التواصل مع الصين.
إن زيارة الإمارات مهمة لأن الإمارات شريك رئيسي للولايات المتحدة وأيضاً لأن لديها اتفاق سلام مع إسرائيل.
فقد قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس للصحفيين هذا الأسبوع "هذه الإدارة لن تعبر عن أي دعم لجهود تطبيع أو إعادة تأهيل بشار الأسد، وهو دكتاتور متوحش".
لكن على الولايات المتحدة أن تقول هذا: لقد علمت أن الزيارة قادمة.
أمريكا قلقة بالفعل بشأن شركائها في المنطقة، فواشنطن بعيدة عن كل من القاهرة والرياض في القضايا الرئيسية، كما أن الولايات المتحدة غاضبة من الانقلاب الأخير في السودان، ويبدو أن الرمال في المنطقة تنهارمن تحت أقدام أمريكا، هذا يعني أن لديها مشاكل مع معظم حلفائها وأصدقائها التقليديين، بينما أنقرة الآن فهي تتخذ موقفاً صلباً تجاه أمريكا وهي تشتري أسلحة من روسيا.
ولكن لا زال هناك نظام تحالف مؤيد للولايات المتحدة، وهو النظام المكون من إسرائيل، واليونان، وقبرص، والإمارات العربية المتحدة، ومصر، والمملكة العربية السعودية، والبحرين، والأردن، ويمكن اعتبار عمان، وتونس، والمغرب، والكويت دولًا مهمة ومستقرة أيضًا، أما العراق فهو رهينة إيران، باستثناء الجزء الكردي المتمتع بالحكم الذاتي، لكن حتى هناك أرسل الإيرانيون وفداً هذا الأسبوع.
وهددت تركيا بعملية جديدة داخل سورية.
هناك ثمة تساؤلات حول سياسة الولايات المتحدة تجاه سورية. فمن ناحية، بدَّ أن أمريكا قد تسمح أن يمد كل من الأردن ومصر لبنان بالطاقة عبر دمشق، ولكن من ناحية أخرى، قد تعيد الولايات المتحدة النظر في دورها في شرق سورية، لكن بريت ماكغورك، مهندس السياسة الأمريكية مع قوات سورية الديمقراطية وهو مسؤول أمريكي رئيسي اليوم، قد يعارض ذلك.
هناك البعض في إدارة بايدن ممن يريدون أن يخففوا حدة التعامل مع إيران. ويريد آخرون أن يكونوا صارمين، وقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على برنامج الطائرات بدون طيار الإيراني، لكن طهران تتاجر أيضاً بالنفط مع بكين، حتى تاريخ الحادث الأخير الذي أوقفت فيه إيران ناقلة نفط عادت من الصين.
وتصور التعليقات الأمريكية رحلة الإمارات على أنها إشكالية، هذا يعني أنه من المحتمل ألا يكون بالوناً اختبار لإدارة بايدن، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الإمارات كانت تقدم مبادرات مع الأسد في كانون الأول /ديسمبر 2018، كما اِلتقى رئيس المخابرات السورية علي مملوك مع المصريين منذ عام 2016، في زيارة مهمة في كانون الأول /ديسمبر 2018، في الوقت الذي أشارت فيه الإمارات إلى انفتاح جديد على دمشق.
وقد استضاف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسد في أيلول/ سبتمبر 2021 ورئيس الوزراء نفتالي بينيت في تشرين الأول/ أكتوبر، ووافقت مصر والأردن وسورية على خطة للطاقة في أيلول/ سبتمبر، كما تلقى ملك الأردن مكالمة هاتفية من الأسد في 3 تشرين الأول/ أكتوبر، وكانت هذه هي المرة الأولى منذ عقد من الزمن يتحدث فيها الرجلان رسمياً.
كما أرسلت سورية أحد وزرائها لزيارة المملكة العربية السعودية في أيار/ مايو، وهي زيارة أولى أخرى منذ عقد، ويُعتقد أن دول الخليج منفتحة الآن على استثمارات جديدة في سورية، فهم يسيرون بخفة ويتحركون ببطء وبشكل عملي.
إن حساب التوجه الجديد واضح فالإمارات والسعودية تريدان "الاستقرار" في المنطقة، إنهما يعارضان الإخوان المسلمين. النظام التركي بقيادة حزب العدالة والتنمية، الذي هو امتداد لجماعة الإخوان المسلمين وترتبط حماس بجماعة الإخوان، وكذلك النظام السابق في السودان، الذي تم الإطاحة به في عام 2019، ونظام مرسي السابق في مصر، كما أن قطر قريبة من تركيا والإخوان.
إن التنافس الإقليمي في هذا السياق هو التنافس الذي ترى فيه الرياض وأبو ظبي والقاهرة، الأسد على أنه يحتمل أن يعود إلى جامعة الدول العربية وكونه حصناً ضد من هم في إدلب، فضلاً عن احتمال إبعاده عن إيران، إن نظام الأسد فقير وضعيف ويجب أن يعتمد على إيران و الاعتقاد هو أنه مع القليل من الدعم، قد يعدل النظام موقفه بشكل طفيف.
لكن موقف إسرائيل هنا معقد فلقد حسّنت علاقاتها مع الأردن ومصر والإمارات والبحرين، الدول الرئيسية المشاركة في مبادرة سورية، وكان لها علاقات جيدة مع الجماعات المعارضة المعتدلة بالقرب من الجولان حتى هزمها نظام الأسد عام 2018. ومنذ ذلك الحين، عملت إسرائيل على منع ترسيخ إيران في سورية. لكن لـ تل أبيب أيضاً علاقات جيدة مع موسكو وأجرت محادثات مع روسيا بشأن سورية.
في الغرب، قد يُنظر إلى هذه الخطوة من قبل الإمارات على أنها مثيرة للجدل. هذا لأنه في بعض الأماكن، وخاصة في الولايات المتحدة، يُنظر إلى نظام الأسد على أنه تجسيد للشر، وينظر إليه البعض على أنه أسوأ من إيران، حيث ارتكب انتهاكات وحشية على مر السنين، في حين أن هناك أصوات في واشنطن تريد مقاربة ناعمة تجاه إيران، إلا أن هناك إجماعاً على أن الأسد لاعب سيء في المنطقة.
قبل عام 2011، لم يكن هذا هو الحال. فأولئك، كما هو حال وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري، الذين عارضوا سلام إسرائيل مع الخليج أرادوا استكشاف علاقات أفضل مع طهران ودمشق.
لكن هناك رواية أخرى شائعة بين أولئك الذين دعموا مقاتلي المعارضة السوريين وهي تقول أنه: يجب معارضة نظام الأسد.
ويُنظر أحياناً إلى تركيا وقطر، على أنهما مفتاحان لمعارضة النظام، وعلى هذا النحو، تفترض هذه الرواية أن الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية جزء من نظام استبدادي في المنطقة، يسعيان للعمل مع الأسد الاستبدادي.
ومع ذلك، فإن تركيا وقطر دولتان صلبتان أيضاً، لذا فإن السؤال العام هو أي من أنظمة التحالف هذه يفضل المرء.
يميل النظام التركي القطري إلى أن يكون قريباً من حماس وطالبان، ويميل النظام الذي تقوده السعودية إلى أن يكون قريباً من الأنظمة الاستبدادية التي تبدو أكثر علمانية، ويدعم النظام الإيراني حماس وحزب الله والميليشيات العراقية ووكلاء آخرين ينخرون في الدول.
وعندما تقول الإمارات إنها تريد "الاستقرار"، فإنها تزعم بأن عدم الاستقرار الذي تسببه إيران -ودور تركيا في إدلب في سورية، ودور حماس في غزة وليبيا -هو التهديد الأكبر.
وبالنسبة لواشنطن التي انسحبت في أماكن مثل أفغانستان، فإن السؤال سيكون ما إذا كانت المبادرة الجديدة من قبل الإمارات والدول الأخرى الموالية لأمريكا يمكن أن تحقق الاستقرار أو تحقق أي أهداف قد ترغب الولايات المتحدة في تحقيقها.
إن ما تعلمته معظم الدول هو أنه مع احتلال الولايات المتحدة مقعداً خلفياً في المنطقة، مفضلة التركيز على الصين، تُركت دول أخرى لتتولى زمام الأمور وتنتظر ما هو قادم، وتحاول الإمارات أن تكون جزءاً من هذه العملية.
بالنسبة لإسرائيل، ستكون القضية الرئيسية هي ما إذا كان يمكن الحد من التهديد الإيراني في سورية، كجزء من هذا الاستقرار الجديد الذي تعتقد دول الخليج أنه قد يتم تمكينه، ولهذا السبب، تعمل الإمارات العربية المتحدة بشكل وثيق مع الأردن بشأن المناقشات حول المنطقة.
أن القضية هي أن نظام الأسد تظاهر في الماضي بأنه سيقلص دور إيران، وقد قال هذا قبل عام 2011 وحتى أثناء النزاع، لكن الإيرانيين ما زالوا يلعبون دوراً رئيسياً في سورية.